Explanation of the Luminous Creed - Mohamed Hassan Abdel Ghaffar
شرح لمعة الاعتقاد - محمد حسن عبد الغفار
Türler
شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - قواعد هامة في الأسماء والصفات وشرح البسملة
هناك قواعد هامة في باب الأسماء والصفات لابد من معرفتها حتى يستطيع المسلم أن يضبط هذا الباب العظيم الذي ضل فيه أناس كثيرون، فبمعرفة هذه القواعد يثبت المسلم لله تعالى ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.
1 / 1
ضوابط وقواعد هامة في الأسماء والصفات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فنبدأ بأهم العلوم وأشرفها وهو التوحيد؛ إذ إن القاعدة عند العلماء: تقديم الأهم على المهم، ولا أوجب من توحيد الله جل في علاه، وينبثق شرف هذا العلم من شرف المعلوم وهو الله جل في علاه، ولا أحد أشرف من الله جل في علاه.
1 / 2
وجوب التسليم لكلام الله وكلام رسوله
وقبل أن نشرع في شرح هذا الكتاب فإن بين يدي هذا الكتاب ضوابط قدمها لنا الشيخ رحمة الله عليه وقواعد هامة في الأسماء والصفات، قال ﵀: القاعدة الأولى: في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة وأسماء الله وصفاته، وملخصها أنه يجب على كل إنسان أن يعلم أن الله أنزل الكتاب بلسان عربي مبين، ولو علم رجل أعجمي رجلًا عربيًا هذا القرآن ما خرج إلينا بهذه الفصاحة، وفائدة قولنا: بلسان عربي مبين: أن كل عربي يفقه عن الله مراده من ظاهر كلامه جل في علاه.
قال الله تعالى: ﴿تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس:٥]، وقال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء:١٩٣ - ١٩٥] وقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف:٢]، فالحكمة من كونه عربيًا لعلكم تعقلون ما يقال لكم؛ لأنه نزل بلغتكم، فالواجب في كتاب الله وسنة النبي ﷺ أن نأخذ ظاهر اللفظ ولا نحرفه ولا نؤوله.
فنسلم لكلام الله، ونسلم لكلام رسول الله، ونسلم لأحكام الله، ونسلم لأحكام رسول الله، فمثلًا: يقول الله جل في علاه: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح:١٠]، فيجب علي أن آخذ ظاهر كلمة (اليد) على ما هي عليه ولا أقول: هي النعمة، ولا أقول هي القدرة، ولا أأولها ولا أحرفها.
ولله أصابع؛ لأن النبي ﷺ ظاهر كلامه عندما قال اليهودي: (إن الله يحمل الأشجار على هذا ويشير إلى أصابعه، فضحك النبي ﷺ مقرًا كلام اليهودي)، فظاهر هذا اللفظ أن لله أصابع، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: (قلب بني آدم بين إصبع من أصابع الرحمن)، أو (بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) سبحانه جل في علاه، فهنا أثبت النبي ﷺ في ظاهر قوله أن لله أصابع، فالواجب علي أن أسلم لكلام النبي وأقول: لله أصابع، ولا أقول: هي القدرة أو هي النعمة.
وأيضًا قال الله تعالى عن سفينة نوح: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر:١٤]، واللغة العربية معنى العين معلوم فيها، وقد قال الله لموسى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه:٣٩]، فالواجب علي أن أقول: كلمني ربي بلساني وهو لسان عربي مبين، فيجب علي أن أمرر هذه اللفظة على ظاهرها، يقول الله له يد فأثبت له يدًا، ويقول له عين فأثبت له عينًا، ويقول له ساق فأثبت له ساقًا، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم:٤٢].
فأمرر قول الله على ما هو عليه بنفس المعنى العربي المبين، والذي يحرف أو يؤول فيقول: اليد القدرة، ويقول: العين الرعاية، فهذا محرف لكلام الله جل في علاه، ويقع تحت التحذير الشديد الذي حذرنا الله منه، وهو: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:١٦٩]، وقد قال الله تعالى محذرًا لعباده: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء:٣٦]، فإذا قال الله عن نفسه: إن الله يضحك، فلا تقل: يرحم بل قل: إن الله يضحك.
ولذلك جاء بعض الصحابة إلى رسول الله ﷺ عندما أخبر أن الله يضحك فقال: (يا رسول الله! ما الذي يضحك الرب؟ قال: أن تخلع درعك)، يعني: تظهر الشجاعة والصدق، وتدخل على العدو تقاتل من أجل الله فتقتل مقبلًا غير مدبر، قال: (يضحك ربنا من ذلك؟ قال: يضحك ربنا من ذلك، فخلع درعه ثم قال: لن نعدم خيرًا من رب يضحك)، فقد علم أن الله يضحك، ولازم الضحك أنه سيثيب عباده الذين ضحك لهم.
يقول الله: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ [الفيل:١ - ٣]، محمد عبده ﵀ وغفر له زلاته من مدرسة العقلاء مدرسة الاعتزال الذين يقدمون العقل على النقل، يقول -طبعًا الكلام للغرب لأنهم لا يمكن أن يستوعبوا أن الله يرسل طيرًا بحجر فيقتل الأمة بأسرها- فقال: طير أبابيل معناه الجدري، ومرة أخرى يقول: المد والجزر، فأول وحرف كلام الله، فبدل أن يكون بلسان عربي مبين جعله أعجميًا فأوله وحرفه، وكأنه بلسان حاله يقول: ربنا ليس هذا الكلام الذي نعقله عنك، الكلام هذا ليس بصحيح، وكأن كلام الله جل في علاه في كتابه لا يعقله أحد من العرب، والله أنزله بلسان العرب.
إذًا: الضابط الأول في كلام الله وكلام الرسول: التسليم التام لكلام الله وكلام الرسول كما أننا نسلم لأحكام الله وأحكام الرسول.
