Explanation of the Three Fundamental Principles by Al-Uthaymeen
شرح ثلاثة الأصول للعثيمين
Yayıncı
دار الثريا للنشر
Baskı Numarası
الطبعة الرابعة ١٤٢٤هـ
Yayın Yılı
٢٠٠٤م
Türler
ترجمة مؤلف كتاب (ثلاثة الأصول)
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
نسبه:
هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن رشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمر من بني تميم.
مولده:
ولد هذا العالم في بلدة العيينة سنة ١١١٥ هجرية في بيت علم وشرف ودين، فأبوه عالم كبير، وجده سليمان عالم نجد في زمانه.
نشأته:
حفظ القرآن قبل بلوغ عشر سنين، ودرس في الفقه حتى نال حظًا وافرًا وكان موضع الإعجاب من والده لقوة حفظه، وكان كثير المطالعة في كتب التفاسير والحديث، وجد في طلب العلم ليلًا ونهارًا، فكان يحفظ المتون العلمية في شتى الفنون، ورحل في طلب العلم في ضواحي نجد وفي مكة وقرأ على علمائها، ثم رحل إلى المدينة النبوية فقرأ على علمائها، ومنهم العلامة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الشمري، كما قرأ على ابنه الفرضي الشهير إبراهيم الشمري مؤلف العذب الفائض في شرح ألفية الفرائض وعرفاه بالمحدث الشهير محمد حياة السندي فقرأ عليه في علم
1 / 9
الحديث ورجاله وأجازه بالأمهات. وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى – قد وهبه الله فهمًا ثاقبًا وذكاءً مفرطًا وأكب على المطالعة والبحث، والتأليف وكان يثبت ما يمر عليه من الفوائد أثناء القراءة والبحث وكان لا يسأم من الكتابة وقد خط كتبًا كثيرة من مؤلفات ابن تيمية وابن القيم – رحمهما الله – ولا تزال بعض المخطوطات الثمينة بقلمه السيال موجودة بالمتاحف.
ولما توفى والده – سنة ١١٥٣ هـ – أخذ يعلن جهرًا بالدعوة السلفية إلى توحيد الله وإنكار المنكر ويهاجم المبتدعة أهل الأوثان والأصنام، وقد شد أزره الولاة من آل سعود وقويت شوكته وذاع خبره.
مؤلفاته:
وله – رحمه الله تعالى – مؤلفات نافعة نذكر منها:
١-كتاب التوحيد.
٢-كتاب "كشف الشبهات".
٣-كتاب "الكبائر".
٤- كتاب "ثلاثة الأصول".
٥- كتاب "مختصر الإنصاف والشرح الكبير".
٦- كتاب " مختصر زاد المعاد".
٧- وله فتاوى ورسائل جمعت باسم مجموعة مؤلفاتالإمام محمد بن عبد الوهاب تحت إشراف جامعة الإمام محمد بن سعود.
1 / 10
وفاته:
توفى رحمه الله تعالى عام ١٢٠٦ هـ فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم الفقير إلى الله تعالى
فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان
1 / 11
ترجمة الشارح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
نسبه:
هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمي.
مولده:
ولد في مدينة عنيزة في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام ١٣٤٧ هـ.
نشأته:
قرأ القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ ﵀ فحفظه، ثم اتجه إلى طلب العلم فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب، وكان الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ قد أقام اثنين من طلبة العلم عنده ليدرسا الطلبة الصغار أحدهما الشيخ علي الصالحي، والثاني الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع ﵀، قرأ عليه مختصر العقيدة الواسطية للشيخ عبد الرحمن السعدي، ومنهاج السالكين في الفقه للشيخ عبد الرحمن أيضًا، والأجرومية والألفية.
وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان في الفرائض والفقه.
وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي الذي يعتبر شيخه الأول حيث لازمه وقرأ عليه التوحيد والتفسير والحديث والفقه وأصول الفقه
1 / 13
والفرائض ومصطلح الحديث والنحووالصرف.
