نذهب في هذا العمل إلى البحث في سيرة وفلسفة بعض النساء اللواتي دخلن عالم التفلسف من بابه الواسع، وتحملن عبء التفرغ للفكر الفلسفي تدريسا وتأليفا في مجتمعات ذكورية بامتياز؛ حيث جددت الرأسمالية آليات السيطرة والهيمنة الذكورية على عالم الفكر. وخصصن معظم أوقاتهن للتنقل بين الجامعات، ومنهن من تحملت ويلات الحروب والاضطهاد الفاشي والديني واللغوي والثقافي خاصة في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما نجد منهن من تخلين عن الحياة الأسرية وعزفن عن الإنجاب للتفرغ للفلسفة، إن لم نجد منهن من لها ميولات جنسية مختلفة ضدا على المجتمع الذكوري، وبحثا عن اعتراف من نوع آخر.
من المعلوم جيدا أن الفلاسفة-الذكور قد هيمنوا على تاريخ الفلسفة، فلاسفة-ذكور لم ينفلت منهم من سلطة المجتمعات الذكورية إلا النزر اليسير، ولكن مع تناسل مقاومات الحركة النسائية وانتزاعها لحق المساواة والحرية والإنصاف لولوج مجالات عمل كانت إلى عهد قريب حكرا على الرجال، ومع الدور الذي لعبته الأنظمة الاشتراكية والحركات النسائية في العالم، سيتعزز دور المرأة في المجتمعات الغربية تحديدا والتي أقرت أنظمة علمانية منحت للنساء حقوقا لم يكن يسمح بها من ذي قبل.
في مجتمعات اليوم لم يعد السؤال يتعلق بالحاجة إلى تحرير المرأة كما طرح في القرن التاسع عشر (مع الموجة النسوية الأولى)، بل صار السؤال ينصب حول مستقبل هذا التحرر، من جهة أن هناك مشكلات جديدة صاحبت الاعتراف بالمرأة ودورها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، من قبيل الحقوق الجنسية، والاختلاف الجنسي والتحول الجنسي ... ناهيك عن التعدد الثقافي والديني واللغوي.
ماذا لو قلبنا التاريخ رأسا على عقب، فإذا كان تاريخ الفلسفة في مجمله تاريخا ذكوريا بامتياز كتبه فلاسفة ذكور، فماذا عساه يصير لو كان تاريخا نسويا؟ ماذا لو كانت النساء هن اللواتي لعبن دورا هاما في تاريخ الفلسفة؟ ألن نجد أنفسنا أمام قضايا فلسفية مغايرة، ومنهجيات فلسفية مختلفة، ولربما أمام فكر مختلف جذريا عن فلسفة الفلاسفة الذكور، وأمام فلسفة جديدة حتى لا نقول فلسفة نسوية؛ لأن هذا النعت يضمر بين ثناياه نزعة ذكورية؛ حيث يتم التمييز بين فلسفة ذكورية ونسوية؟
ستكون لثورة المساواة في الحقوق ولولوج عالم الشغل والفكر والثقافة انعكاسات جديدة على بنيات التفكير، وعلى طبيعة القضايا الفلسفية كما نجد ذلك في عالم السياسة والاقتصاد. لذا نعتقد - دون الجزم في ذلك - أن التاريخ المقبل للفلسفة سيكون تاريخا مغايرا ومختلفا، ليس بسبب ثورة المساواة والحقوق وحدها، وإنما بسبب اجتياح النساء لنسب الساكنة العالمية، وتفوقهن في مجالات التعليم والسياسة والاقتصاد على حد سواء، وبسبب ثورة الحب كما نظر لها لوك فيري وألان باديو.
نجد أنفسنا في هذا العمل أمام فكر فلسفي يطرح قضايا سياسية راهنة تتصل بالفلسفة السياسية تحديدا؛ حيث سنلتقي بوجوه بارزة لعبت أدورا هامة في التنظير لقضايا لم تطرح من قبل، كما هو الشأن بالنسبة للفيلسوفة جوديث بتلر
Judith Butler
أو سيلا بن حبيب
Seyla Benhabib ، أو نانسي فريزر
Nancy Fraser ، وبوجوه لم تلق كامل الحفاوة والاهتمام في الجامعات وكليات الفلسفة على الأقل في عالمنا العربي من قبيل سيمون فايل
Bilinmeyen sayfa