1 / 3
قواعد في أسماء الله تعالى
القاعدة الثانية: في أسماء الله، وتحت هذه القاعدة فروع.
الفرع الأول: أسماء الله كلها حسنى، أي: بالغة في الحسن، واسم الله حسن؛ لأنه يتضمن أمرين: أولًا: أن الاسم علم على ذات الله، ثانيًا: أن كل اسم يتضمن صفة كمال، وهذا هو الذي يبلغ بالاسم غاية الحسن، فأسماء الله جل في علاه كلها غاية في الحسن وفي الكمال؛ لأنها تتضمن صفات كمال، فإذا انضم اسم مع اسم آخر انضم كمال مع كمال فإذا قلت: الرحمن الرحيم، فهو أكمل من أن تقول: الرحمن فقط أو الرحيم فقط.
فنقول: الكريم اسم من أسماء الله وهو غاية في الحسن؛ لأنه علامة على ذات الله، ولأنه يتضمن صفة كمال وهي الكرم، والحي اسم من أسماء الله كما قال الله تعالى: ﴿الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ﴾ [آل عمران:١ - ٢]، وهو غاية في الحسن والكمال لأنه علم على ذات الله، ولأنه يتضمن صفة كمال وهي الحياة، وحياة الله أزلية أبدية.
ويتبين لنا من ذلك أن الدهر ليس اسمًا من أسماء الله، كيف وقد قال النبي ﷺ: (قال الله تعالى: لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر)، فكيف نقول: أن الدهر ليس اسمًا من أسماء الله والله يقول: (أنا الدهر)؟ فنقول: أولًا: ننظر هل هو علامة على ذات الله أم لا؟ ثانيًا: ننظر هل يتضمن صفة كمال أم لا؟ فإذا نظرنا وجدنا أنه ليس بعلامة على ذات الله، وإن قلنا أنه ليس علامة على ذات الله فنقول: هو لا يتضمن صفة كمال، وأي كمال في الدهر؟ إذًا ليس اسمًا لله جل في علاه؛ لأنه لا يتضمن صفة كمال؛ لأن الضابط: كل اسم يتضمن صفة كمال فهو اسم من أسماء الله، وكثير من الناس يسمي ابنه: عبد الموجود، وهذا الاسم ليس بصحيح؛ لأمرين: الأمر الأول: الموجود ليس علامة على ذات الله، والثاني: أنه لا يتضمن صفة كمال بل يتضمن صفة نقص؛ فاسم الله هو الواجد وليس الموجود، فلا يوجد في الكون صغير ولا كبير ولا دقيق ولا جليل إلا والله هو الذي أوجده، إذًا: الموجود ليس اسمًا من أسماء الله.
وفي شرح الطحاوية يسمي الله: القديم، فهل القديم اسم من أسماء الله الحسنى أو لا؟ الأشاعرة يقولون: أخص صفات الله القدم، ولا يشترك أحد مع الله في هذه الصفة، والقديم ليس اسمًا من أسماء الله؛ لأنه لا يتضمن صفة كمال؛ وإنما اسم الله هو الأول.
إذًا: أخص صفات الله الأولية؛ لأن النبي ﷺ قال: (أنت الأول فليس قبلك شيء)، وهذا لا يقال في القديم؛ لأن القديم هناك من هو أقدم منه، وفائدة هذا الضابط: معرفة اسم الله من غيره.
الفرع الثاني: أسماء الله غير محصورة بعدد معين.
الفرع الثالث: أسماء الله لا تثبت بالعقل، وإنما تثبت بالشرع، والعلماء يقولون: أسماء الله وصفاته توقيفية، أي: يوقف فيها عند كلام الله، وكلام رسول الله، وهذا يرد على من يسمي الله بأسماء ليست موجودة في الكتاب والسنة، والنصارى يسمون الله الأب، وليس من أسماء الله جل في علاه، ولم ينزل الله به من سلطان لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن، وهذا إلحاد في أسماء الله، فإذا قلت: أسماء الله توقيفية فمعناه: أنني لا أقول بأن هذا الاسم من أسماء الله إلا إذا قلت قال الله في كتابه كذا، أو قال الرسول في الحديث كذا، ولذلك اسم (النور) اختلف فيه العلماء؛ لأنه ورد حديث ضعيف ذكر أسماء الله التسعة والتسعين، ولم يرد في السنة ما يثبت أن النور اسم من أسماء الله.
الفرع الرابع: كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على ذاته ويتضمن صفة كمال.
والصفات صفات متعدية وصفات لازمه، واللازمة هي التي لا تتعدى كاسم الله العظيم، فالعظيم اسم من أسماء الله يتضمن صفة كمال، وصفة الكمال الذي يتضمنها اسم العظيم هي العظمة، فإن العظمة لله جل في علاه وحده وهي لازمة وليست متعدية.
أيضًا اسم الله العزيز لازم غير متعدي؛ لأن العزة صفة من صفات الذات، أما الأسماء التي لها صفات متعدية فهي الأسماء التي تتضمن صفات الفعل، كقول الله تعالى: «الرَّحِيمِ» فالرحيم من أسماء الله وهو غاية في الحسن؛ لأنه يتضمن صفة كمال وهي الرحمة، والرحمة متعدية؛ لكن الله رحيم قبل أن يخلق الخلق.
1 / 4
قواعد في صفات الله تعالى
القاعدة الثالثة في صفات الله، وتحتها فروع: الأول: صفات الله كلها كمال من كل وجه؛ لأن الله جل وعلا قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ [النحل:٦٠]، وقال تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤]، وقال تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء:٤٣] فالله جل وعلا له العلو المطلق، وصفاته لها الكمال المطلق من كل وجه كالعزة، والرحمة، والكرم، والجود، والبر، والمن، والعطاء، والإحسان، والعطف، والرأفة.