وكانت لفضيلة الشيخ منزلة عظيمة عند شيخه ﵀ فعندما انتقل والد الشيخ محمد –﵀ – إلى الرياض إبان أول تطوره رغب في أن ينتقل معه ولده – الشيخ حفظه الله –فكتب له الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ "إن هذا لا يمكن نريد محمدًا أن يمكث هنا حتى يستفيد".
ويقول فضيلة الشيخ حفظه الله "إنني تأثرت به كثيرًا في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني، وكذلك أيضًا تأثرت به من ناحية الأخلاق لأن الشيخ عبد الرحمن ﵀ كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة، وكان ﵀ على قدر كبير في العلم والعبادة، وكان يمازح الصغير ويضحك إلى الكبير، وهو من أحسن من رأيت أخلاقًا".
قرأ على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حيث يعتبر شيخه الثاني، فابتدأ عليه قراءة صحيح البخاري وبعض رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض الكتب الفقهية.
يقول الشيخ "تأثرت بالشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله من جهة العناية بالحديث، وتأثرت به من جهة الأخلاق أيضًا وبسط نفسه للناس".
في عام ١٣٧١هـ، يقول الشيخ حفظه الله:
"دخلت المعهد الإسلامي من السنة الثانية، والتحقت به بمشورة من الشيخ علي الصالحي، وبعد أن أستأذنت من الشيخ عبد الرحمن السعدي عليه رحمة الله، وكان المعهد العلمي في ذلك الوقت ينقسم إلى قسمين خاص وعام، فكنت في القسم الخاص، وكان في ذلك الوقت أيضًا من
1 / 14
شاء أن يقفز كما يعبرون بمعنى أنه يدرس السنة المستقبلة له في أثناء الإجازة ثم يختبرها في أول العام الثاني، فإذا نجح أنتقل إلى السنة التي بعدها وبهذا اختصرت الزمن" ١هـ.
وبعد سنتين تخرج وعين مدرسًا في معهد عنيزة العلمي مع مواصلة الدراسة انتسابًا في كلية الشريعة ومواصلة طلب العلم على يد الشيخ عبد الرحمن السعدي.
ولما توفى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀ تولى إمامة الجامع الكبير بعنيزة والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية بالإضافة إلى التدريس في المعهد العلمي ثم أنتقل إلى التدريس في كليتي الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم حتى الآن، بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ولفضيلة الشيخ حفظه الله نشاط كبير في الدعوة إلى الله ﷿ وتبصير الدعاة في كل مكان وله جهود مشكورة في هذا المجال.
والجدير بالذكر أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ﵀ قد عرض بل ألح على فضيلة الشيخ في تولي القضاء، بل أصدر قراره بتعيينه حفظه الله تعالى رئيسًا للمحكمة الشرعية بالاحساء فطلب منه الإعفاء، وبعد مراجعات واتصال شخصي من فضيلة الشيخ سمح رحمه الله تعالى بإعفائه من منصب القضاء.
مؤلفاته:
له حفظة الله تعالى مؤلفات كثيرة تبلغ ٤٠ ما بين كتاب ورسالة وسوف تجمع إن شاء الله تعالى في مجموع الفتاوى والرسائل.
1 / 15
شرح البسملة
...
بسم (١) الله (٢) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(١) أبتدأ المؤلف ﵀ كتابه بالبسملة اقتداء بكتاب الله ﷿ مبدوء بالبسملة، واتباعًا لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" (١) واقتداء بالرسول ﷺ، فإنه يبدأ كتبه بالبسملة.
الجار والمجرور متعلق بمحذوف فعل مؤخر مناسب للمقام تقديره بسم الله أكتب أو أصنف.
وقدرناه فعلًا لأن الأصل في العمل الأفعال.
وقدرناه مؤخرًا لفائدتين:
الأولى: التبرك بالبداءة باسم اله ﷾.
الثانية: إفادة الحصر لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر.
وقدرناه مناسبًا لأنه أدل على المراد فلو قلنا مثلًا عندما نريد أن نقرأ كتابًا بسم الله نبتدئ، لكن بسم الله أقرأ يكون أدل على المراد الذي أبتدئ به.
