Yüz Yılda İngiliz Felsefesi (Birinci Bölüm)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Türler
deism
أو الحيادية
indifferentism (وأحيانا الإلحادية أيضا) في الدين، ومذهب الحريين «الليبرالية
Liberalism » في السياسة.
وقد بلغ المذهب التجريبي الكلاسيكي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الذي نميزه من خليفته الطبيعي، المذهب التجريبي الحديث في القرن التاسع عشر، بلغ هذا المذهب أوجه في فلسفة هيوم، وتوقف مؤقتا عندها، وكان التوقف مؤقتا؛ لأن هيوم لم يخلف وراءه أي تراث من التعاليم الواضحة المنظمة التي كان تلاميذه وخلفاؤه يستطيعون الأخذ بها لتوسيعها، بل إن ما خلفه هو زعزعة كاملة للمبادئ الفلسفية وهدم تام لها، نجم عنه القضاء على كل إمكانية للتعليم المتقيد به، وحال دون أي استمرار مباشر لمذهبه أو أي تدريس فلسفي قريب منه، وهنا يكمن المعنى الحقيقي لما يسمى - من باب التركيز - باسم مذهب الشك عند هيوم، فخط المذهب التجريبي الإنجليزي يسير في عمومه في اتجاه مستقيم إلى الأمام وعلى نحو متصل، حتى يبلغ أعلى مستوى له عند هيوم، وعندئذ ينحرف وينقطع، ولا يتحرك إلى الأمام ثانية حتى يتلقى دفعة جديدة من الأفكار، ويحدث انقطاع الاتصال في نفس الموضع الذي ينفصل فيه المذهب التجريبي الكلاسيكي عن نظيره الحديث ويتجدد ولكن على صورة مختلفة، ويتحدد الانقطاع تاريخيا بالهجوم المضاد الذي شنه ريد والفلسفة الاسكتلندية على هيوم، أما الأفكار الواردة الجديدة فتتمثل في فلسفة بنتام.
ومن المهم أن يكشف المرء بوضوح عن هذه الارتباطات التاريخية، فالمدرسة المتأخرة لا ترتبط مباشرة بالمتقدمة، بل إن بينهما انفصالا وفراغا تملؤه المدرسة الاسكتلندية؛ ذلك لأن هجوم ريد، والحركة الاسكتلندية التي أسفر عنها، قد أدى إلى إصابة التجريبية التقليدية بضربة قاصمة، كان لا بد من مضي وقت طويل قبل أن تفيق منها، وقد انقضت العشرات الأولى من القرن التاسع عشر في صراع بين هذه المذاهب المتنافسة، ظل محتدما حتى أنهاه الهجوم المشهور الذي شنه جون ستيوارت مل على هاملتن عام 1865، وفي هذا النزال الحاسم خرج المذهب التجريبي منتصرا. وإن المعركة الفكرية بين مل وهاملتن لتناظر بكل دقة، من الوجهة التاريخية، المعركة بين ريد وهيوم، غير أن التفوق في الأسلحة كان في هذه المرة من نصيب المذهب التجريبي، الذي كان قد اكتسب قوة جديدة، وطرد خصمه الاسكتلندي نهائيا من الميدان هذه المرة، وقد أثبت المذهب التجريبي، بإعادته لتراثه إلى مكانته القديمة، ومساهمته بأفكار ومبادئ فكرية جديدة، أنه هو الاتجاه الفلسفي الأقوى والأقدر على البقاء، وهكذا كان التنافس بين المدرستين، وصراعهما على السيطرة، هو العنصر الهام المتصل في الفكر الإنجليزي منذ أواسط القرن الثامن عشر حتى أواسط القرن التاسع عشر. ومن الجدير بالملاحظة أن الفترة التي استغرقها هذا الصراع كانت قرنا بالضبط، منذ هجوم ريد الأول على هيوم في سنة 1764 حتى هجوم مل الأخير على هاملتن في 1865؛ فهاتان السنتان تمثلان إذن نقطتي الذروة في الصراع، على حين أن الفترة الواقعة بينهما تتميز بمنازلات ومناوشات أقل أهمية، وبفترات هدنة وإيقاف للقتال أيضا، وإن كان ذلك يقترن أيضا بتوتر ظاهر أو خفي.
