يوم دخوله إليها في الحقيقة يوم الزينة. وأقام بها ريثما استجمّ، ورحل قاصدا كرسيّ مملكته القاهرة وقد قدّر فقهّر، وقهر (^١) فقدّر. ودخلها وقد هيّئت (^٢) بدخوله، وزيّنت أتمّ زينة سرورا بحلوله. وقد حلّيت أخطاطها من ثمين الجواهر بأشرف الحلى، وملي من نفائس الأقمشة والأمتعة الملا. وحين حلّ بقلعة الجبل أفاض ملابس الخلع على من كان في خدمته من الأمراء والكتّاب، وأثاب كلاّ / ٥٥ أ / أحسن ما يثاب (^٣).
[ظهور أمر التتار اعتبارا من سنة ٦١٥ هـ]
وانقضت هذه الغزوة على أحسن الصّور، وتكفّل الله تعالى أعانها بألطافه في الورد والصدر. وهي غزوة ما اتّفق مثلها في الإسلام، ولا جرت حتى ولا في الأوهام. فإنّ هذا العدوّ كان ظهور أمره في سنة خمس عشرة وستماية، وقصد العراق والعجم فأبادهم، وخرّب ديارهم، وعفّى آثارهم. وقصد بغداد وفيه جيش لا يردّ يد لامس بقتال، ولا يعرف ما للحرب من أوجال انقضاء الآجال. وهو اسم بلا جسم، وداء بلا حسم. وجمع بلا كثرة، وكثرة بلا جمع، وقوم لا يعرفون لأوامر الجهاد طاعة ولا سمع (^٤). وممّا يسطع به عليهم أنه قيل لأحدهم: لم لا حملت على خصمك؟ فقال: القنطارية بيدي اليمنى، والطارقة بيدي اليسرى، واللكازات في رجلي كيف أعمل به أكضمه (^٥)؟
ولما قصدوا حلب ودمشق كان الملك الناصر بن العزيز (^٦) مشغولا بملاذّه
_________
(^١) كتب بعدها: «وفهر» ثم شطب عليها.
(^٢) في الأصل: «هيات».
(^٣) الدرّة الزكية ٢٤٨.
(^٤) الصواب: «ولا سمعا».
(^٥) هكذا، والمراد: أكظمه.
(^٦) هو الناصر يوسف بن العزيز الأيوبي صاحب حلب ودمشق والجزيرة، وهو آخر ملوك بني أيوب بالشام. قتله التتار سنة ٦٥٨ هـ. أنظر عنه في: تاريخ مختصر الدول ٢٨٠، وذيل الروضتين ٢١٢، وذيل مرآة الزمان ١/ ٤٦١ - ٤٦٩ و٢/ ١٣٤، وتاريخ المسلمين لابن العميد ١٧٦، وتالي وفيات الأعيان ١٦٦ - ١٦٨ رقم ٢٧٧، والمختصر في أخبار البشر ٣/ ٢١١، والدرّة الزكية ٥٧ - ٥٩، وتاريخ الإسلام (وفيات ٦٥٨ هـ). ودول الإسلام ٢/ ١٦٦، والعبر ٥/ ٢٥٦، ٢٥٧، وسير أعلام النبلاء ٢٣/ ٢٠٤ - ٢٠٧ رقم ١٢٣، والتحفة الملوكية ٤٣، وتاريخ ابن الوردي ٢/ ٢١٢. ومرآة الجنان ٤/ ١٥١، وأمراء دمشق ١٠٢، وفوات الوفيات ٤/ ٣٦١ - ٣٦٦ رقم ٥٩٥، والسلوك ج ١ ق ٢/ ٤٣٤، والنجوم الزاهرة ٧/ ٢٠٣، وشفاء القلوب ٤٠٨ - ٤٢١ رقم ١٠٧، والدارس ١/ ١١٥، وتاريخ ابن سباط ١/ ٣٩٤، ٣٩٥، والقلائد الجوهرية ٨١، وشذرات الذهب ٥/ ٢٩٩، وترويح القلوب ٥٧ رقم ٨٩، وإعلام النبلاء ٢/ ٣٠٢.
1 / 79