(٢) الله علم على الباري جل وعلا وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله تعالى:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
_________
(١) عزاه السيوطي في الجامع الصغير "للرهاوي" ٤/١٤٧، وأخرجه الخطيب في "الجامع" ٢/٦٩. وقد أخرج الحديث بطرق كثيرة وألفاظ متعددة، وقد ستل شيخنا العلامة محمد العثيمين –حفظه الله ورعاه-عن هذا الحديث فقال: "هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمن أهل العلم من صححه واعتمده كالنووي، ومنهم من ضعفه. ولكن تلقي العلماء هذا الحديث بالقبول ووضعهم ذلك الحديث في كتبهم يدل على أن له أصلًا ... " أنتهى من كتاب (العلم) لفضيلة شيخنا-يسر الله نشره _.
1 / 17
الرحمن (١) الرحيم (٢) أعلم (٣) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [ابراهيم: الآية ١-٢] لا نقول إن لفظ الجلالة "الله" صفة بل نقول هي عطف بيان لئلا يكون لفظ الجلالة تابعًا تبعية النعت للمنعوت.
(١) الرحمن اسم من الأسماء المختصة بالله ﷿ لا يطلق على غيره والرحمن معناه المتصف بالرحمة الواسعة.
(٢) الرحيم يطلق على الله ﷿ وعلى غيره، ومعناه ذو الرحمة الواصلة، فالرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة فإذا جمعا صار المراد بالرحيم الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده كما قال الله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [سورة العنكبوت، الآية: ٢١] .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ العلم ومراتب الإدراك ... (٣) العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا. ومراتب الإدراك ست: الأولى: العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا. الثانية: الجهل البسيط وهو عدم الإدراك بالكلية. الثالثة: الجهل المركب وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه. الرابعة: الوهم وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح. الخامسة: الشك وهو إدراك الشيء مع احتمال مساو. السادسة: الظن وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح. والعلم ينقسم إلى قسمين: ضروري ونظري.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ العلم ومراتب الإدراك ... (٣) العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا. ومراتب الإدراك ست: الأولى: العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا. الثانية: الجهل البسيط وهو عدم الإدراك بالكلية. الثالثة: الجهل المركب وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه. الرابعة: الوهم وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح. الخامسة: الشك وهو إدراك الشيء مع احتمال مساو. السادسة: الظن وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح. والعلم ينقسم إلى قسمين: ضروري ونظري.
1 / 18
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالضروري ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًا بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال كالعلم بأن النار حارة مثلًا.
والنظري ما يحتاج إلى نظر واستدلال كالعلم بوجوب النية في الوضوء.
الفرق بين الرحمة والمغفرة ... رحمك الله (١) ــ (١) رحمك الله أفاض عليك من رحمته التي تحصل بها على مطلوبك وتنجو من محذورك، فالمعنى غفر الله لك ما مضى من ذنوبك، ووفقك بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة والتوفيق للخير والسلامة من الذنوب في المستقبل. وصنيع المؤلف رحمه الله تعالى يدل على عنايته وشفقته بالمخاطب وقصد الخير له.
المسائل الأربع المسألة الأولى: العلم وهو: معرفة العبد ربه ونبيه ودينه ... أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل (٢)؛ الأولى: العلم وهو: معرفة الله (٣) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ. (٢) هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى تشمل الدين كله فهي جديرة بالعناية لعظم نفعها. (٣) أي معرفة الله ﷿ بالقلب معرفة تستلزم قبول ما شرعه والإذعان والأنقياد له، وتحكيم شريعته التي جاء بها رسوله محمد ﷺ، ويتعرف العبد على ربه بالنظر في الآيات الشرعية في كتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ والنظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات، فإن الإنسان كلما نظر في تلك الآيات ازداد علمًا بخالقه ومعبودة قال الله ﷿: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الذاريات، الآيتين: ٢٠-٢١] .
