والوزير الصاحب شمس الدين باني هذه القنطرة كان قبطيا، وأسلم في سنة 1364م، وتولى الوزارة في أيام الأشرف شعبان وفي سلطنة الظاهر برقوق (من سنة 1382 إلى سنة 1398) الأولى خلفا للصاحب سعد الدين بن البقري، وتوفي في سنة 1391م، وهو مجدد جامع المقس الذي أنشأه الحاكم بأمر الله، فصار يعرف بجامع المقسي، ويدعى الآن جامع أولاد عنان.
وكان الأهالي يكثرون من الخروج إلى هذه الناحية في أيام النيل للنزهة، وكان يحدث ما هو خارج عن الحد من صنوف التهتك والخلاعة، فقام الشيخ محمد، المعروف بصائم الدهر - سنة 1381م، وقد سمي باسمه أحد شوارع الزمالك - واستفتى شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني في هذا المنكر، فأفتى بوجوب منع الناس لكثرة ما ينتهك في المراكب من الحرمات، ويتجاهر به من الفحش، وأصدر الأميران علي وحاجي - ولدا السلطان شعبان - مرسوما يمنع المراكب من الدخول في الخليج الناصري، وركبت سلسلة على قنطرة المقس، فامتنعت المراكب بأسرها من عبور هذا الخليج، إلا أن يكون فيها غلة أو متاع.
ومما رواه ابن إياس في حوادث سنة 928ه/1522م أن جماعة من النصارى أكثروا من السكر والعربدة على مقربة من جامع المقسي، فشكاهم الشيخ محمد بن عنان إلى الوالي، فأمر بالقبض عليهم، ولكنهم فروا ولم يمسك منهم إلا واحد، فأمر الوالي بحرقه فأعلن إسلامه، وكان ذلك سببا في نجاته. ا.ه.
والظاهر أن هذه البقعة راقت لأهل الكأس من ذاك الحين، بدليل ما يحيط بالجامع حتى الآن من خمارات اليونان والأقباط، وفي مقدمتها خمارة كامل وخمارة عزوز. (18) الخليج الناصري
وكان يسير بمحاذاة النيل في أرض الفجالة، الخليج الذي أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون (تولى من سنة 1293-1294م) ليوصل به ما يحتاج إليه في عمارته التي أنشأها في جهة سرياقوس بطريق النيل. وكان هذا الخليج يخرج من النيل على مقربة من القصر العيني إلى سراي الإسماعيلية إلى أبي العلاء إلى أولاد عنان، ويتلاقى مع الخليج الكبير عند جامع الظاهر. (19) بركة بطن البقرة
وكانت في الفجالة بركة تدعى «بطن البقرة»، واقعة بين أرض الطبالة وأرض اللوق تجاه قصر اللؤلؤة ودار الذهب، وكان في موضعها بستان كبير يعرف ببستان المقسي، فأمر الظاهر بن الحاكم بأمر الله بإزالة هذا البستان، وأن يعمل بركة أمام منظرة اللؤلؤة، ثم هجرت البركة في أيام المستنصر وبنى في موضعها عدة أماكن عرفت بحارة اللصوص، ثم أزيلت الأبنية في أيام الخليفة الآمر بأحكام الله، وعمق حفر الأرض، وسلط عليها ماء النيل، فعادت بركة.
حدثني سكرتير مصلحة التنظيم، قال: «وكنا قد قررنا إعادة اسم «حارة اللصوص»، وأعددنا لوحة الصاج المكتوب عليها الاسم، ولكنا راعينا السكان وهم من ذوي المكانة، فعدلنا عن التسمية.» (20) بركة الرطلي
وهناك بركة أخرى كانت واقعة في الجهة الشرقية اسمها بركة الرطلي، وصفها المقريزي فقال ما يؤخذ منه: «هذه البركة من جملة أرض الطبالة، عرفت ببركة الطوابين؛ من أجل أنه كان يعمل فيها الطوب، فلما حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليج الناصري، التمس الأمير بكتمر الحاجب من المهندسين أن يجعلوا حفر الخليج على الجرف إلى أن يمر بجانب بركة الطوابين هذه، ويصب في بحري أرض الطبالة في الخليج الكبير، فوافقوه على ذلك، ومر الخليج من ظاهر هذه البركة، فلما جرى ماء النيل فيه روى أرض البركة، فعرفت ببركة الحاجب، وكان في شرقي هذه البركة زاوية بها نخل كثير، وفيها شخص يصنع الأرطال الحديد التي يزن بها الباعة، فسماها الناس بركة الرطلي، فلما جرى الماء في الخليج الناصري، وأنشئ الجسر بين البركة والخليج حكره الناس، وبنوا فوقه الدور، ثم تتابعوا في البناء حول البركة، وصارت المراكب تعبر إليها من الخليج الناصري، فتدور تحت البيوت وهي مشحونة بالناس، فتمر أحوال من اللهو يقصر عنها الوصف، ويتظاهر الأهلون في المراكب بأنواع المنكرات من شرب الخمر، وتبرج الفاجرات، واختلاطهن بالرجال.»
وقد وصفها بعضهم بقوله:
في أرض طبالتنا بركة
Bilinmeyen sayfa