وكانت حولها نسوة متعددات من حفدتها ونساء قومها كالنجوم المتناثرة يلتففن بها بغير انتظام، وهن جميعا سواسية في هذا الاندفاع والاتياع، وقائد تهن بينهن تستعرض ما ستقدم عليه من وثبة كريمة تهيئ لها العدة والذخيرة، وهي كلما استرسلت في استعراضها ازدادت رباطة جأش، وقوة جنان، وتضاعفت قوة الحق التي تعمل في نفسها، واشتدت صلابة في الحركة، وانبعاثا نحو الدفاع عن الحقوق المسلوبة، ونشاطا في الاندفاع، وبسالة في الموقف الرهيب، كأنها قد استعارت في لحظتها هذه قلب رجلها العظيم، لتواجه به ظروفها ا لقاسية وما حاكت لها يد القدر. أستغفر الله بل ما قدر لها المقدر الحكيم من مأساة مرؤعة تهد الجبل وتزلزل الصعب الشامخ. وكانت في لحظتها الرهيبة التي قامت فيها بدور الجندي المدافع شبحا قائما ترتسم عليه سحابة حزن مرير، وهي شاحبة اللون، عابسة الوجه، مفجوعة القلب، كاسفة البال، منهدة العمد، ضعيفة الجانب، مائعة الجسم، وفي صميم نفسها، وعميق فكرها، المتأملة إشعاعة بهجة، وإثارة طمأنينة، وليس هذا ولا ذاك استعذابا لأمل باسم، أو سكونا إلى حلم لذيذ، أو استقبالا لنتيجة حسنة مترقبة، بل كانت الأشعاعة إشعاعة رضا بالفكرة، والاستبشار بالثورة، وكانت الطمأنينة ثقة بنجاح، لا هذا الذي نفيناه بل على وجه آخر، وإن في بعض الفشل الاجل إيجابا لنجاج عظيم وكذلك وقع، فقد قامت امة برمتها تقدس هذه الثورة النائرة بل تستمد منها ثباتها واستبسالها في هذا الثبات. ودفعتها أفكارها في وقفتها تلك إلى الماضي القريب يوم كانت
--- [21]
Sayfa 20