148

Yüz Yılda İngiliz Felsefesi (Birinci Bölüm)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Türler

Reguis Professor

لليونانية في نفس العام الذي عين فيه جرين في باليول (1855). وقد اتصل جرين بهذا المعلم العظيم وهو لم يزل طالبا، بل كان يتخذ منه رائدا له. وليس من شك في أن جويت هو الذي حول تفكير جرين في الاتجاه الذي أضفى به هذا الأخير على الفلسفة الإنجليزية، بعد ذلك بقليل، قوة «دافعة جديدة»، وأعني به اتجاه كانت وهيجل.

ولكي نوضح مكانة جرين الفريدة في تطور الفكر الإنجليزي في القرن التاسع عشر، ينبغي علينا، أولا وقبل كل شيء، أن نحدد علاقته بكبار المفكرين الألمان. فمهما كان من عمق انغماس تفكيره، بجميع مظاهره، في جو المثالية الألمانية - ويمكن القول إن كل سطر فيه، بل كل كلمة تقريبا، تشهد بذلك - فقد كان يدرك أن الموقف التاريخي الذي ولد فيه يقضي على أية إمكانية لقبول المذاهب الألمانية أو إعادة ظهورها، وكثيرا ما رأيناه يؤكد ضرورية قيام كل جيل بإيضاح المشكلات الفلسفية من جديد بطريقته الخاصة «فمن الواجب البدء من جديد في هذا الموضوع بأسره.»

37

وعلى ذلك فإن ما نجده لدى جرين ليس مجرد اقتباس لأفكار أجنبية أو إعادة صياغتها من أجل إظهار علمه أو لأي غرض آخر، وإنما نجد له بداية جديدة أصيلة، وتجربة خلاقة لذهن عميق أخصبته وغذته حركة فكرية خارجية كانت تلائم تفكيره الخاص. وهكذا فإن ما أخذه عن هذه الحركة قد تشكل وتحول بفضل تجربته الشخصية من جهة، وبفضل الموقع التاريخي الذي وجد نفسه فيه.

ولكن إلى أي مدى كان من الممكن المضي في عملية البناء فوق الأسس التي وضعها سترلنج، طالما أن التراث القومي المتأصل الذي يرجع إلى قرون طويلة، قد ظل مسيطرا بلا منازع؟ لقد أدرك جرين منذ البداية أن التراث كان العقبة التي يتعين إزاحتها، وأنه لا يكفي أن يوضع الجديد محل القديم، وإنما ينبغي أولا زعزعة القديم وتقويض أركانه. وهكذا كان من الضروري خوض صراع حياة أو موت بين الفلسفات القائمة على المذهب الطبيعي أو مذهب المنفعة عند بنتام ومل وليويس وبكل وسبنسر ودارون وهكسلي، وبين سدجويك من جهة، وبين مثالية كانت وفشته وشلنج من جهة أخرى. وهكذا يصادف المرء في كل شيء كتبه تقريبا، في المحاضرات التي تركها ضمن مخلفاته، وفيما نشره هو نفسه أو أعده للنشر، نضالا مستمرا عنيفا ضد الفئة القائلة بالمذهب الطبيعي، بل إن أول أعماله، أعني مقدماته المشهورة اليوم، تحمل هذا الطابع المميز، ألا وهو الارتباط الوثيق بين المناداة بالجديد، وبين إعلان الحرب على القديم. وهكذا كان لجرين دائما عدو يواجهه، وتلك هي الطريقة الوحيدة التي كان يستطيع أن يفكر بها. وعلى ذلك ففي تلك المرحلة المبكرة التي يمثلها، من مراحل التأثير الألماني، لم يكن العمل الجديد البناء قد بدأ بعد، رغم أهمية مساهماته التمهيدية ، أي إن رسالة جرين في تاريخ الفلسفة كانت قبل كل شيء إزاحة المذاهب القديمة من الميدان وتمهيد الأرض لمركب جديد من نوع مثالي، ولم تبدأ الثمار الكاملة لجهوده في الظهور إلا عندما ظهرت مذاهب برادلي وبوزانكيت وماكتجارت والباقين.