وهناك كمال لكنه ليس من كل وجه وإنما كمال من وجه ونقص من وجه، مثل: المكر والاستهزاء والخداع، فأثبت لله الصفة حين تكون كمالًا، وانفِ عن الله الصفة حين تكون نقصًا، والمكر ليست من كل وجه صفة كمال، فإن العبد الماكر منبوذ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ [النحل:٦٠]، لكن العبد الذي يمكر بالماكرين غير منبوذ بل يقال عنه: قوي عزيز، فالله يستدرج الماكرين ليعلموا قوته وعزته وكبرياءه، فتكون صفة كمال حين المقابلة، فتقول: يمكر بالماكرين، ويستهزئ بالمستهزئين، ويخادع المخادعين، لكن لا يصح أن تقول: الله ماكر، الله مخادع، حاشا لله! فهذا تنقيص من قدر الله جل في علاه.
فلا بد في الصفات التي فيها كمال من وجه ونقص من وجه أن تصف الله بها حين تكون كمالًا، وتنفيها عن الله حين تكون نقصًا.
الفرع الثاني في الصفات: قال صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، فالثبوتية هي التي أثبتها الله على لسانه، وأثبتها على لسان رسوله ﷺ في سنته، وإثبات اللسان لله أو نفيه عنه مما سكت عنه السلف فنكست كما سكت السلف، فلا نقول: له لسان ولا نقول: ليس له لسان؛ لأن الله سكت عنه ونحن يسعنا ما وسع الشرع، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء:٣٦].
إذًا: الصفات الثبوتية هي التي أثبتها الله لنفسه في كتابه كالعزة والكبرياء وغيرها، وأثبتها له رسوله ﷺ كقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، وقوله: (يكشف الله عن ساقه)، فالنبي ﷺ أثبت لله الساق، وأثبت لله الكلام، فهي ثبوتية؛ لأنها ثبتت بالكتاب وثبتت بالسنة، والصفات السلبية هي التي نفاها الله عن نفسه في الكتاب ونفاها عنه رسوله ﷺ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ [يونس:٤٤]، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت:٤٦]، ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق:٣٨]، فهو ينفي هذه الصفات عن نفسه، وقال الله تعالى: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾ [البقرة:٢٥٥]، وقال النبي ﷺ ينفي عن ربه النوم: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام)، فالنوم صفة سلبية أي: منفية نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه رسوله؛ لأنها صفة نقص وكل صفة نقص، فهي منفية عن الله ﷾.
الفرع الثالث: الصفات الثبوتية، وتنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية، ويزاد على ذلك الخبرية؛ لأن الشيخ في التقعيد يرى أن الخبرية تنزل منزلة الذاتية، والصفة الذاتية هي التي لا تنفك عن الله بحال من الأحوال مثل الحياة، فالحياة صفة ذاتية؛ لأنها لا تنفك عن الله، فهي أزلية أبدية، أي: أن الله متصف بها أزلًا وأبدًا كالعزة، فإن الله متصف بها أزلًا وأبدًا، وهكذا جميع الصفات الذاتية، والصفة الفعلية: هي الصفة المتجددة التي يمكن لله أن يتصف بها في وقت دون وقت، كأن يتصف بها اليوم ولا يتصف بها غدًا، كالكلام، فإن الله جل في علاه تكلم مع موسى حين جاء موسى للشجرة، فهو يتكلم متى شاء، وكذلك النزول ينزل الله ثلث الليل ولا ينزل في النهار.
فالصفات الفعلية تتجدد، وهي متعلقة بمشيئة الله إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، إن شاء استوى وإن شاء لم يستو، إن شاء تكلم وإن شاء لم يتكلم، إن شاء أعطى وإن شاء لم يعط، والاستواء صفة فعل.
والصفات الخبرية هي التي مسماها عندنا أجزاء وأبعاض، كاليد فهي جزء مني وهي صفة لله، فالضابط أن مسماها عندنا جزء وبعض، وكالعين، فهي صفة لله وهي جزء مني، والساق صفة لله وهي جزء مني، هذا معنى الصفات الخبرية.
وصفة الحياء صفة ذاتية، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب:٥٣]، أي: أنه يقول الحق، فالذي يكتم الحق جبان، ولذلك الحياء ممدوح ومذموم، فالحياء المذموم أن تستحي من الحق، والحياء الممدوح أن تقول الحق، وصفة الكرم فعلية وأصلها ذاتية؛ لأنه إن شاء أكرم وإن شاء لم يكرم، لكن في الحياء الله يستحي، حتى إنه لما تكلم عن جماع الرجل لامرأته كنى وقال: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء:٤٣]، قال ابن عباس: «لامَسْتُمُ النِّسَاءَ»، معناها: جامعتم، فانظروا إلى حياء القرآن! أما الكرم فإن شاء أكرم وإن شاء لم يكرم.
إذًا: الصفات ذاتية وفعلية وخبرية.
الفرع الرابع: كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة -يقصد بذلك الإمام العلم رحمة الله عليه: التكييف والتمثيل والتشبيه- السؤال الأول: هل هي حقيقة أم هي مجاز؟ السؤال الثاني: صفة اليد لها كيفية معلومة أو مجهولة؟ السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين أم لا؟ الإجابة على ذلك: أن الصفات المثبتة لله لا بد أن نثبتها بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تحريف، والمماثلة: المطابقة في الصفة، كقول: يد الله مثل يد محمد -أعوذ بالله- والمشبهة يقولون ذلك حاشا لله، هذا معنى التمثيل، لكن أنا أثبت لله يدًا لا تماثل يد المخلوقين؛ لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، وبلا تشبيه، والتشبيه هو أن يقول: إن صفة الله تقارب صفة العبد، مثل أن يقول: عين الله تقارب عين المخلوق، هذا معنى التشبيه، وحاشا لله؛ لأن صفاته لا تشبه صفات المخلوق، وبلا تكييف، والتكييف أن تقول: كيفية يد الله كذا، فتأتي لها بمماثل، وتكيف لله جل وعلا وتصوره في الذهن، هذا لا يجوز أيضًا؛ لأن الله قال: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه:١١٠].
