صبحها / ٤٧ ب / وعلى يده مخلّق (^١) تملأ الدنيا بشائره، وأشرقت شمس يومها وقد جاء نصر الله والفتح الميمون طائره، فترتّبت الجيوش الإسلامية ميمنة وميسرة، وانضمّت جناحين لا تسأل في الإقدام نظرة إلى ميسرة. ونشرت الأعلام المحمّديّة، وأظلّت الراية السوداء العباسية. وبايع مولانا السلطان الله ورسوله، ورفع يديه مبتهلا بأن يبلّغه من نصر الدين المحمّدي سوله. ووقف وما في الموت شكّ لواقف، وأقدم من مماليكه في جمع متكاثف. وارتفعت الأصوات بتلاوة القرآن، واجتمع حول جواد مولانا السلطان من الفقراء والمشايخ الصلحاء الحاضرين من مصر وبغداد والبطايح والعراقين والشام جمع كبير مشاة. وتقدّمت الجاليشيّة، وأقبل القوم فغصّ الفضاء بكثرة جمعهم، وضاق وسعا عن وسعهم وارتفع عجاجهم، وهال ثجاجهم، وأمطرت غمامتهم السوداء مطر السّوء من سهامهم. وخطت وما / ٤٨ أ / تخطّت مرسلات نبل أقلامهم. ودارت سواقي عجل النيل، إلاّ أنها قرنت بالخطاء (من الخطأ) (^٢) لا الصواب، وجاءت حور عين معاينتهم فدخلت على المستشهد بها من كلّ باب. وأخذ مولانا السلطان في تثبيت عساكره، واستجرار القوم من غير رهج وثوقا بالله ناصره.
ثم إنّ التتار المخذولين صاروا كرديسا (^٣) واحدا بعد الترتيب، وحملوا على الميسرة الإسلامية حملة رجل واحد فتراجعوا عنها كيما تخسر وثبتهم وتخيب.
وعندما بلغ مولانا السلطان خبر الميسرة وتأخّرها، وتحيّرها وتتابعها، وأنّ التتار قد صاروا خلف صناجقه المنصورة أمر بلفّها، وتبطيل الكوسات (^٤) وكفّ كفّها.
ثم لم يزل مولانا السلطان على من بقي من القوم إلى أن هزمهم بإذن الله وقوّته، وشتّت شملهم بعظيم سطوته (^٥).
_________
(^١) المخلّق: الكتاب أو الرسالة المعطّرة بالروائح، المخلّقة بالمسك وغيره.
(^٢) عن الهامش.
(^٣) هكذا، والصواب: كردوسا. والكردوس: القطعة العظيمة من الجيش.
(^٤) الكوسات: مفردها كوسة: صنوج من نحاس تشبه الترس الصغير يدق بإحداهما على الأخرى بإيقاع.
(^٥) أنظر عن موقعة حمص في: تاريخ مختصر الدول ٢٨٨، ٢٨٩، وتاريخ الزمان ٣٤١، ٣٤٢، وزبدة الفكرة ٩ / ورقة ١١٢ ب - ١١٩ ب، والدرّة الزكية ٢٤١ - ٢٤٧، والمختصر في أخبار البشر ٤/ ١٤، ١٥، ونهاية الأرب ٣١/ ٣١ - ٣٥، ودول الإسلام ٢/ ١٨٢، ١٨٣، والعبر ٥/ ٣٢٦، ٣٢٧، -
1 / 72