ولم يقتصر اهتمام جرين، في عملية تطهير الأرض، على المذهب الطبيعي عند معاصريه، بل إنه تجاوزهم، وركز جهوده أساسا في استئصال الجذور التاريخية القديمة العهد لطريقة التفكير هذه. وهي المذاهب التجريبية الكبرى بالقرنين السابع عشر والثامن عشر، ولهذا الغرض كتب مقدمتيه لبحث هيوم في الطبيعة البشرية، وهما تمثلان نقدا أساسيا للتعاليم النظرية والعملية للحركة التجريبية من لوك إلى هيوم. ولكن من الغريب حقا أن تلحق هاتان المقدمتان بطبعة لمؤلفات الممثل الكلاسيكي لهذه الحركة. ولقد كان جرين يسترشد بالفكرة الهيجلية القائلة: إن الفلسفة تتقدم بطريقة ديالكتيكية، مستهدفة إيجاد نظرة متزايدة المعقولية إلى الأشياء، بحيث تكون المذاهب الماضية هي الخطوات المتعددة في عملية التقدم هذه. ولا جدال في أن المذهب التجريبي كان إحدى هذه الخطوات الهامة، وكانت دلالة مذهب هيوم بالنسبة إلى تاريخ الفلسفة في نظره، هي أنها تمثل نهاية هذه الخطوة، التي ارتفعت بعدها الحركة الديالكتيكية الفكرية إلى مرحلة جديدة أعلى عند كانت. فإذا ما نظرنا إلى المذاهب التجريبية الممتدة من لوك إلى هيوم من هذا المنظور الأعلى، لوجدنا أنها تبدو بالفعل أخطاء، غير أنها، بقدر ما أعانت على استخلاص حقيقة جديدة لدى كانت، قد ساهمت بدور حاسم في تقدم الفكر، فبحث هيوم في الطبيعة البشرية يمثل معبرا يوصل إلى «النقد» الأول عند كانت، [أي نقد العقل الخالص].

وهو في الوقت ذاته أهم نقطة تحول في تاريخ الفلسفة الحديثة. وهكذا يربط جرين بين هيوم وكانت ربطا وثيقا؛ إذ إن أحدهما قد سأل سؤالا، والآخر قد أجابه. فنزعة الشك عند هيوم قد هزت الفكر، من أعماقه، بفضل اتخاذها من التساؤل موقفا أساسيا، وبذلك مهدت الطريق لإجابة من نوع جديد، قدمها كانت في «نقد العقل الخالص»؛ لذلك فإن كانت يعد الخليفة الحقيقي لهيوم. وهكذا فإن تطور الفلسفة بعد هيوم لا يتمثل في ذلك الخط المستقيم المؤدي إلى أتباعه في القرن التاسع عشر، وإنما في التحول الديالكتيكي الذي عجل بظهور الحركة المثالية الكبيرة لدى الألمان، فلم يكن في إنجلترا خلفاء أصيلون لهيوم؛ إذ إن أسئلته الفاحصة، التي نفذت إلى أعمق جذور المعرفة، لم تجد هناك من يجيب عنها، بل إنها لم تعد مفهومة؛ فذلك النوع من الفلسفة، الذي كان موجودا عندئذ، كان منحلا لا حياة فيه، وما هو إلا فكر يسير في فراغ، دون أي حافز خلاق، وبالتالي دون أية إمكانية للتقدم. ولقد كان انتقال الروح الفلسفية التي ظلت حية في المذاهب الإنجليزية الكلاسيكية إلى ألمانيا، هو الذي دعا جرين إلى أن يقول مرارا وتكرارا للجيل الجديد من مواطنيه: «دعوكم من مواطنيكم مل وسبنسر، وتحولوا إلى كانت وهيجل.» وبهذا الرأي المضاد الذي قال به جرين، بدأ فصل جديد في تاريخ الفلسفة الإنجليزية.

وعلى ذلك فإن مذهب جرين يحمل في مضمونه، وكذلك في التعبير عنه، ذلك الطابع واللون المميز للمثالية، الذي ظل مستمرا دون أي انقطاع حقيقي منذ اليونانيين حتى المحدثين، وهو يعد جزءا أساسيا من تلك الحركة. ولقد استمد جرين، في تكوين أفكاره، عناصر من المذاهب المثالية لأفلاطون وأرسطو، ومن الأخلاق المسيحية، ومن ميتافيزيقا باركلي المرتكزة حول فكرة الله (وهي ليست تجريبية إلا في ثوبها الظاهري فحسب)، وأهم من ذلك كله، من المثالية النقدية عند كانت والمثالية المطلقة عند هيجل، كما استمد بعض العناصر من فشته وهربارت وف. ك. باور

38

Bilinmeyen sayfa