والإنسان لا يكيف الصفة إلا إذا رأى صاحب الصفة، وهو لم ير الله، أو أخبره من رأى صاحب الصفة بكيفية الصفة، ولم يخبرنا النبي ﷺ بكيفية الصفة، أو وجد مثيلًا لصاحب الصفة فينظر إليه فيقول: كيفية صفته ككيفية صفة المثيل، والله يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١].
إذًا: نثبت الصفة لله بلا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف، ولا تأويل، ولا تحريف، وهذه هي القاعدة الأولى: أننا نمرر ظاهر اللفظ على ظاهره.
1 / 5
المعطلة وأقسامهم
القاعدة الرابعة التي قعدها الشيخ، وهي نبراس لكل طالب علم حتى يرد الفرع إلى الأصل، ومن ضبط هذه القواعد فقد تعلم العقيدة، قال: القاعدة الرابعة: بم نرد على المعطلة؟ والمعطلة قسمان: معطلة تعطيلًا كاملًا محضًا، ومعطلة تعطيلًا ناقصًا، والمعطلة تعطيلًا كاملًا هم الجهمية، وهم الذين عطلوا الذات والاسم والصفة، يقولون: ليس اسمه السميع ولا عنده سمع ولا بصير ولا بصر، ولا كريم ولا كرم ولا قدير ولا قدرة، والتعطيل يساوي النفي، فهم يعبدون عدمًا حتى الصنم لم يحصلوا عليه والعياذ بالله! والمعطلة تعطيلًا ناقصًا هم المعتزلة، وهم يثبتون لله الأسماء، وينفون الصفات، فيقولون: الله عزيز، لكن بلا عزة.
حاشا لله! ويقولون: سميع بلا سمع، معأنه لو قلت: إن محمدًا سميع، فأنا أقصد بالسميع أنه يسمع الكلام، ولذلك كانت عائشة تقول: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات كلها، المرأة تشتكي زوجها للرسول ﷺ وأنا في ناحية البيت يخفى علي بعض حديثها، فأنزل الله ﷾: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة:١]، فهم يقولون: سميع بلا سمع، قدير بلا قدرة، كريم بلا كرم.
وما هو الفرق بين المعطلة تعطيلًا كاملًا -وهم الجهمية- وبين المعطلة تعطيلًا ناقصًا وهم المعتزلة؟ الفرق: أن الجهمية نفوا الاسم والصفة فقالوا: لا سميع ولا سمع، والمعتزلة نفوا الصفة دون الاسم فقالوا: سميع لكنه بلا سمع.
فالشيخ يقول القاعدة الرابعة التي نرد بها عليهم أنهم خالفوا ظاهر النصوص، وقد قعد القاعدة الأولى وهي أننا لا بد أن نأخذ بظاهر النصوص، فقالوا: اليد هي النعمة، وظاهر اللفظ يقول: ليست بنعمة، وقالوا: معنى أن الله يحب فلانًا أي: يريد ثوابه، وهذا خلاف الظاهر، فهم خالفوا ظاهر القرآن وظاهر السنة، وإجماع الصحابة.
ويلزم من قولهم التنقيص من قدر الله جل في علاه كما سنبين.
1 / 6
شرح بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي عليه رحمة الله: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتبصير، قال تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١].
لقد بدأ الإمام العلامة ببسم الله الرحمن الرحيم، قال العلماء: إن المصنف إذا ابتدأ ببسم الله فإنه من روائع البيان، وقد اقتدى المصنف بكتاب الله؛ لأن أول كتاب الله آية بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية على الراجح من الفاتحة، وهي آية تفصل بين كل سورة وسورة، وأيضًا اقتدى برسول الله؛ لأن النبي ﷺ كان يبعث بالكتب إلى كسرى وقيصر ويقول فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله).
وقد وقعت قصة طريفة في هذه المسألة وتبين أن النبي ﷺ كان أميًا لا يعرف أن يقرأ أو يكتب فنقول كتب رسول الله بسم الله الرحمن الرحيم، أي: أمر أن يكتب، كما تقول: بنى عمرو بن العاص الفسطاط، فهو لم يبنها طوبة طوبة ولكن أمر ببنائها، فلذلك النبي ﷺ أمر علي بن أبي طالب في صلح الحديبية بقوله: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال كفار قريش: لا نعرف الرحمن الرحيم، اكتب باسمك اللهم، فقد بدأ باسم الله، لكن الطريف هنا أن النبي ﷺ قال لـ علي: (اكتب باسمك اللهم، هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله، قالوا: لو كنت رسول الله لاتبعناك، فقال لـ علي: امحها، فقال علي: والله لا أمحوها، فقال له النبي ﷺ -وهنا الشاهد-: أرني أين هي فأمحوها أنا)، أي: بين لي أين مكان (محمد رسول الله) حتى أمحوها، وهذه هي المعجزة الكبيرة لرسول الله أنه لا يعرف القراءة ولا يعرف الكتابة بأبي هو وأمي، وأوتي جوامع الكلم.
فالمصنف اقتدى بكتاب الله وبسنة رسول الله ﷺ.
والباء في (باسم) للإلصاق، ومتعلقها محذوف تقديره: أبتدئ باسم الله، أو أصنف باسم الله، أو أستعين باسم الله، وقد بدأ بها ولم يبدأ بالفعل تبركًا باسم الله، وقد بينا أن تقديم الأهم على المهم واجب، وتقديم الأشرف على الشريف واجب، وأشرف ما يبتدأ به هو اسم الله، ولذلك لم يبدأ بالفعل.