وعلى قدر ما كان من أهمية تاريخية للمذهب التجريبي الحديث - كما يتمثل في المؤلفات الرئيسية التي كتبت منذ عهد بنتام حتى مل الأصغر - فقد أثبت أيضا أنه حركة عقلية لها مكانتها الرفيعة وتأثيرها الهائل؛ فهو لم يقتصر على أن يكون المحور الذي يدور حوله التقدم الخاص في الفلسفة، بل لقد امتد تأثيره - أكثر من أية حركة أخرى في ذلك العصر - إلى ميادين الأدب والثقافة والسياسة والقانون والإصلاح الاجتماعي والتعليم، وسيطر على هذه المجالات وشكلها بصورته وطبعها بطابعه الخاص، ولم يكن مصدر نموه هو مدرجات الطلاب أو قاعات الدرس بقدر ما كان هو ضرورات الحياة الملحة والصراع اليومي المتقلب في سبيل العيش، ولم يكن الاهتمام به مقتصرا على العلماء أو الإخصائيين، ولا كانت حدوده تنحصر في الدوائر الأكاديمية والعلمية، كما هي الحال في الفلسفة الاسكتلندية وغيرها من المدارس في ذلك القرن، ويتضح ذلك - خارجيا - إذا أدركنا أن ممثليه الرئيسيين لم يكونوا من أصحاب كراسي الأستاذية أو غيرها من المناصب الأكاديمية، بل كان معظمهم من أصحاب المهن العملية، فقد نما منذ البداية بين مختلف مهام الحياة وظروفها العملية، وكان هذا الطابع العملي الواضح الذي تميز به كفيلا بأن يضمن له تأثيرا أوسع وأعمق مما تكتسبه الأفكار والحركات الفلسفية عادة، وهكذا استوعب في داخله تراث أسلافه الكلاسيكيين، مع توسيع نطاقه والنهوض به والتعمق في أغوار أبعد في مختلف مجالات الحياة، فهو ليس فقط المرآة التي تجمع وتعكس أشعة الفكر والشعور القومي الإنجليزي، بل إنه - مع الأدب والشعر - القالب الرئيسي الذي تتشكل به الروح الإنجليزية. والأمر الذي لا نكاد نجد له نظيرا إلا في هذه الحالة هو أن يفتح للفلسفة طريقا تؤثر به في السياسة والقانون والبرلمان والتشريع والتعليم، وهو يسهم إسهاما إيجابيا في حل المشكلات الملحة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والجنائية وغيرها من الميادين العملية، وهو في كل ذلك خليفة مخلص لعصر التنوير، ينفر تماما من اتخاذ التأمل الخالص مثلا أعلى، ويضع نفسه تماما في خدمة الميدان العملي، حتى عندما يتخذ نشاطه طابعا نظريا، فهو برجماتي في كل شيء على الرغم من أنه لم يكتشف الصيغة الفلسفية المعبرة عن طابعه الأساسي.
ونستطيع أن نتأمل المذهب التجريبي في ضوء آخر إذا ما تساءلنا عن قيمته الفلسفية الكامنة، ونقارنه - على هذا الأساس - بالمذهب التجريبي الكلاسيكي السابق عليه، وهنا نجد أن المقارنة - كما هو متوقع - ليست في صالحه، على الرغم من أن الدراسة المنزهة عن التحامل كفيلة بأن تجعلنا نصدر عليه حكما أفضل مما يعزى إليه عادة؛ إذ ليس ثمت شك في أن الفلسفة التجريبية قد بلغت قمة نموها النظري لدى الثلاثي المؤلف من لوك وباركلي وهيوم، بحيث سار التطور التالي - في هذا الصدد - في اتجاه نزولي، ولم يقتصر المذهب التجريبي - في فترته الكلاسيكية - على إرساء دعائمه الأساسية، بل إنه قد استنفد إمكانياته التأملية في جميع المجالات الرئيسية، ولم يكن في استطاعة القرن التاسع عشر أن يحرز أي تقدم هام يغير به إطار المذهب التقليدي. وإلى هذا الحد يكون المذهب التجريبي المتأخر بالفعل من عمل مفكرين من مستوى أدنى بكثير من أسلافهم، ويفتقر إلى كل ما يتميز به الفكر الخلاق من قوة وأصالة حقيقية، غير أن رجال ذلك الجيل الفلسفي - وإن كانوا أقل مرتبة من أسلافهم - لم يكونوا مجرد شراح أو مقلدين، ولم يكونوا طفيليات تعيش على ثروة موروثة وتستهلكها، وإنما كرسوا أنفسهم لتدبير شئون ميراثهم بدقة ونجاح، واستطاعوا إضافة أرباح إلى رأسمالهم الموروث. وهكذا فعلى الرغم من أنه لم تتحقق نتائج نظرية هامة، فقد خلقت قيم إيجابية جديدة هامة، وتتمثل هذه - قبل كل شيء - في إحراز تقدم في تمييز المشكلات وتفريعها، وفي تحسين مناهج البحث، وأخيرا، في