بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول
في فضل الأرض المقدسة قال الله تعالى: وإذ قال موسى لقومه يا قوم دخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم قال الزجاج (المقدسة المطهرة وقيل للسطل القدس لأنه يتطهر منه وسمي بيت المقدس لأنه يتطهر فيه من الذنوب وقيل سماها مقدسة لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكنًا للأنبياء والمؤمنين وفي المراد بالأرض المقدسة أربعة أقوال. أحدها أنها أريحا
1 / 67
قاله ابن عباس قال السدي أرض بين المقدس وقال الضحاك المراد بهذه الأرض ايلياء وبيت المقدس. قال ابن قتيبة وقرأت في مناجاة موسى أنه قال اللهم انك اخترت من الأنعام الضانية ومن الطير الحمامة (ومن البيتة بيت) ايلياء ومن ايلياء بيت المقدس فهذا يدل على أن ايلياء الأرض التي فيها بيت المقدس وهو معرب.
1 / 68
قال الفرزدق:
وَبَيتان بَيتُ اللَهُ نَحنُ وُلاتُه ... وَبَيتٌ بِأَعلى اِيلياءَ مُشرّفُ
وقال قتادة الأرض المقدسة الشام كلها.
1 / 69
الباب الثاني
في ذكر الجبل الذي عليه بيت المقدس قال أبو هريرة الزيتون طور زيتا. قال قتادة والزيتون جبل عليه بيت المقدس. وقال ابو زرعة السيباني رفع عيسى من طور زيتًا.
1 / 70
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري (أنبأنا) أبو الحسين محمد ابن محمد ابن الفرا. أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب حدثنا عمر ابن الفضل حدثنا أبي حدثنا الوليد ابن حماد حدثنا ابراهيم ابن محمد حدثنا عمر ابن بكر عن ثور ابن يزيد عن خالد ابن معدان عن أبي هريرة قال أقسم ربنا ﷿ بأربعة أجبل فقال والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين. قال التين طور زيتا.
1 / 71
الباب الثالث
في وضع بيت المقدس وبداية أمره
أنبأنا أبو المعمر المبارك ابن أحمد الأنصاري، أنبأنا أبو الحسين ابن الفرا، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر النصيبي، أنبأنا أبو بكر ابن أحمد ابن محمد الخطيب، حدثنا أبو حفص عمر ابن الفضل ابن المهاجر اللخمي، حدثني أبي، حدثنا الوليد ابن حماد، حدثنا اسحق ابن الحسين الطحان، حدثنا عبد الله ابن صالح، حدثني ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب، أخبرني عطاء ابن أبي رباح عن عائشة زوج النبي ﷺ، عن النبي ﷺ، قال: إن مكة بلد عظمه الله وعظم حرمته، وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئًا من الأرض يومئذ كلها بألف عام، ووصلها بالمدينة، ووصل المدينة ببيت
1 / 72
المقدس، ثم خلق الأرض بعد الف عام خلقًا واحدًا. حدثنا الوليد ابن حماد، حدثنا محمد بن النعمان، حدثنا سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني، قال: (قال علي ابن أبي طالب: كانت الأرض ماءً، فبعث الله ريحًا، فمسحت الأرض مسحًا، فظهرت على الأرض زبدة، فقسمها أربع قطع، خلق من قطعة مكة، والثانية المدينة، والثالثة ببيت المقدس، والرابعة الكوفة) . أنبأنا محمد ابن ناصر أنبأنا عبد الرحمن ابن أبي عبد الله ابن مندة، حدثنا أبي، أنبأنا أحمد ابن محمد ابن حكيم، حدثنا محمد ابن النعمان ابن بشير، حدثنا سليمان ابن عبد
1 / 73
الرحمن، حدثنا محمد ابن حرب عن أبي بكر ابن أبي مريم، عن شريح ابن عبيد، عن كعب، قال: بني سليمان ابن داود ببيت المقدس على أساس قديم، كما بنى ابراهيم الكعبة على أساس قديم. قال المصنف ﵁: (قلت وسكن الجبارون الأرض المقدسة، فسلط عليهم يوشع، ثم سلط الكفار على بيت المقدس، فصيروه مزبلة، فأوحى الله تعالى إلى سليمان فبناه) . أنبأنا أبو المعمر المبارك ابن أحمد الأنصاري، أنبأنا أبو الحسين محمد ابن محمد الفراء، أنبأنا أبو محمد عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر النصيبي المقدسي، حدثنا أبو حفص عمر ابن الفضل ابن المهاجر اللخمي، حدثني أبي، حدثنا الوليد، حدثنا المسيب ابن واضح، حدثنا ابن المبارك عن عثمان ابن عطاء، عن أبيه، عن (سعيد ابن المسيب)، قال: أمر الله داود أن يبني مسجد بيت المقدس. قال: يا رب وأين أبنيه؟ قال: حيث ترى الملك شاهرًا سيفه، قال: فرآه في ذلك المكان. قال: فأخذ داود فأسس قواعده ورفع حائطه،