والاسم مشتق من السمة، أي: العلامة، وهذا في حق الله حق؛ لأن الاسم علامة على ذات الله جل في علاه، وأيضًا مشتق من السمو وهو العلو، والعلو المطلق لله، وهو يشمل علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات؛ لأن الله علي على عباده بذاته بائن من خلقه جل في علاه.
إذًا: (باسم الله)، الله علم على ذات الله، وهو اسم الله الأعظم؛ لأنه أكثر اسم ذكر في القرآن، وأيضًا كل أسماء الله تضاف إلى هذا الاسم، لكن اسم (الله) لا يصح أن يضاف لاسم من أسمائه، فلا يصح أن تقول: الرحمن الله، وتجعل الله صفة للرحمن، لكن يصح أن تقول: الله الرحمن فتقول: الرحمن صفة لله، الله الكريم والكريم صفة لله، فالله هو الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.
(الرحمن الرحيم): اسمان من أسماء الله الحسنى يتضمن كل اسم منهما صفة كمال وهي صفة الرحمة، وإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فالرحمن اسم من أسماء الله يتضمن صفة ذات، والرحيم يتضمن صفة فعل، فالرحمن اسم من أسماء الله الحسنى لأنه يتضمن صفة كمال وهي الرحمة، وهذه الصفة صفة ذات، والرحيم اسم من أسماء الله، أيضًا يتضمن صفة كمال وهي الرحمة، لكنها صفة فعل، فما الفرق بينهما؟ الفرق أن الرحمن صفة ذات، إذًا: فهي عامة في المؤمن والكافر، ويتصف الله بها أزلًا وأبدًا، ولذلك نرى أنهم يسبون الله ويرحمهم ويعطيهم ويشفيهم، قال النبي ﷺ: (ما رأيت أحدًا أصبر -صفة الصبر لله- أصبر على أذى سمعه من الله، ينسبون له الولد ويرزقهم ويعافيهم).
فالله جل وعلا يرحمهم بالصفة الذاتية؛ فقد جاء بها على وزن (فعلان) كناية عن سعتها، فهي صفة ذاتية، أما الرحيم فهي صفة فعلية يرحم من يشاء ويعذب من يشاء، فالرحيم هنا خاصة بالمؤمنين.
إذًا: الرحمن تعم الكافر والمؤمن، لكن الرحيم خاصة بالمؤمنين؛ لقول الله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب:٤٣]، ولم يقل رحمانًا؛ لأن الرحمن عامة للكافر والمؤمن، أما الرحيم فهي خاصة بالمؤمن.
1 / 7
شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - العلاقة بين الحمد والشكر
هذا الملف يتناول الكلام عن معنى الحمد والشكر والفرق بينهما، وأن الله تعالى ليس كمثله شيء من مخلوقاته، فقد نزه نفسه عن الصاحبة والولد، ونفذ قهره وقوته على جميع مخلوقاته، فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى كما وصف نفسه ووصفه نبيه محمد ﷺ، فيجب الإيمان بها وتلقيها بالتسليم والقبول من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تأويل.
2 / 1
مقدمة لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
2 / 2
تعريف الحمد والفرق بينه وبين الشكر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحمد لله المحمود بكل لسان].
الحمد هو الثناء الجميل الحسن على المحمود جل في علاه فيما هو أهل له من صفات الكمال، والجلال، والبهاء، والعظمة، فهو ثناء باللسان وإقرار بالقلب.
والفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد لا يستلزم وجود النعمة عند الحامد، بخلاف الشكر، فالحامد يمدح ربه بصفات الكمال والجلال، والشاكر يمدح ربه على نعمة أسداها إليه، فالفارق بينهما عموم وخصوص، فالحمد أعم من الشكر من حيث المتعلق به، إذ تعلَّق بصفات الكمال والجلال والبهاء والعظمة لله جل في علاه، وبأسماء الله وأفعاله التي لا تنتهي، والشكر أخص من ناحية المتعلق به؛ إذ الشكر لا يكون حمدًا أو مدحًا إلا على نعمة أسداها الرب جل في علاه.
والحمد أخص من ناحية الآلة، فإن الحمد يكون باللسان، ويكون باللسان والقلب معًا، إذ بالقلب إقرار بصفات الكمال لله جل في علاه، وإقرار بجمال الله، وببهاء الله، وعظمة الله جل في علاه.
وأما الشكر فيكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، فيكون باللسان بأن يشكر الله على النعمة التي أسداها إليه، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:١١].
ويكون بالقلب بالإقرار بأن المنعم هو الله جل في علاه.
ويكون بالجوارح بالعمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ [سبأ:١٣]، والذي أسدى النعمة في الأصل وبحق هو الله جل في علاه، وجعل البشر سببًا في ذلك، وشكر السبب من شكر المنعم، لكن الجهلة تميل قلوبهم للسبب والواسطة وينسون بذلك الأصل وهو الله جل في علاه الذي أسدى إليهم هذه النعمة.
فالحمد أعم من حيث المتعلق، والشكر أعم من ناحية الآلة.
إذا أنعم الله عليك بنعمة البصر فعليك ألا تطلق البصر في الحرام، وهذا من شكر النعمة، وإذا أسدى الله إليك الصحة فعليك أن تستخدمها في طاعة الله جل في علاه، كنصرة المظلوم، فهذا من شكر الجوارح.
والسمع نعمة من نعم الله جل في علاه، لا بد من تأدية شكرها، ومن تأدية شكرها عدم سماع الغيبة والنميمة والغناء، والكلام الفاحش، والسب، وعدم سماع الكلام الذي لا يرضي الله جل في علاه.
وأيضًا نعمة اليد ونعمة اللسان، وغيرها من النعم التي لا بد من شكرها.