إحداث توسيع وإثراء ضخم في المادة التجريبية، وفتح ميادين جديدة للبحث، وقد أصبحت هذه المرحلة المتأخرة للحركة التجريبية - للمرة الأولى - متعطشة إلى التجربة بالمعنى الصحيح للكلمة؛ فجمعت بحماسة مجموعات ضخمة من المواد الجديدة، ورتبتها وصنفتها وبوبتها ونظمتها، أي إنها حاولت بالاختصار أن تفهمها وتعالجها فلسفيا، ولكن الفلسفة عندما تسلم قيادها للتجربة إلى هذا الحد، تتعرض لخطر الخضوع لسيطرة التجربة بدلا من إخضاعها لسيطرتها، وهكذا تزداد ابتعادا عن المشكلات المركزية، وينحرف اهتمامها الرئيسي إلى مسائل هامشية، ويتمثل ذلك في فتور الدافع الصحيح إلى التأمل، وفي التخلي عن فكرة المذهب البناء، وفي اتخاذ موقف سلبي من مشكلات الميتافيزيقا، وتحويل نظرية المعرفة إلى علم النفس، والمنطق إلى مناهج البحث، وفي إعطاء الأولوية للفعل. وهكذا تعد التجريبية المحدثة حركة تهتم بالكم أكثر من الكيف، وبالاتساع أكثر من العمق، وعلى الرغم من أن هذه في مجموعها عيوب، فإنها ميزة بمعنى من المعاني؛ إذ إنها أدت خدمة ضخمة في استيعاب المعلومات الجديدة والسيطرة على مجالات البحث الجديدة، كما أننا ندين للقرن التاسع عشر بظهور نظام محكم للمنطق التجريبي، على حين أن الفترة الكلاسيكية لم تنتج إلا اقتراحات قليلة، تقترن بنظرية عامة في العلم ومبحث منهجي في المعرفة كاد أن يتجاهل تماما حتى ذلك الحين، كذلك تحقق في الأخلاق بدورها - لأول مرة في ذلك الحين - تنظيم دقيق للمادة التي كان المذهب الأخلاقي الأسبق قد توصل إليها من قبل، ولكنه لم يضعها قط في قالب ثابت متماسك، وهذا يصدق أيضا - بدرجة أقل - على علم النفس، بينما يدل النشاط الذي بذل في ميدان نظرية المعرفة على تأخر مؤكد بالنسبة إلى ما كانت عليه الحال من قبل، ومن جهة أخرى اكتشفت أرض جديدة في مجالات القانون والسياسة والحياة الاجتماعية والتعليم وغيرها من المجالات المنتمية إلى الميدان العملي.
وإذا طرحنا جانبا المدرسة التطورية - التي سنتحدث عنها في الفصل المقبل - فإن الشخصيات الرئيسية في المذهب التجريبي الحديث هي بنتام وجيمس مل وجون ستيوارت مل، وقد حمل هؤلاء المفكرون الثلاثة العبء الرئيسي في الحركة، وفيهم يتمثل المظهر الحديث للتراث التجريبي الإنجليزي في أفضل وأعمق صوره، وعلى الرغم من أن جريمي بنتام
Jeremy Bentham (1748-1832) مرتبط ارتباطا وثيقا بالقرن الثامن عشر، سواء من حيث تعليمه العقلي ونشاطه الإنتاجي، فإنه - فيما يتعلق بتأثيره الفلسفي - ينتمي إلى القرن التاسع عشر، ويمكننا أن نرى فيه الممثل الأول لما نسميه بالمذهب التجريبي المحدث، وينحصر نشاطه - في المحل الأول - في ميدان الفلسفة العملية، وذلك أولا في الأخلاق، ثم في جميع مجالات الدراسة المبنية على الأخلاق، كالسياسة والإصلاح الاجتماعي والتشريع والفقه القانوني (ولا سيما القانون الجنائي) والقانون الدولي والتعليم، وفي جميع هذه المجالات كان مجددا ثوريا، وقد اكتسب منه الفكر الإنجليزي في القرن التاسع عشر من الخصوبة والعمق أكثر مما اكتسب من أي مفكر آخر، وتأثر به بقوة تفوق تأثره بأي شخص غيره، وهو هنا يواصل ويحيي تلك الآراء الديمقراطية المتحررة والنفعية التي بدأها لوك، والتي سيطرت على ذلك القرن، ولم يكن لمذهب أي فيلسوف آخر مثل ما كان لمذهبه من اتساع نطاق التأثير، أو من النتائج العملية الهامة، وكان بلا شك أشد الأرواح في عصره وبلده تحررا، ولم يلن أمام أية سلطة أو أي تراث؛ فحرر نفسه من جميع قيود الدولة والكنيسة والدستور والقانون التقليدي، ومن الأخطاء المتأصلة والعادات الراسخة، وكان أعظم متشكك في ثبات النظام السائد للأشياء، سواء في المذاهب والنظم الاجتماعية، وأجرأ ثائر على القيم التقليدية، وأقسى ناقد للتقاليد السائدة، وبالاختصار، فقد كان هو الفيلسوف المجدد
Bilinmeyen sayfa