الفرق بين الرحمة والمغفرة ... رحمك الله (١) ــ (١) رحمك الله أفاض عليك من رحمته التي تحصل بها على مطلوبك وتنجو من محذورك، فالمعنى غفر الله لك ما مضى من ذنوبك، ووفقك بالمغفرة فالمغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة والتوفيق للخير والسلامة من الذنوب في المستقبل. وصنيع المؤلف رحمه الله تعالى يدل على عنايته وشفقته بالمخاطب وقصد الخير له.
المسائل الأربع المسألة الأولى: العلم وهو: معرفة العبد ربه ونبيه ودينه ... أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل (٢)؛ الأولى: العلم وهو: معرفة الله (٣) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ. (٢) هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى تشمل الدين كله فهي جديرة بالعناية لعظم نفعها. (٣) أي معرفة الله ﷿ بالقلب معرفة تستلزم قبول ما شرعه والإذعان والأنقياد له، وتحكيم شريعته التي جاء بها رسوله محمد ﷺ، ويتعرف العبد على ربه بالنظر في الآيات الشرعية في كتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ والنظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات، فإن الإنسان كلما نظر في تلك الآيات ازداد علمًا بخالقه ومعبودة قال الله ﷿: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الذاريات، الآيتين: ٢٠-٢١] .
1 / 19
ومعرفة نبيه (١) ومعرفة دين الإسلام (٢) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(١) أي معرفة رسوله محمد ﷺ المعرفة التي تستلزم قبول ما جاء به من الهدى ودين الحق، وتصديقه فيما أخبر، وامتثال أمره فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتحكيم شريعته والرضا بحكمه قال الله ﷿: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة النساء الآية: ٦٥] . وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة النساء: ٥٩] . وقال ﷿: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة النور، الآية: ٦٣] . قال الإمام أحمد ﵀: "أتدري ما الفتنة؟
الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".
(٢) قوله معرفة دين الإسلام: الإسلام بالمعنى العام هو التعبد لله بما شرع منذ أن ارسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة كما ذكر ﷿ ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله ﷿: قال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً﴾ [سورة البقرة، الآية: ١٢٨] .
والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي ﷺ يختص بما بعث به محمد ﷺ لأن ما بعث به النبي ﷺ نسخ جميع الأديان السابقة فصار من أتبعه مسلمًا ومن خالفه ليس بمسلم، فأتباع الرسل مسلمون في زمن رسلهم،
1 / 20
بالأدلة (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فاليهود مسلمون في زمن موسى ﷺ والنصارى مسلمون في زمن عيسى ﷺ، وأما حين بعث النبي محمد ﷺ فكفروا به فليسوا بمسلمين.
وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله النافع لصاحبه قال الله ﷿ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ﴾ [سورة آل عمران، الآية: ١٩]، وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران، الآية: ٨٥] وهذا الإسلام هو الإسلام
الذي امتن به على محمد ﷺ وأمته، قال الله تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا﴾ [سورة المائدة، الآية: ٣] .
(١) قوله: بالأدلة جميع دليل وهو ما يرشد إلى المطلوب، والأدلة على معرفة ذلك سمعية، وعقلية، فالسمعية ما ثبت بالوحي وهو الكتاب والسنة، والعقلية ما ثبت بالنظر والتأمل، وقد أكثر الله ﷿ من ذكر هذا النوع في كتابه فكم من آية قال الله فيها ومن آياته كذا وكذا وهكذا يكون سياق الأدلة العقلية الدالة على الله تعالى.
وأما معرفة النبي ﷺ بالأدلة السمعية فمثل قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [سورة الفتح، الآية: ٢٩] الآية. وقوله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [سورة آل عمران، الآية: ١٤٤] . بالأدلة العقلية بالنظر والتأمل فيما أتى به من الآيات البينات التي أعظمها كتاب الله ﷿ المشتمل على الآخبار الصادقة النافعة والأحكام المصلحة العادلة، وما جرى على يديه من خوارق العادات، وما أخبر به من أمور الغيب التي لا تصدر إلا عن وحي والتي صدقها ما وقع منها.
1 / 21
المسألة الثانية العمل به
...
