وضاق صدري فقلت: اسكت! لعله يسكت، ولكنه لم يسكت وواصل: إذا خاف الكاتب؛ فلا يصح أن يزعم أنه كاتب.
عدت إلى الكلام مضطرا فقلت: توجد حدود .. أنواع من الرقابة الداخلية. - والرجولة؟ .. عليه أن يرفض!
فكرت فيما يجب قوله، ولكنه سبقني قائلا: ستقول الحياة .. المعيشة .. الأولاد؟! - أظن أنها هموم حقيقية. - عظيم .. سلمنا .. وإذن فلا يحق له أن يهاجم عداد التاكسي .. ويجب عليه أن يرتدي فستانا وحجابا وحذاء بكعب عال، ويقول: أنا مرة!
الميدان والمقهى
1
الصباح مشرق، السماء صافية، الربيع يزفر فيفعم الجو حلاوة. الميدان يستيقظ بدوره الحديثة وآثاره العتيقة، الدكاكين تفتح أبوابها، الألبان والفطائر تزهو في معارضها، المقاهي تستقبل العاملين والخاملين. جلست مع الشاي الأخضر أراوح بين النظر والتذكر، مستمتعا بالصحة والأمل وأحلام الشباب. لم يخل المناخ مما يكدر الصفو، فهذا رجل ذابل العينين من البكاء والسهر، يسأل عن مكتب الصحة، وهذه امرأة طاعنة في السن تتحرى عن أقصر السبل إلى سجن مصر، ولكنها تذوب في حوادث كل يوم. في الوقت نفسه يتهادى صوت أم كلثوم من الراديو ليسعد صباح السامعين. أحتسي الشاي وأطرب وأنعم بالسمر مطمئنا إلى أن الأكدار عابرة، وأن الجمال أبدي لا يذعن لمشيئة الزمن.
2
انتصف النهار، وجاء الكباب. وراح النادل يرفع الإبريق والأكواب، ويعد المائدة للغداء.
وقال صاحبي: الزحام اليوم عجيب.
فقلت دون مبالاة: الميدان دائما عامر بالخلق. - ولكنه اليوم خرق المألوف.
Bilinmeyen sayfa