إنك كل شيء لي يا فرجيني، إنك حياتي التي لا أستطيع أن أعيش بدونها، بل لا أستطيع فراقها لحظة واحدة، إن زرقة عينيك أصفى من زرقة السماء، وإن نضارة وجهك أجمل من نضارة الربيع، وإن ماء الحسن الذي يجول في أديمك لهو الكوثر الذي يصفه الكتاب المقدس فيما يصف من بدائع الجنان.
أسمع صوتك الذي هو أشبه شيء بصوت الطائر الغرد فيخفق قلبي خفقان أجنحة ذلك الطائر، وأضع يدي في يدك فتنبعث في جسمي رعشة شديدة كرعشة الخائف المذعور وما أنا بخائف ولا مذعور.
أتذكرين يا فرجيني يوم حملتك على ظهري واجتزت بك ذلك النهر المتدفق ونحن عائدان من زيارة ذلك الرجل الشرير؟
لقد كنت في ذلك الوقت تعبا واهنا، ولكنني ما شعرت بملامسة جسمك لجسمي حتى خيل إلي أنني قد استحلت إلى طائر خفاق الجناحين، ولو أنك اقترحت علي في تلك الساعة أن أطير بك في آفاق السماء لفعلت. لا أستطيع أن أفهم ما هذا الذي يؤثر علي منك يا فرجيني! فإنني لا أخافك ولا أخشاك ، بل أحبك وآنس بك، فلم أضطرب حين أراك؟ ولم أرتعد حين يلمس جسمي جسمك؟!
إنك لا تستطيعين أن تحبيني كما تحبني أمي، أو تعطفي علي عطفها، أو تقاسميني همومي وآلامي مقاسمتها، ولكنني أشعر أن الذي أضمره لك من الحب والعطف فوق الذي أضمره لها، ولقد عدت الآن من المزرعة وكان أمامي الطريقان: طريقي إلى الكوخ فلم أنتبه إليه، وطريقي إليك؛ فجئتك بدون أن أشعر بما أفعل، أو أعرف لذلك سببا.
ما أحسب إلا أن حادثة الجارية الآبقة كانت هي السبب في ذلك، فإن أنس لا أنسى صورة ذلك الألم الشديد الذي ارتسم على وجهك يوم جاءت تلك البائسة المسكينة تحت قدميك وقصت عليك قصتها، ولا تلك الدموع الغزار التي ذرفتها رحمة بها وإشفاقا عليها، ثم ما خاطرت به بعد ذلك من راحة نفسك وهدوئها في سبيلها.
إنك طيبة القلب يا فرجيني، إنك تحبين الخير للخير لا تطلبين عليه جزاء ولا أجرا، إنك تتألمين لمصاب المساكين والبائسين أكثر مما يتألم الناس جميعا، فأنا أحبك أكثر مما أحب جميع الناس.
تعالي إلى جانبي وخذي هذا الغصن الأخضر الذي قطعته لك الساعة من شجرة الليمون الكبرى وضعيه حين تنامين تحت سريرك، فإنه يملأ لك فضاء الكوخ عطرا وشذى، وخذي هذا القرص من العسل، فقد عثرت به في جوف صخرة عالية في قمة الجبل، وسيكون فطورنا في الصباح شهيا جميلا.
تعالي إلي يا فرجيني وضعي رأسك الجميل على فخذي لأشعر بالراحة من جميع متاعبي وآلامي، وتحدثي إلي قليلا، فحديثك غذاء نفسي وراحة ضميري.
فتخرج منديلها من جيبها وتمسح له عرق جبينه ثم تضطجع وتضع رأسها على فخده، وتظل تقول له: أترى يا بول منظر هذه الأشعة الصفراء الساقطة على رءوس الصخور وذوائب الأشجار، ومنظر ذلك الشفق الأحمر الممتد على حافة الأفق، وتلك اللآلئ اللامعة الجميلة المنتثرة على سطح الماء؟!
Bilinmeyen sayfa