1 / 74
فلما ارتفع انهدم. فقال داود: يا رب أمرتني أن أبني لك بيتًا، فلما ارتفع هدمته. فقال: يا داود! إنما جعلتك خليفتي في خلقي، لم أخذته من صاحبه بغير ثمن؟ انه يبنيه رجل من ولدك. فلما كان سليمان، ساوم صاحب الأرض عليها، فقال له: هي بقنطار. فقال سليمان: قد استوجبتها. فقال له صاحب الأرض: هي خير أو ذاك؟ قال: بل هي خير. قال: فإنه قد بدا لي. قال: أوليس قد أوجبتها؟ قال: بلى! ولكن البيعين بالخيار ما لم يتفرقا. قال ابن المبارك: هذا أصل الخيار. قال: فلم يزل يراده ويقول له مثل قوله الأول حتى استوجبها منه بسبعة قناطير. فبناه سليمان حتى فرغ منه، وتغلقت أبوابه، فعالجها سليمان أن يفتحها، فلم تنفتح حتى قال في دعائه: بصلوات أبي داود ألا تفتحت الأبواب. ففتحت الأبواب. قال: فقرع له سليمان عشرة ألاف من قراء بني إسرائيل، خمسة آلاف بالليل، وخمسة آلاف بالنهار. لا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله ﷿ يعبد فيه. قال الوليد: حدثنا عمر حدثنا ضمرة عن
1 / 75
الشيباني، قال: (أوحى الله ﷿ إلى داود أنك لن تتم بناء بيت المقدس. قال: أي رب، ولم؟ قال: لأنك غمرت يدك في الدم. قال: أي رب، ولم يكن ذلك في طاعتك قال: بلى، وان كان. قال عمر: وحدثني أبي، حدثنا زكريا ابن يحيى ابن يعقوب المقدسي، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله البغدادي، حدثنا علي ابن عاصم، حدثنا الحريري عن عبد الله ابن شفيق العقيلي، عن كعب، قال: لما ولي سليمان، أوحى الله تعالى اليه أن ابن بيت المقدس، فبناه، فلما دخله خر ساجدًا شكرًا لله ﷾، فقال: يا رب من دخله من خائف فآمنه، أو من داع فاستجب له، أو من مستغفر فاغفر له، فذبح أربعة آلاف بقرة، وسبعة آلاف شاةٍ، وصنع طعامًا ودعا بني اسرائيل إليه. وفي رواية أن الله تعالى أوحى إلى داود: ابن لي بيتًا، فبني لنفسه بيتًا قبل ذلك، ثم بناه فسقط.
1 / 76
قال أبو بكر الخطيب المقدسي: وحدثنا عيسى بن عبيد الله، قال: أخبرني على ابن جعفر، قال: حدثنا محمد ابن ابراهيم ابن عيسى، حدثنا محمد ابن النعمان، حدثنا سليمان ابن عبد الرحمن، حدثنا أبو عبد الملك الجزري، قال: لما خلا من ملك سليمان سنين، بدأ في بناء بيت المقدس، فكان عدد من يعمل في بناء بيت المقدس ألف رجل. عليهم قطع الخشب في كل شهر عشرة آلاف. وكان عدة الذين يعملون في الحجارة عشرة آلاف. وكان عدة الذين يقومون عليهم ثلاثمائة أمين. وأولج فيه تابوت موسى وهارون، وصلى فيه ودعا ربه، فقال: يا رب! امرتني ببناء هذا البيت الشريف، يا رب فليكن نداك عليه الليل والنهار، وكل من جاءك يبتغي منك الفضل والمغفرة والنصرة والتوبة والرزق فاستجب له من قريب أو بعيد، فاستجاب له ربه ﷿. وقال: قد استجب لك دعاءك. قال: يا سليمان! قد غفرت لمن أتى هذا البيت لا يعنيه إلا الصلاة فيه. قال سليمان ابن عبد الرحمن وحدثنا الوليد ابن محمد، قال: سمعت عطاء الخراساني يقول:
1 / 77
لما فرغ سليمان ابن داود من بناء بيت المقدس، أنبت الله ﷿ له شجرتين عند باب الرحمة، احداهما تنبت الذهب، والأخرى تنبت الفضة. فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهبًا وفضة. ففرش المسجد بلاطة ذهب وبلاطة فضة، فلما جاء بخت نصر، واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبًا وفضة فطرحه بروميه.
