Felsefenin Türleri ve Sorunları
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Türler
يكاد يكون من المحتم أن يكون القارئ قد شعر فجأة بمفارقة في موضع ما من هذا الفصل. وربما كانت تجربته مشابهة لتجربة أناس كثيرين. فمن الجائز أن أصدقاءه وأقرباءه يسمونه «مثاليا» ولكنه يكتشف الآن أن آراءه في الكون والواقع أقرب إلى آراء المذهب الطبيعي. فإذا كانت الفكرة الرئيسية التي ألف حولها هذا الكتاب صحيحة، وكانت المثالية والمذهب الطبيعي هما القطبين المتقابلين في الفلسفة، فكيف يمكن إذن أن يكون المرء في كلا المعسكرين دون أن يكون مفتقرا أساسا إلى الاتساق - الذي يشعر القارئ على الأرجح أنه لا يفتقر إليه؟
إن تفسير هذه المفارقة أبسط مما يعتقد، وذلك على الأقل من وجهة نظر المثالي. ذلك لأن الخلط ينشأ من وجود نوعين من المثالية، يفرق بينهما لفظ المثالية الميتافيزيقية والمثالية الأخلاقية (أو التقويمية
Axiological ). والأولى هي التي كنا نتحدث عنها حتى الآن. ولكن الواقع أننا لو شئنا الدقة فكان من الواجب تسمية هذه النظرة الميتافيزيقية الكبرى باسم «الفكرية
Ideaism ». ولكن من المؤسف أن نطلق الكلمة على هذا النحو الصعب في اللغة الإنجليزية؛ ولذا فقد أضيف إليها الحرف «I» منذ وقت بعيد لتحسين وقع اللفظ. وترتب على ذلك أن اللفظ الواحد أصبح يستخدم الآن للتعبير عن مفهومين مختلفين (بل لا يوجد بينهما ارتباط في نظر صاحب المذهب الطبيعي): أولهما هو تلك النظرة إلى العالم، التي تكون فيها الفكرة، أو التفكير، أو الذهن، هي الحقيقة الأساسية، والثانية هي ذلك المذهب في الاعتقاد أو السلوك، الذي تكون فيه المثل العليا؛ أي الغايات أو المعايير المرغوب فيها - هي الدافع الأساسي. ولو كان من الممكن استخدام لفظ الفكرية للتعبير عن الميتافيزيقية ولفظ المثالية للتعبير عن المذهب الأخلاقي، لأمكن استبعاد قدر لا حد له من الخلط.
ادعاء الاحتكار لدى المثالي الميتافيزيقي : ومع ذلك فالأمر هنا يزيد على مجرد تحسين وقع اللفظ. فهناك سبب آخر أدى إلى عدم استخدام لفظين مستقلين هو أن المثالية الميتافيزيقية قد حاولت الاحتفاظ باحتكار اللفظ الواحد، بتأكيدها القاطع أن من المستحيل الفصل بين النظرتين. فهي تذهب إلى أن من المستحيل أن يكون لديك مذهب مثالي في السلوك، إن لم تكن تفترض مقدما نظرة إلى الكون تصور الواقع بأنه ذهني أو روحي. وباختصار فالمثالي الميتافيزيقي يؤكد أن من المحال أن يكون لأي مذهب أخلاقي قوة أو حتى معنى، ما لم يكن يفرضه نظام كوني هو في صميمه نظام أخلاقي، ويوجد فيه الله بوصفه الماهية العميقة للواقع. ففي نظر هذه المدرسة من مدارس المثالية، يكون تعبير «أخلاق المذهب الطبيعي»، أو «الأخلاق في إطار من المذهب الطبيعي»، تعبيرا متناقضا؛ إذ لا بد أن يكون لمثلنا العليا ومعاييرنا علاقة بمثل عليا أعلى وأشمل؛ أي «بالمثل الأعلى» الواحد الشامل - إذا ما شئنا أن تكون لها قيمة على الإطلاق. أما إذا نظرنا إليها على أنها معايير بشرية محضة، لا تستمد إلا من التجربة البشرية، ولا يكون لها معنى إلا بالنسبة إلى أمور البشر، فإنها عندئذ لا تكون ذات أثر أو قيمة.
المثالية الأخلاقية في علاقتها بالمذهب الطبيعي : على أن المثالية الأخلاقية لا ترتبط ارتباطا ضروريا بوجهة النظر الصارمة هذه، وكثيرا ما نجد مثاليين أخلاقيين لا يتمسكون بها. هذا النوع من المفكر الأخلاقي كثيرا ما يكون صاحب مذهب طبيعي في الميتافيزيقا، يرى أن القيم والمثل العليا لا تفقد شيئا من معناها أو قوتها حين تكون «بشرية فحسب». فليس في تسميتنا إياها بالقيم البشرية، أو في تسمية القائل بها باسم صاحب نزعة إنسانية، أي إقلال من شأنه؛ ذلك لأنه لا يوجد في فلسفته عنصر إلهي أو فوق الطبيعي يكون الطبيعي أو «البشري فحسب» أدنى مرتبة بالقياس إليه، بل إن صاحب المذهب الطبيعي يرى في قدرة الإنسان على صياغة مثله العليا ثم السير في حياته بمقتضاها أمرا عظيما له دلالته، غير أن هذه الدلالة لا تأتي إلا من السعادة البشرية والازدهار البشري الذي يمكن أن يتحقق على هذا النحو، لا من أية علاقة مفترضة بالخير الكوني. فللمثل العليا البشرية جدارة وقيمة خاصة بها، وهي تقف بذاتها، مستمدة معناها وقيمها من علاقتها بالحياة البشرية وإمكاناتها. مثال ذلك أنه حتى لو لم تكن «للعدالة» «صورة» أفلاطونية تكون هي مصدرها والضامن الميتافيزيقي لوجودها، فإنها توجد بوصفها مثلا أعلى له معناه وفعاليته في أي مجتمع مؤلف من كائنات تستطيع مشاعرها وعقولها أن تحس بالظلم. وباختصار، فنحن نضع المثل العليا ونسعى إلى تحقيقها لأننا شاعرون بوجود قصور ونقائص في تجربتنا، لا لأننا مثقلون بأي إحساس بالكمال الإلهي أو الخير الأسمى. فالسبب الذي يجعلنا نضع المثل العليا هو نفس السبب الذي يجعلنا نتفلسف: أعني أننا بشر لدينا قدرات تجعل كلا من وجهي النشاط هذين ممكنا، وأننا نعيش في عالم يجعل كلا منهما أمرا محتوما.
