وأما الملك السعيد فإنه رحل بالعساكر الشامية ومن استخدمه وراء مولانا السلطان منزلة بمنزلة، وتابع أوّلة من منازله بآخرة، وآخرة بأوّلة.
ذكر حسن تدبير مولانا السلطان في هذه الوجهة
/ ٢٣ أ / لم يدع مولانا السلطان بمنزلة ينزلها فرس بريد، ولا طير بطاقة يبدأ بها ولا يعيد، ولا مسافر يتوجّه فيخبر بما هو فيه، ولا يستطلع منه عن ظاهر أمر ولا خافيه. وما من منزلة إلاّ ويرد إلى الملك السعيد كتاب اسم مولانا السلطان أوّله، وتلوه أسماء الأمراء الذين في صحبته (^١)، مثبوتة في ثلاثة أوصال مزدحمة تهويلا وإرعابا وإفهاما، أنه لم يبق معه أحد وإن عدر (. . .) (^٢). وتلو هذه الأسماء ما مثاله:
«يقبّلون الأرض، وينهون أنّ الهروب من قدّام السلطان طاعه، وقد علم كبر سنّهم وعجزهم، وهم متوجّهون إلى الانقطاع في بيوتهم، طائعين لمولانا السلطان خائفين من هيبته، فلا يظنّ مولانا السلطان فيهم غير ذلك، إلاّ أنهم حين وصلوا إلى القاهرة المحروسة وجدوا أبوابها قد سدّت، ووطأت (^٣) سدّ المسالك عليهم قد استدّت».
وكان نائب السلطنة بالديار المصرية إذ ذاك عن الملك السعيد الأمير علاء الدين أقطوان الشامي / ٢٣ ب / المهمنداري (^٤) الظاهري. ومقدّم الجيش عزّ الدين أيبك الأفرم الصالحي. فحين رأى مولانا السلطان هذا التضييق، وتوعّر هذه الطريق، لم يقدّم شيئا على أخذ الخيول السلطانية من الإسطبلات، وترك المماليك الذين بالقلعة رجّالة لا يستطيعون الفرار ولا الثبات. وأغلقت قلعة الجبل فحوصرت، وإن لم تحمل الحصار، وخذلت حتى من المهاجرين والأنصار. وبطّق المماليك من القلعة إلى الملك السعيد بطاقة بخطّ الصدر الفاضل الرئيس تاج الدين ابن الأثير الحلبي (^٥)، كاتب الإنشاء الشريف السلطاني، مضمونها:
_________
(^١) ذكر المقريزي أسماء ٢٩ أميرا منهم. أنظر: السلوك ج ١ ق ٢/ ٦٥٤، ٦٥٥).
(^٢) كلمة ممسوحة في الأصل.
(^٣) الصواب: «ووطأة».
(^٤) المهمندار: هو الموظّف الذي يتلقّى الرسل ويستقبل السفراء والمبعوثين القادمين من الخارج إلى بلاط السلطان، ومن يرغبون بمقابلته. ويقابله الآن مدير المراسم والتشريفات.
(^٥) هو أحمد بن سعيد بن محمد. باشر الإنشاء للسلطان الظاهر، وللسلطان قلاوون. ومات سنة ٦٩١ - . -
1 / 47