Vicdanın Şafağı

Selim Hasan d. 1381 AH
195

Vicdanın Şafağı

فجر الضمير

Türler

الفصل السادس عشر

سقوط «إخناتون»

عصر انتشار التنسك الشخصي: الكهانة وخاتمتها

قامت حركة «إخناتون» بين شعب عظيم ما لبث أن وقف مجرى حياته فجأة، وحول إلى اتجاه غريب عنه بالرغم من قوة اندفاعه التي كانت لا تكاد تقاوم، فأصبحت أماكنه المطهرة وقد عبث بها، ومزاراته المقدسة المحاطة بذكريات آلاف السنين وقد أوصدت وطردت كهنتها، كما صودرت الأموال المربوطة على القرابين والمعابد، ومحي ذلك النظام العتيق جملة واحدة، ففي كل مكان كانت طوائف بأجمعها تسير مدفوعة بالغرائز التي تجري في أجسامهم منذ قرون لا يحصيها العد وفق عادات وأخلاق موروثة، فإذا ذهبوا إلى أماكنهم المقدسة وجدوها كأن لم تغن بالأمس، وهناك يقفون ذاهلي العقول أمام تلك المعابد القديمة الموصدة الأبواب، وتلك القاعات المبجلة عند القوم منذ الطفولة الأولى، والتي كانت فيما مضى تزخر بأفراح الجماهير أيام الأعياد المقدسة في «أسيوط»، قد صارت الآن صامتة خاوية.

وفي كل يوم، عندما كانت المواكب الجنازية تعرج على حافة الصحراء وفوق هضبة الجبانة، كانت تفاجأ بأن «أوزير» ذلك المعزي والصاحب العظيم والمحامي عن الأموات أمام كل خطر، قد نفي من البلاد ولم يعد في إمكان أي إنسان أن يذكر اسمه، وحتى في الأيمان التي كان يعقدها القوم، وهي التي اختلطت بدمائهم مع ألبان أمهاتهم في الرضاعة ، فإنه كان محظورا عليهم أن تخرج من شفاههم تلك الأسماء التي تكاد تنطق بها ألسنتهم عفوا، فكان لا بد ألا يشتمل اليمين القديم أمام القاضي في المحكمة إلا على اسم الإله «آتون» فقط، فكان كل ذلك في نظر القوم كما لو طلب الآن إلى رجل من عصرنا أن يعبد «س» ويحلف باسم «ص ».

ولا بد أن كثيرا من الكهنة المتذمرين الذين كانوا يكظمون غيظهم الشديد في صدورهم، قد مزجوا سخطهم ذلك بسخط طوائف بأسرها من الباعة وأصحاب الحرف الحانقين، كالخبازين الذين لم يعودوا يكسبون عيشهم من بيع «فطائر الشعائر» - كما كان قديما - خلال أيام الأعياد التي كانت تقام في المعابد، وكالصناع الذين لم يعد في مقدورهم الآن بيع تعاويذ الآلهة القدامى عند أبواب المعابد، وكالحفارين المرتزقة الذين أصبح ما صنعوه من تماثيل الإله «أوزير» مكدسا تحت الأتربة المتراكمة في عدة من المعامل التي صار عاليها سافلها، أو كحجاري الجبانة الذين وجدوا أن ما صنعوه من شواهد القبور المزخرفة بالنقوش الزاهية المنقولة من كتاب الموتى قد استبعد من مدينة الأموات، وكالكتاب الذين كانت لفائفهم البردية المخطوطة المنقولة من كتاب الموتى أيضا - تعد إذ ذاك - لعنة لمن يستعملها إذا كانت مملوءة بأسماء الآلهة القدامى، أو إذا كانت تحمل كلمة الإله بصيغة الجمع، وكرجال الكهانة المسرحيين والممثلين الذين صاروا يطردون من تلك الأماكن المقدسة في الأيام التي اعتادوا فيها أن يمثلوا للشعب تمثيلية «المأساة الأوزيرية»، وكطوائف الحجاج المتذمرين في «العرابة المدفونة» ممن كانوا يعتزمون الاشتراك في تلك التمثيلية التي تعبر عن حياة «أوزير» وموته ثم بعثه بعد الموت، وكالمشعوذين الذين حرموا كل أسهم تجارتهم الخاصة بالاحتفالات السحرية التي كانت تستعمل بنجاح منذ أيام أقدم الملوك منذ ألفي سنة، وكالرعاة الذين صاروا لا يجسرون بعد أن يضعوا رغيفا وإناء من الماء تحت شجرة راجين بذلك الفرار من غضب الإلهة التي تسكن تحت الشجرة، والتي كان في مقدورها أن تنزل المرض بأهل المنزل عند غضبها، وكالفلاحين الذين صاروا يخافون أن ينصبوا تمثالا ساذجا «لأوزير» في الحقل ليطردوا به الشياطين المؤذية المسببة للجدب والقحط، وكالأمهات اللائي يخشين وهن يدللن أطفالهن عند الشفق أن ينطقن بتلك الأسماء المقدسة القديمة وبالصلوات التي تعلمنها في طفولتهن ليبعدن عن صغارهن شياطين الظلام الراصدة لاختطافهم.

وفي وسط هذه البلاد جميعها، وقد عمتها ظلمة سحب التذمر الخانق، ضرب ذلك الملك الشاب المدهش هو ومن حوله من تلك الطائفة المؤيدة له، سرادق دينه في رائعة النهار، وفي هدوء لا شعور معه بذلك الظلام الدامس، الذي شمل كل ما يحيط به، والذي يزداد في كل يوم ظلمة منذرة بعظيم الخطر.

فإذا رسمنا حركة «إخناتون»، ومن خلفها ذلك التذمر الشعبي الذي سبق وصفه، ثم أضفنا إلى تلك الصورة ما هو أقرب من ذلك خطرا؛ وهو معارضة الكهانة القديمة السرية، ومعارضة حزب «آمون» الذي لم يكن بعد قد غلب على أمره تماما، وطائفة الجنود الأشداء الذين كانوا ساخطين على سياسة الملك السلمية في آسيا وعدم اهتمامه بإدارة أملاكه الدولية والمحافظة عليها، أدركنا شيئا عن تلك الشخصية القوية لذلك القائد الأول في عالم الفكر في التاريخ.

ويعد حكمه أقدم محاولة لسيطرة آراء الحاكم التي لا تحفل بحالة الشعب الذي فرضت عليه تلك الآراء ومدى استعداده لقبولها. وقد عبر عن مثل ذلك «ماثيو أرنولد»

Mathew Arnold

Bilinmeyen sayfa