الثانية العمل به (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(١) قوله العمل به أي العمل بما تقتضيه هذه المعرفة من الإيمان بالله والقيام بطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من العبادات الخاصة، والعبادات المتعدية، فالعبادات الخاصة مثل الصلاة، والصوم، والحج، والعبادات المتعدية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله وما أشبه ذلك.
والعمل في الحقيقة هو ثمرة العلم، فمن عمل بلا علم فقد شابه النصارى، ومن علم ولم يعمل فقد شابه اليهود.
المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إليه ... الثالثة: الدعوة إليه (٢) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ (٢) أي الدعوة إلى ما جاء به الرسول ﷺ من شريعة الله تعالى على مراتبها الثلاث أو الأربع التي ذكرها الله ﷿ في قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [سورة النحل، الآية: ١٢٥] والرابعة قوله: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [سورة العنكبوت، الآية: ٤٦] . ولا بد لهذه الدعوة من علم بشريعة الله ﷿ حتى تكون الدعوة عن علم وبصيرة. لقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف، الآية: ١٠٨] والبصيرة تكون فيما يدعو إليه بأن يكون الداعية عالمًا بالحكم الشرعي، وفي كيفية الدعوة، وفي حال المدعو. ومجالات الدعوة كثيرة منها: الدعوة إلى الله تعالى بالخطابة، وإلقاء المحاضرات، ومنها الدعوى إلى الله بالمقالات، ومنها الدعوة إلى الله بحلقات العلم، ومنها الدعوى إلى الله بالتأليف ونشر الدين عن طريق التأليف.
المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إليه ... الثالثة: الدعوة إليه (٢) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ (٢) أي الدعوة إلى ما جاء به الرسول ﷺ من شريعة الله تعالى على مراتبها الثلاث أو الأربع التي ذكرها الله ﷿ في قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [سورة النحل، الآية: ١٢٥] والرابعة قوله: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [سورة العنكبوت، الآية: ٤٦] . ولا بد لهذه الدعوة من علم بشريعة الله ﷿ حتى تكون الدعوة عن علم وبصيرة. لقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة يوسف، الآية: ١٠٨] والبصيرة تكون فيما يدعو إليه بأن يكون الداعية عالمًا بالحكم الشرعي، وفي كيفية الدعوة، وفي حال المدعو. ومجالات الدعوة كثيرة منها: الدعوة إلى الله تعالى بالخطابة، وإلقاء المحاضرات، ومنها الدعوى إلى الله بالمقالات، ومنها الدعوة إلى الله بحلقات العلم، ومنها الدعوى إلى الله بالتأليف ونشر الدين عن طريق التأليف.
1 / 22
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها الدعوة إلى الله في المجالس الخاصة فإذا جلس الإنسان في مجلس في دعوة مثلًا فهذا مجال للدعوة إلى الله ﷿ ولكن ينبغي أن تكون على وجه لا ملل فيه ولا إثقال، ويحصل هذا بأن يعرض الداعية مسألة علمية على الجالسين ثم تبتدئ المناقشة ومعلوم أن المناقشة والسؤال والجواب له دور كبير في فهم ما أنزل الله على رسوله وتفهيمه، وقد يكون أكثر فعالية من إلقاء خطبة أو محاضرة إلقاء مرسلًا كما هو معلوم.
والدعوة إلى الله ﷿ هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام وطريقة من تبعهم بإحسان، فإذا عرف الإنسان معبوده، ونبيه، ودينه ومن الله عليه بالتوفيق لذلك فإن عليه السعي في إنقاذ أخوانه بدعوتهم إلى الله ﷿ وليبشر بالخير، قال النبي ﷺ لعلي بن أبى طالب ﵁ يوم خيبر: "أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من حمر النعم" (١) متفق على صحته. ويقول ﷺ فيما رواه مسلم: "من دعا إلى الهدى كان له من الأجل مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" (٢) . وقال ﷺ فيما رواه مسلم أيضًا: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" (٣) .
ــ
(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد، باب: دعاء النبي ﷺ إلى الإسلام والنبوة. ومسلم. كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل علي بن أبي طالب ﵁.