2 / 3
العلاقة بين الحمد والشكر
العلاقة بين الحمد والشكر أنهما إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، أي: إذا اجتمعا في اللفظ افترقا في المعنى، فمن قال: أحمد الله وأشكره فقد جمع بين الحمد والشكر في اللفظ، فيفترقان في المعنى فيكون الحمد خاصًا باللسان فقط، والشكر يكون باللسان والقلب والجوارح.
وإذا افترقا في اللفظ اجتمعا في المعنى، فالحمد يدخل تحته الشكر، فالحمد لله يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، والشكر يدخل تحته الحمد فيكون بالثناء الجميل على الله بصفات كماله، ويكون بإقرار القلب على أن المنعم هو الله، ويكون بعمل الجوارح.
2 / 4
فوائد الحمد والشكر
فوائد الحمد والشكر كثيرة أهمها: الفائدة الأولى: حب الله جل في علاه، فإن العبد الذي يحمد الله على النعم التي أسداها الله إليه يكون محبوبًا عند الله جل في علاه، ودرجات المحبة متفاوتة عند الله جل في علاه.
أما الدليل على ذلك فإن النبي ﷺ يقول: (ما أحد أحب إليه المدح من الله)، والحمد أصله المدح والثناء الحسن على الله جل في علاه، فالله يحب ذلك، قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (إن الله يحب إذا أكل أحدكم الأكلة أن يحمده عليها، وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها)، فهذه دلالة صريحة على أن الله يحب من العبد الحمد، وإذا حمد العبد الله أحبه الله، فإذا أحبه الله جعل له القبول في الأرض، كما في الصحيحين: (إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يكتب له القبول في الأرض).
وإذا أحب الله عبدًا نقله من درجة المحبة إلى درجة المحبوبية، فإن الله إذا أحب عبدًا عصمه من السيئات، وإن أساء فإن الله يلهمه التوبة.
وأيضًا: إذا أحب الله عبدًا سهل له أموره، وفتح له كل أبواب الطاعة، وأغلق عليه كل أبواب المعصية، وفتح له أبواب العلم؛ لأن النبي ﷺ قال: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) فالتفقه في الدين من محبة الله للعبد، فإن الله إذا أحب عبدًا بصره بالطريق الذي يسير فيه إلى الله جل في علاه، وجعله يرتقي إلى المعالي والدرجات العلى عند الله مع الأنبياء والمرسلين.
والعبد الذي يحبه الله جل في علاه لا يخلو من بلاء أيضًا، فقد قال الإمام مالك: من لم يبتل فليشك في إيمانه، وفي محبة الله له، والدليل على ذلك حديث النبي ﷺ في الترمذي بسند صحيح أنه قال: (إذا أحب الله قومًا ابتلاهم) فالابتلاء شرط في محبة الله للعبد.
والبلاء أنواع: بلاء حسي، وبلاء معنوي، فالبلاء الحسي: كالتضييق في المال مثلًا، وكالمرض والحوادث، والبلاء المعنوي: كالهم، والغم، والحزن، ورسوب الأولاد وغيرها.
وابتلاء الله للعبد دلالة على محبته، كما في سنن الترمذي أو النسائي: (جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إني أحب الله ورسوله، قال: انظر ما تقول، قال: أحب الله ورسوله، فقال: فأعد للفقر تجفافًا) أي: استعد للبلاء؛ لأن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، فمحبة الله جل في علاه تحققت من كثرة الحمد وكثرة الشكر؛ ولذلك فإن الله مدح عبده نوحًا بأسمى ما فيه، فقال: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء:٣] واختار ربنا جل في علاه أفضل الأسماء لنبيه وأكرم الخلق عليه وأحبهم إليه فهو خليله محمد ﷺ فمن أسمائه محمد وأحمد، ومعناهما كثير الحمد وكثير المحامد؛ وكان الكفار إذا أرادوا أن يذموا محمدًا كانوا يقولون: مذممًا، ومن أخلاقياته العالية أنه كثير الحمد لله جل في علاه.
ودرجات المحبة عند الله: درجة المحبة، ودرجة المحبوبية.
فدرجة المحبة: هي أول درجات المحبة عند الله جل في علاه، ويرتقي إليها المرء بفعل الواجبات كالصلوات الخمس، والانتهاء عن المحرمات.
والمرأة إذا أدت الفرائض، وانتهت عن المحارم، وأطاعت زوجها؛ بلغت درجة المحبة أو أرقى من ذلك؛ لأن النبي ﷺ بين أن المرأة إذا أرضت ربها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، فطاعتها لزوجها هو الركن الركين؛ ولذلك لما جاءت امرأة إلى النبي ﷺ تشتكي زوجها فقال لها النبي ﷺ: (انظري أين هو منك؟ فإنما هو جنتك ونارك) أي: فلا تدخلي الجنة إلا بطاعته، فإذا عصيته فإن الله جل وعلا لا يرضى عنك وسيدخلك النار، فقد ورد في مسند أحمد بسند صحيح: (أن المرأة إذا أطاعت زوجها وأطاعت ربها كانت كالمجاهد)، أي: فقد بلغت درجة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها أرضت الله في حسن تبعلها لزوجها.
فالمرأة غير الرجل، فالرجل إذا أتى بالفرائض وانتهى عن المحرمات بلغ درجة المحبة، كما قال النبي ﷺ: (قال الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وهذه درجة المحبوبية التي هي أرقى من درجة المحبة، وهذه الدرجة لا ينزل عنها العبد أبدًا حتى وإن عصى؛ لأن الله جل في علاه فتح له باب المعصية ليبتليه ويعلمه أن الله إذا وكله إلى نفسه فقد وكله إلى هلاك وضلال، وأن الله جل وعلا إذا لم يحطه بكفالته سيصبح فريسة لهواه وللنفس وللشيطان، وإن الله جل وعلا يكتنفه بفضله وبرحمته؛ ولذلك كان النبي ﷺ كثيرًا ما يدعو ويقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين).
