تناوله الشاب بدهشة قائلا: أول خطاب يجيئني في المقهى.
وعلى سبيل الاحتياط تنحى جانبا ليقرأه؛ أثار الخطاب اهتمام الجماعة لحظة ثم انخرطت في السمر. وجعلت أنا أراقبه من وراء وراء ملهوفا على رؤية رد الفعل. هل يضحك ساخرا؟ هل ينفعل ويغضب؟ لا هذا ولا ذاك؛ وجم وسكن وانخطف لونه. غاض من وجهه التألق والعنفوان، جمد وخمد وكأنه نام، والتفت أحدنا نحوه متسائلا: خير؟
فأجاب وهو يدس الخطاب في جيبه، ويرجع إلى مجلسه: ليست خيرا على أي حال! - لم والعياذ بالله؟ - مشكلة من مشكلات العمل، ولكن لا خطورة في الموضوع.
ونظر في ساعته، ثم قام وهو يقول: يستحسن أن أقوم بزيارة عاجلة.
وحيا وانصرف، لم يعد ثمة مجال للشك؛ انكشف المجرم ولم أخطئ في الحساب. ولكن ماذا بعد؟! لم يحضر في اليوم التالي ولا ما تلا ذلك من أيام، وسأل البعض عنه في بيته، فقيل لهم: إنه مشغول. وعلمنا بعد ذلك بأنه سافر في مهمة عاجلة إلى سوريا ، ولكنه لم يعد من مهمته حتى اليوم! واضطرت زينب إلى الإقامة مع أمها في شارعنا. وعرفنا - كجيران - أنها مرضت بمرض عصبي، وأنها تعالج بالطب، وعولجت أيضا بالزار ولكن دون جدوى. هكذا انتهت أسطورة زينب الجميلة وبدأت رحلة زينب المريضة إلى الأبد. لم أشعر بالنصر أو الارتياح إلا لحظات عابرة. اعتراني قلق وتطايرت برأسي الهواجس وخيم على قلبي هم ثقيل .. ماذا فعلت؟ .. ما جدوى ما فعلت؟ .. ما دور زينب الحقيقي في المأساة؟ وماذا أفاد ضحية الليمان من هذا كله؟ حقا تخيلت وحكمت على الآخرين، ولكن كيف يكون الحكم علي أنا؟!
غدا تغرب الشمس
فقد الطعام سحره وجاذبيته ليست بالحال العارضة التي يصبر عليها يوما أو يومين. وعليه فيجب أن يستشير طبيبه. طالما عد نفسه من السعداء لاقتناصه ستين عاما من الزمن، وهو على أتم ما يكون من الصحة والعافية. ورغم نشاطه المتواصل كرجل من رجال الأعمال، فلم يهمل جانب الأناقة والرياضة في حياته الثرية، يتبدى دائما في أجمل صورة، ويحسن السباحة والتنس ولا تفوته الرعاية الدقيقة لصحته. زار طبيبه بميدان الأزهار، وفحصه الرجل بعناية وعلى مهل. ثم قال: الكبد.
ندت عن يده حركة كالاحتجاج، وخاطبه كصديق قائلا: أنت تعلم أنني معتدل جدا في الشراب. - لا بد من أشعة.
هذه الإجراءات هي ما تضايقه في الطب الحديث، ولكن لا سبيل إلى التراجع. وصعد إلى الدور السابع بنفس العمارة مسبوقا بتوصية تليفونية؛ فالتقطت له صورة. ذهب بها إلى طبيبه في مساء اليوم التالي، وقرأها الطبيب ثم قال بإيجاز: لا بد من تحليل الدم.
وساوره قلق جدي لأول مرة باعتباره ذا تجارب مأساوية سابقة في أسرته. فقال: في الأمر اشتباه. - سيسفر عن نتائج حميدة بإذن الله.
Bilinmeyen sayfa