وإذن فالمذهب الطبيعي لا يرى في كل من وجهي النشاط هذين أكثر من رد فعل طبيعي لكائنات بشرية تعيش في هذا العالم. فلا البحث عن معرفة قصوى، ولا السعي إلى تحقيق مثل عليا في حياتنا، يستتبع القول بعالم رحيم أو مملكة عليا «للخير والحق والجمال». قد يكون غير مكترث بمثلنا العليا وآمالنا، ولكن هذا أمر لا صلة له بالموضوع. فنحن نسعى إلى تحقيقها لإرضاء أنفسنا، أو لتحقيق الرخاء لمن نعرف والسعادة لمن نحب. وهذا مسعى لا صلة له باهتمام الكون أو عدم اكتراثه. (5) النتائج العامة للمثالية
لا بد أن يكون القارئ قد كون في ذهنه الآن فكرة واضحة عن المعالم الجغرافية لنصفي الكرة الفلسفيين هذين. وبذلك نكون على استعداد لبدء دراستنا لمشكلات الفلسفة؛ إذ إن من الممكن الآن أن نفهم هذه المشكلات والمدارس التي نشأت للإجابة عنهما لفهمهما أفضل. فبعد أن أصبحنا متجهين في الاتجاه الصحيح، نستطيع منذ الآن أن نتوغل في خضم الفكر التأملي المتلاطم ، واثقين أن لدينا من المعالم ما يكفي لضمان عودتنا إلى البر في أمان. ولكن قد يكون من المستحسن لضمان المزيد من الأمان والمتعة في الرحلة المقبلة، أن نلقي حولنا نظرة أخيرة شاملة؛ ذلك لأن معالم الأرض قد تبدو مؤكدة لا تخطئها العين ونحن راسون على الشاطئ، ولكنها على الأرجح لن تظل بمثل هذا الوضوح أثناء محاولتنا الإبحار في طريقنا من خلال الأمواج المتلاطمة والتيارات المتشابكة.
لقد رأينا أن المثالية مذهب تفاؤلي مليء بالثقة. ومصدر هذه الحالة النفسية التي تتسم بالوثوق هو تلك النظرة المحكمة إلى الواقع بوصفه عالم قيم عقلية وأخلاقية وروحية - أو إطار يتخذ فيه نضالنا من أجل تحقيق القيم والمثل العليا أهمية متزايدة؛ لأن الكون في مجموعه لا يعطف على مثل هذا الجهد فحسب، بل أنه يشارك فيه إيجابيا. ففي هذه النظرة إلى العالم يكون «الذهن» أو «العقل» هو مركز كل وجود. غير أن هذا العقل ليس مجرد مركز محايد للعمليات العقلية، وإنما هو - على العكس من ذلك - يتصف بالخيرية مثلما يتصف بالمعقولية.
السلوك الإنساني في ظل النظرة المثالية إلى العالم : مثل هذه النظرة إلى العالم تنطوي ضمنا على نتائج هامة بالنسبة إلى السوك البشري. فهي تتضمن أولا أن أوجه نشاط الإنسان العقلي والروحي لها أهمية تفوق بكثير ما يوحي به مقدار الوقت الذي نكرسه لها عادة. فعندما نكون في أكثر حالاتنا معقولية أو روحية، نكون في أشد حالات الانسجام مع الكون. وعندئذ نصبح أقرب ما نكون إلى الحقيقة القصوى. وفي هذه الحالة نحقق أكمل ما في ذاتنا، والغرض الرئيسي من وجودنا. وهناك نتيجة ثانية للنظرة المثالية إلى العالم. هي ما تتيحه من تحقيق يكاد يكون لا متناهيا للمثل العليا الأخلاقية والروحية للإنسان. ولقد سبق لنا أن اقتبسنا عبارة لواحد من أشهر المثاليين الأمريكيين يقول فيها إن مدرسته تذهب إلى أنه «ليس ثمة شيء، يحكم عليه سلفا بأنه مستحيل في اتجاه الأماني والرغبات البشرية العليا». فالكون الذي يكون عاقلا ومتلائما معنا يقدم إلينا أملا - بل وعدا محددا - بأن أعمق أمانينا، وأسمى آمالنا، ليست عقيمة أو عديمة المعنى. وبذلك لا يكون أمل الإنسان في الخلود وتوقع عدالة نهائية مجرد حلم تعويضي، وإنما هو «الوعد الحق»، الذي تبرره طبيعتنا الخاصة، وكذلك طابع الكون ذاته.
Bilinmeyen sayfa