فإن العبد المحبوب لدى ربه إذا وكله إلى نفسه أراد أن يعلمه أنه إذا وكل إلى نفسه فإنه وكل إلى بوار وإلى هلاك، وأيضًا أراد أن يعرفه بأن الله جل وعلا هو الذي يتفضل عليه بحفظه وعصمته من الشيطان، فإذا عصى ألهمه بعد ذلك التوبة ليرتقي منزلة فوق المنزلة التي هو فيها.
الفائدة الثانية من فوائد الحمد والشكر: تثبيت النعم، فإن النعمة -التي أسداها الله للعبد- لا تثبت إلا بالشكر، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الأنفال:٥٣] أي: يغيروا ما في قلوبهم، فلا يقرون بأن هذه نعمة الله جل في علاه، ولا يشكرون ربهم، فتثبيت النعم بالشكر.
الفائدة الثالثة وهي مهمة جدًا: زيادة النعم، فإن النعم يولد بعضها بعضًا، بسبب الشكر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:٧].
وقال علي بن أبي طالب: الدين قسمان: قسم صبر وقسم شكر، فمن أتى بالصبر فقد أتى بنصف الدين، ومن أتى بالشكر فقد أتى بالكمال، فإذا أتى بالكمال بلغ المنازل العلى عند ربه جل في علاه.
2 / 5
معنى قول المصنف: المعبود بكل مكان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [المعبود بكل مكان].
بمعنى: أن الله جل وعلا يعبد في المشرق وفي المغرب، وفي البحار، وفي أعالي السماء، وفي كل حين وفي كل مكان.
أما في كل حين فلن تجد شمسًا تشرق على أرض إلا وفيها ذاكر لله جل في علاه، ولن تجد سماءً إلا وفيها عابد لله جل في علاه، كما قال النبي ﷺ واصفًا لنا ما يحدث في السماء: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته ساجد لله).
فكثير من الملائكة مسخرون للتسبيح فقط كحملة العرش، ومنهم من يحج إلى البيت المعمور وإلى بيت العزة في السماء الدنيا، والبيت المعمور يطوفه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يرجعون إليه إلى يوم القيامة، فالملائكة يعبدون الله جل في علاه في كل طبقة من طبقات السماوات السبع، وفوق العرش فعبادة كل شيء تغاير عبادة الشيء الآخر حسب ما أوجب الله على العباد من العبادة، قال تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم:٩٣] وقال جل في علاه: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [آل عمران:٨٣] فكل من في السماوات والأرض يعبدون الله، فالماء والعرش يسبحان الله، وما من شيء إلا ويسبح بحمد ربه: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:٤٤].
جاء بسند صحيح عن ابن مسعود قال: (كنا نسمع تسبيح الطعام على عهد رسول الله ﷺ، فكل ما خلق الله من حجر وشجر ونهر وبحر وسمك وغيرها فإنها تعبد الله جل في علاه.
بل إن هناك جبلًا يحب رسول الله، ويحب صحابته فالحب في الله عبادة، كما قال ابن عباس قال النبي ﷺ: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل عرى الإيمان) أي: فقد استكمل الإيمان، ونال ولاية الله جل في علاه بالحب في الله والبغض في الله، فالجبل يعبد الله بحب رسول الله وحب صحابته؛ ولذلك فإن النبي ﷺ لما أقبل على المدينة قال: (هذا أحد جبل يحبنا ونحبه).
والأرض تقر بما فعل العبد الطائع عليها، وتشهد له بما صنع من عبادة لله جل في علاه.
2 / 6
معنى قول المصنف: يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، ﷾ هو الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون].
(يعلم ما كان) أي: بما حدث في الأمم السابقة.
(وما يكون) أي: بما سيكون ويئول إليه الأمر، كقوله ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) وأيضًا قوله ﷺ: (بين يدي الساعة سنون خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، وينطق الرويبضة، قالوا: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: الفاسق أو الفويسق يتكلم في أمر العامة).
وفي زماننا هذا فإن الرجل المزور الذي يزيف الأقوال يصبح صادقًا ومبجلًا، والرجل الصادق يصبح مهانًا.
وما أكثر الرويبضات الذين يتصدرون في أمر العامة وهم ليسوا بأهل، فيناصرهم الناس ويزعمون أنهم يناصرون الحق، فحسابهم عند ربهم في ذلك، وعند الله تجتمع الخصوم.
وقوله ﵀: (ويعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون) أي: في علم الغيب، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام:٢٧ - ٢٨] فإن يرد الله الكفار إلى الدنيا مرة ثانية، ويبعث إليهم الرسل، فسيعودون إلى ما كانوا عليه، وهذا ممكن وليس مستحيلًا، فإن الله جل وعلا إذا أراد أن يقول للدنيا كوني فستكون، قال تعالى ﴿إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:٤٠]، أما المستحيل فهو بقاء الكون إذا كان له عدد من الآلهة، قال الله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون:٩١] وقال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء:٢٢] أي: لفسدت السماء والأرض؛ فإن رب الشمس والعياذ بالله لو اختلف مع رب القمر فإنه سيحبس الشمس، فكل إله يذهب بما خلق ويعلو بعضهم على بعض.
فالمقصود: أن علم الله يشمل كل شيء، علم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، سبحانه يعلم ما في السماء، وما في الأرض، وما في البحار، و﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر:١٩] يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ولا تواري عنه سماء سماءً، ولا أرض أرضًا، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، سبحانه جل في علاه وهو العليم الخبير، قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:٥٩].
2 / 7
معنى قول المصنف: جل عن الأشباه والأنداد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [(جل عن الأشباه والأنداد)]، فهذا من الميل والإلحاد في تصحيف الله جل في علاه أن يجعل له ندًا؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:٦٥].
