ذكر ابتداء أمر مولانا السلطان
أجمع الناس قاطبة ممّن عاصرته أنّه لم يرد البلاد في جلبة من الجلبات أحسن منه ولا أكمل، ولا أبهى ولا أجمل، ولا أتمّ خلقة ولا خلقا، ولا أصوب صمتا ولا نطقا. ولهذا ازدحمت عليه عند وصوله وهو ابن أربعة عشر (^١) سنة أرباب الرغبات، وبذلت فيه الألوف من الذهب وأجلّته عن الماآت. فكان الألفيّ قامة، والألفيّ قيمة، وإنّه لأعلى وأغلى، والبدريّ صورة، والبدريّ سعرا، وإنّ محلّه لأجلّ وأعلا (^٢).
كان، خلّد الله سلطانه، عظيم الوجه والجهه، مزهر اللّون فدونه الزهرة والحيهه، غليظ المنكبين، مخرزم العينين. تامّ القامة، لم يزل عليه للسلطنة علامه، مهاب الشخص، لا يرى المتبع في تمام خلق الله فيه من نقص. ارتجعه السلطان السعيد الشهيد الملك الصالح / ٤ أ / نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب. واختصّه لنفسه، واختاره لعظيم جنسه، وادّخره ليومه من أمسه، وحدس فيه وراثة الملك فما خاب في حدسه. وكبر في دولة الملك الصالح المذكور على صغر سنّه، وظنّ فيه خيرا فكان عند حسن ظنّه.
ولمّا توفي السلطان الملك الصالح إلى رحمة الله صارت خوجد اشيّة (^٣) له تبعا، والتفّوا عليه مقتدين به فلا يقفون إلاّ إن وقف ولا يسعون إلاّ إن سعى.
وقامت شجر الدّرّ (^٤) أمّ خليل بعد سيّدها الملك الصالح وهو على حاله
_________
(^١) الصواب: «أربع عشرة».
(^٢) الصواب: «وأعلى».
(^٣) خوجداشية - خوشداشية - خشداشية - فارسية معرّبة من: خوشداش بمعنى الزميل في الخدمة. ولقّب الأمراء المماليك الذين نشأوا عند سيّد واحد بالخشداشية. (معجم الألقاب والمصطلحات التاريخية ١٦٢) ويقابلها في الفرنسية: Camarades .
(^٤) ستأتي مصادر ترجمتها في أواخر الكتاب.
1 / 25