قال علماء السير: كان بيت المقدس قد خرب حتى صار كالمزابل، فأمر الله تعالى سليمان ببنائه، وذلك لأربع سنين خلت من ملكه، فبناه في سبع سنين. ومن هبط آدم إلى بناء سليمان بيت المقدس أربعة آلاف واربع مئة وست وسبعون. أنبأنا يحيى ابن ثابت ابن بندار أنبأنا أبي، أنبأنا الحسين ابن الحسين ابن روما، أنبأنا محمد ابن جعفر الباقرجي، أنبأنا الحسن ابن علي القطان، أنبأنا اسماعيل ابن عيسى العطار، حدثنا أبو حذيفة اسحاق ابن بشر، أنبأنا أبو الياس عن وهب ابن منبه
1 / 78
عن كعب، قال: (إن الله ﷿ أوحى إلى سليمان أن ابن بيت المقدس. فجمع حكماء الأنس وعفاريت الجن وعظماء الشياطين، ثم فرق الشياطين، ثم فرق الشياطين، فجعل منهم فريقًا يبنون، ففريقًا يقطعون الصخر، وفريقًا يقطعون القنا والعمد من معادن الرخام، وفريقًا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان، الدرة مثل بيضة النعام وبيضة الدجاج. وأخذ في بناء المسجد، فلم يثبت البناء. وكان عليه حير بناه داود فامر بهدمه، ثم حفر الأرض حتى بلغ الماء. فقال: اسسوا على الماء. فالقوا فيه الحجارة، فكان الماء يلفظ الحجارة، فاستشار في ذلك، فاشاروا عليه أن يتخذ قلالًا من نحاس، ثم يملأها حجارة، ثم يكتب عليها ما على خاتمه من ذكر التوحيد، ثم يلقيها في الماء، فيكون أساس البناء عليها. ففعل، فثبت وبنى وعمل ببيت المقدس عملا لا يوصف، وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت وألوان الجوهر، في سمائه وأرضه وأبوابه وجدره، ثم جمع الناس وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى، وأنه هو الذي أمر ببنائه، وان كل شيء فيه لله تعالى، وان من انتقصه شيئًا فقد خان الله، وأنه كان
1 / 79
قد عهد إلى داود في ذلك ثم أوصى سليمان بذلك من بعده، ثم اتخذ طعامًا وجمع الناس. أنبأنا المبارك ابن أحمد، أنبأنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب، حدثنا عمر ابن الفضل، حدثنا أبي، حدثنا الوليد ابن يزيد، عن سعيد ابن عبد العزيز، عن عطية ابن قيس، عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص، فضرب ينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمه، وظاهره من قبله العذاب، قال: هو سور بيت المقدس الشرقي والله أعلم.