(٢) مسلم، كتاب العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة.
(٣) مسلم، كتاب الإمارة باب: فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره.
1 / 23
المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه
...
الرابعة: الصبر على الأذى فيه (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصبر حبس النفس على طاعة الله، وحبسها عن معصية الله، وحبسها عن التسخط من أقدار الله فيحبس النفس عن التسخط والتضجر والملل، ويكون دائمًا نشيطًا في الدعوة إلى دين الله وإن أوذى، لأن أذية الداعين إلى الخير من طبيعة البشر إلا من طبيعة البشر إلا من هدى الله قال الله تعالى: لنبيه ﷺ: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [سورة الأنعام، الآية: ٣٤] وكلما قويت الأذية قرب النصر، وليس النصر مختصًا بأن ينصر الإنسان في حياته ويرى أثر دعوته قد تحقق بل النصر يكون ولو بعد موته بأن يجعل الله في قلوب الخلق قبولًا لما دعا إليه وأخذًا به وتمسكًا به فإن هذا يعتبر نصرًا لهذا الداعية وإن كان ميتًا، فعلى الداعية أن يكون صابرًا على دعوته مستمرًا فيها. صابرًا على ما يعترضه هو من الأذى، وهاهم، وها هم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول وبالفعل قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [سورة الذاريات، الآية: ٥٢] وقال ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [سورة الفرقان، الآية: ٣١] ولكن على الداعية أن يقابل ذلك بالصبر وأنظر إلى قول الله ﷿ لرسوله ﷺ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ [سورة الإنسان، الآية: ٢٣] كان من المنتظر أن يقال فاشكر نعمة ربك ولكنه ﷿ قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [سورة الإنسان، الآية: ٢٤] وفي هذا إشارة إن كل من قام بهذا القرآن فلابد أن يناله ما يناله مما يحتاج إلى صبر، وأنظر إلى حال النبي ﷺ حين ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول:
1 / 24
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (١) فعلى الداعية أن يكون صابرًا محتسبًا.
أقسام الصبر ... ــ والصبر ثلاثة أقسام: ١-صبر على طاعة الله. ٢-صبر عن محارم الله. ٣-صبر على أقدار الله التي يجريها إما مما لا كسب للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء والاعتداء.
تفسير سورة العصر ... والدليل على قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ (١) قوله والدليل على هذه المراتب الأربع قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ أقسم الله ﷿ في هذه الصورة بالعصر الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر، فاقسم الله ﷿ به على أن الإنسان كل الإنسان في خسر إلا من أتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتوصي بالصبر. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: جهاد النفس أربع مراتب: إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه. _________ (١) رواه البخاري، كتاب أستتابة المرتدين والمعاندين. ومسلم، كتاب الجهاد، باب: غزوة أحد.
أقسام الصبر ... ــ والصبر ثلاثة أقسام: ١-صبر على طاعة الله. ٢-صبر عن محارم الله. ٣-صبر على أقدار الله التي يجريها إما مما لا كسب للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء والاعتداء.
تفسير سورة العصر ... والدليل على قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ (١) قوله والدليل على هذه المراتب الأربع قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ أقسم الله ﷿ في هذه الصورة بالعصر الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر، فاقسم الله ﷿ به على أن الإنسان كل الإنسان في خسر إلا من أتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتوصي بالصبر. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: جهاد النفس أربع مراتب: إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه. _________ (١) رواه البخاري، كتاب أستتابة المرتدين والمعاندين. ومسلم، كتاب الجهاد، باب: غزوة أحد.
1 / 25
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله الله، فإذا أستكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين".
فالله ﷿ أقسم في هذه الصورة بالعصر على أن كل إنسان فهو في خيبة وخسر مهما أكثر ماله وولده وعظم قدره وشرفه إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة:
أحدها: الإيمان ويشمل كل ما يقرب إلى الله تعالى من أعتقاد صحيح وعلم نافع
الثاني: العمل الصالح وهو كل قول أو فعل يقرب إلى الله بأن يكون فاعله لله مخلصًا ولمحمد ﷺ متبعًا.