فلا أحد يسامي أو يجاري الله جل في علاه في عظمته وكرمه وكماله وبهائه وقدرته سبحانه جل في علاه، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١ - ٤].
وقال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة:١٦٥] وفي الصحيحين عن ابن مسعود ﵁ وأرضاه أنه قال: (سألت رسول الله ﷺ: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك) فالندية هنا في الربوبية، وفي الحمد والشكر، لأن من لوازم الربوبية أنه الخالق والرازق والمدبر والآمر والناهي وغيرها، فالربوبية إذا اجتمعت مع الإلهية افترقتا، وإذا افترقتا فتكون الندية في الربوبية أو الإلهية، فهو جل عن الند والنظير سبحانه جل في علاه.
2 / 8
معنى قول المصنف: وتنزه عن الصاحبة والأولاد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتنزه عن الصاحبة والأولاد] أي: نفي عن الله أن يكون شبيهًا بالخلق؛ لأن المخلوق هو الذي يحتاج لغيره، فالرجل يحتاج إلى المرأة والمرأة تحتاج إلى الرجل، ومن قال أن لله صاحبة أو ولدًا فقد نزل الخالق منزلة المخلوق، فإن الله جل في علاه صمد أحد لم يلد ولم يولد، ولم تكن له صاحبة.
2 / 9
معنى قول المصنف ونفذ حكمه في جميع العباد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونفذ حكمه في جميع العباد] أي: أن الله تعالى قهر العباد بالعبادة له جل شأنه، فعبادة الربوبية لا يمكن لأحد أن يردها على الله؛ لأن العبادة عبادتان: عبادة اختيارية، وعبادة قهرية، والعبادة القهرية: هي عبادة الربوبية، كالمرض والموت وغيرهما، ونفذ حكمه في كل الخلق عندما يأمر بالنفخة الأولى فيموتون إلا ما شاء الله، وبالنفخة الثانية يبعثون من قبورهم إلى ربهم جل في علاه، لا يتخلف أحد عن ذلك.
2 / 10
معنى قول المصنف: لا تمثله العقول بالتفكير
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]].
وهذه العبارة مصداقها حديث النبي ﷺ: (لا تتفكروا في الله ولكن تفكروا في خلق الله) وهذا الحديث حسن كما قال بعض العلماء، فالله جل في علاه لا يصله الفكر.
ولذلك ورد في الآثار أن من الناس من كان يتكلم في صفات الله، فقيل له: صف لنا جبريل ومعه الأجنحة الثمانمائة أو الستمائة، فما استطاع، فقيل له: صف لنا ثلاثة أجنحة من أجنحة جبريل ونعفيك من باقي الأجنحة، فلم يستطع إلى ذلك سبيلًا، فقال: رجعت رجعت؛ لأنه لم يستطع أن يتفكر في كيفية صفة المخلوق فمن باب أولى ألا يتفكر في كيفية صفة الخالق الذي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] وهذه الآية فيها إثبات الصفات، قال تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] بلا تمثيل ولا تشبيه، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١].
2 / 11
وجوب إثبات صفات الله تعالى على الوجه اللائق به
قال المصنف رحمه الله تعالى: [له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:٥ - ٧]].
(الرحمن) اسم من أسماء الله ويتضمن صفة كمال وهي الرحمة.
وفي قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] الاستواء صفة من الصفات، وقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:٧] إثبات صفة العلم لله جل في علاه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى ﵇ من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل.
وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله، اتباعًا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله ﷾: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران:٧]].
فلابد للمسلم أن يعبد الله بالتسليم التام، فإن العبد لا يمدح بالعبودية التي هي أرقى مقامات يصل إليها الإنسان إلا بالتسليم الكامل لله، فإن الله مدح إبراهيم ﵇ بالتسليم الكامل حيث قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة:١٣١] أي: استسلمت وخضعت وآمنت لكل أمر من أوامر الله ولكل حكم من أحكامه، دون أدنى معارضة، وآمنت بآيات الصفات فأثبت لله ما أثبته لنفسه، ونفيت عنه ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله ﷺ.
كما قال الإمام الشافعي: آمنت بالله وبما جاء عن الله وعلى مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ﷺ.
2 / 12
معنى التشبيه والتمثيل
وقد ذكر المصنف عدم التعرض لآيات الصفات أو أحاديثها بالتأويل، أو التشبيه، أو التمثيل، والتمثيل: هو التشابه من كل وجه، أي: المطابقة، أما التشبيه: فهو التشابه في أغلب الصفة، كأن يقال: صفة اليد لله تشبه صفة المخلوق، حاشا لله من ذلك! فنؤمن بقول الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، فنقول: استوى ربنا على العرش، ونؤمن بهذا الاستواء ونعلم معناه، ولا نكيفه بكذا أو كذا، ولا نشبهه باستواء الخلق، لأن قولنا: استوى محمد على الكرسي بمعنى: جلس وعلا عليه، لكن استواء الله بمعنى: علا وارتفع واستقر، ولا نقول: جلس؛ لأن الحديث الذي ورد فيه أن الله علا وقعد أو علا وجلس، حديث باطل، لا تصح أي رواية من رواياته أن تنسب للنبي ﷺ.
فنقول: استواء الله لا يماثل استواء محمد من أكثر من وجه: الوجه الأول: أن استواء محمد على الكرسي يدل على أن محمدًا يحتاج للكرسي، فإذا سحبته منه وقع على الأرض، لكن العرش نفسه يحتاج إلى الله جل في علاه، وهذا من المفارقات.
الوجه الثاني: استواء محمد على الكرسي دلالة على نقص محمد، أما استواء الله جل وعلا على العرش فهو دلالة على كمال الله؛ لأنه يفعل ما يشاء وقت ما شاء.
فهذا إثبات صفة الاستواء دون تمثيل أو تشبيه.
2 / 13