1 / 80
الباب الرابع
في ذكر العجائب التي كانت فيه
أنبأنا المبارك ابن أحمد، أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب، حدثنا عمر ابن الفضل، حدثنا أبي، حدثنا محمد ابن العباس، حدثنا عمران ابن موسى، حدثنا البسام ابن داود، حدثنا أحمد ابن عن سلمة ابن أبي سلمة الأبرش، عن محمد ابن اسحق، عن أبي مالك ابن ثعلبة ابن أبي مالك القرظي، قال: سمعت إبراهيم ابن طلحة ابن عبيد الله يحدث عن أبيه، عن جده، يرفعه، قال: إن ذا القرنين كان من
1 / 81
حمير وإنه قصد بيت المقدس، وقد خضعت له الملوك، فرأى في بيت المقدس العجائب التي صنعها الضحاك بن قيس في الزمان الأول. إحدى تلك العجائب أنه صنع نارًا عظيمة اللهب، فمن لم يطع تلك الليلة أحرقته تلك النار. والثانية من رمى بيت المقدس بنشابة رجعت النشابة عليه. والثالثة وضع كلبًا لمن خشب على باب بيت المقدس، فمن كان عنده شيء من السحر إذا مر بذلك الكلب نبح عليه، فإذا نبح عليه، نسي ما عنده من السحر. والرابعة وضع بابًا، فمن دخله إذا كان ظالمًا ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه. والخامسة وضع عصا في محراب بيت المقدس، فلم يقدر أحد يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء، ومن كان سوى ذلك أحرقت يده. والسادسة أنهم كانوا يحبسون أولاد الملوك عنده في محراب بيت المقدس، فمن كان من أهل
1 / 82
المملكة إذا أصبح أصابوا يده مطلية بالدهن. وجعل (سليمان ابن داود سلسلة معلقة من السماء إلى الأرض، ليبين المحق من المبطل، فالمحق ينالها، والمبطل لا ينالها، وان يهوديًا استودع مائة دينار، فجحدها فجاءوا إلى السلسلة، وقد سبك اليهود الدنانير، فجعلها في عصا وناولها صاحب المال، وحلف لقد أعطيته دنانيره، وحلف الآخر أنه لم يأخذ. فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم) وجعل سليمان تحت الأرض مجلسًا وبركة فيها ماء، فمن وقع في الماء وكان مبطلًا غرق، والله أعلم.
1 / 83
الباب الخامس
في ذكر فضل بيت المقدس قال الله ﷿: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِن المَسجِد الحَرام): يعني مسجد مكة، (إلى المسجد الأقصى) وهو بيت المقدس، وقيل له الأقصى لبعد المسافة التي بين المسجدين، (الذي باركنا حوله) أي بأن أجرى حوله الأنهار وأنبت الثمار، وقيل لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة. أنبأنا أبو المعمر، أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد النصيبي، أنبأنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب، حدثنا عمرو، حدثنا الوليد، حدثنا إبراهيم ابن محمد، حدثنا داود عن سعيد ابن عبد العزيز، عن عروة ابن رويم، عن عبد الله بن مالك الخثعمي، عن كعب قال: إن الله ﷿ ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين.
1 / 84
الباب السادس
في فضل زيارته
أنبأنا أبو المعمر، أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب، حدثنا عمر ابن الفضل. حدثنا أبي. حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله ابن إبراهيم، عن حفص ابن عمرو، عن عبد الله ابن سريدة، عن مكحول، قال: (من زار بيت المقدس شوقًا إليه دخل الجنة، وزاره جميع الأنبياء، وغبطوه بمنزلته
1 / 85
من الله ﷿. وغيما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس شيعتهم عشرة آلاف من الملائكة يستغفرون لهم ويصلون عليهم، ولهم مثل أعمالهم إذا انتهوا إلى بيت المقدس، ولهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة سبعين ملكًا. ومن دخل بيت المقدس طاهرًا من الكبائى يلقاه بمائة رحمة، ما منها رحمة إلا ولو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم. ومن صلى في بيت المقدس ركعتين يقرأ فيها فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان له بكل شعرة على جسده حسنة. ومن صلى في بيت المقدس أربع ركعات، مر على الصراط كالبرق، وأعطي أمانًا من الفزع الأكبر يوم القيامة. ومن صلى في بيت المقدس ست ركعات، أعطي مائة دعوة مجابة، أدناها براءة من النار، ووجبت له الجنة. ومن صلى في بيت المقدس ثماني ركعات، كان رفيق إبراهيم خليل الرحمن. ومن صلى في بيت المقدس عشر ركعات، كان رفيق داود وسليمان في الجنة. ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات، كان له مثل حسناتهم، ودخل على كل مؤمن ومؤمنة من دعائه سبعون مفغرة، وغفر له ذنوبه كلها. قال الوليد: وحدثنا إبراهيم ابن
1 / 86