الثالث: التواصي بالحق وهو التواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه.
الرابع: التواصي بالصبر بأن يوصي بعضهم بعضًا بالصبر على فعل أوامر الله تعالى، وترك محارم الله، وتحمل أقدار الله.
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يتضمنان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بهما قوام الأمة وصلاحها ونصرها وحصول الشرف والفضيلة لها: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [سورة آل عمران، الآية: ١١٠] .
1 / 26
معنى قول الإمام الشافعي لو مأنزل الله
...
قَالَ الشَّافِعيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (١) _: " لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلا هَذِهِ السورة لكفتهم" (٢) وقال البخاري ﵀ (٣) -: "بَابُ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالْعَمَلِ". وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [سورة محمد، الآية: ١٩]، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل (٤) .
ــ
(١) الشافعي هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي، ولد في غزة سنة ١٥٠ هـ وتوفي بمصر سنة ٢٠٤ هـ وهو أحد الأئمة الأربعة على الجميع رحمة الله تعالى:
(٢) مراده ﵀ أن هذه السورة كافية كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك، وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة.
وقوله: "لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلا هذه السورة لكفتهم" لأن العاقل البصير إذا سمع هذه السورة أو قرأها فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
(٣) البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، ولد ببخارى في شوال سنة أربعة وتسعين ومائة ونشأ يتيمًا في حجر والدته، وتوفي ﵀ في خرتنك بلدة على فرسخين من سمر قند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين.
(٤) أستدل البخاري ﵀ بهذه الآية على وجوب البداءة بالعلم قبل
1 / 27
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القول والعمل وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولًا ثم يعمل ثانيًا، وهناك دليل عقلي نظري يدل على أن العلم قبل القول والعمل وذلك لأن القول أو العمل لا يكون صحيحًا مقبولًا حتى يكون على وفق الشريعة، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعمل، ولكن هناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته كالعلم بأن الله إله واحد فإن هذا قد فطر عليه العبد ولهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلم، أما المسائل الجزئية المنتشرة فهي التي تحتاج إلى تعلم وتكريس جهود.
1 / 28
المسائل الثلاث التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمهن
المسألة الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا بل أرسل لنا رسولا
...
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن، الأولى: أن الله خلقنا (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(١) ودليل ذلك أعني أن الله خلقنا سمعي وعقلي:
أما السمعي فكثير ومنه قوله ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ [سورة الأنعام، الآية: ٢] وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [سورة الأعراف، الآية: ١١] الآية، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [سورة الحجر، الآية: ١٥] وقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [سورة الروم، الآية: ٢٩] وقوله: ﴿خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [سورة الرحمن، الآية: ١٤] ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة الزمر، الآية: ٦٢] وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة الصافات، الآية: ٩٦] وقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات، الآية: ٥٦] إلى غير ذلك من الآيات. أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [سورة الطور، الآية: ٣٥] فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئًا، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام والتناسق المتآلف يمنع منعًا باتًا أن يكون صدفة. إذا الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره، فتعين بهذا أن يكون الخالق هو الله وحده فلا خالق ولا آمر إلا الله، قال الله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [سورة الأعراف، الآية: ٥٤]
1 / 29
ورزقنا (١) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله ﷾ إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله ﷺ يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ [سورة الطور، الآية: ٣٥-٣٧] وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركًا فقال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي". (١)
(١) أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل أما الكتاب: فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [سورة الذاريات، الآية: ٥٨] وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ [سورة سبأ، الآية: ٢٤] وقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [سورة يونس، الآية: ٣١] والآيات في هذا كثيرة.
وأما السنة: فمنها قوله ﷺ في الجنين "يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله، وعمله وشقي أم سعيد". (٢)
وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله ﷿ كما قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ
_________
(١) البخاري، كتاب التفسير، سورة الطور.
(٢) البخاري، كتاب القدر. ومسلم، كتاب القدر
1 / 30