73

Explanation of the Great Foundation in Means and Intercession

شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة

Türler

التعلق بالله وحده وعدم التطلع إلى سؤال غيره من أسباب دخول الجنة بغير حساب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، هو من أصح ما روي عنه، وفي المسند لـ أحمد أن أبا بكر الصديق ﵁ كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني ألا أسأل الناس شيئًا. وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك (أن النبي ﷺ بايع طائفة من أصحابه وأسر إليهم كلمة خفية: ألا تسألوا الناس شيئًا، قال عوف: فقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه). وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب)، وقال: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)، فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك]. على أي حال هذا الحديث كثيرًا ما يتكلم عنه الناس قديمًا وحديثًا ويخوضون في معنى: (لا يسترقون)، وهل من طلب الرقية يخرج من هذه الأوصاف، وكيف يكون عدم طلب الرقية؟ ولأهل العلم كلام غالبه وجيه؛ لكن من أوجه ما قرأت أن هذا الصنف من قوة توكلهم على الله ﷿ لا تتطلع نفوسهم إلى طلب الرقية، لا أنهم يتصبرون عن طلب الرقية، بل قوة تعلقهم بالله ﷿ وصلتهم به تجعلهم لا يتطلعون إلى طلب الرقية، فهم كلما أحسوا بالألم تعلقت قلوبهم بالله ورجوا من الله ﷿ أن يشفيهم ورقوا أنفسهم، ثم إنهم يعلمون أن الرقية حق وشفاء، فلا يحتاجون إلى أن يرقيهم غيرهم وهم يملكون أن يرقوا أنفسهم فيرقوا أنفسهم. ولذلك ينبغي تنبيه الناس على أن الرقية من الشخص لنفسه أنفع من أن يرقيه غيره، لكن قد يتخلف أثر الرقية لأسباب عارضة، وإلا فالإنسان المسلم مهما كان عنده شيء من التقصير والإعراض فإن رقيته لنفسه أفضل وأرجى من رقية غيره، ومن هذا الجانب كان هذا الصنف من السبعين ألفًا، فقد أدركوا أنهم لا يحتاجون إلى أن يطلبوا السبب من غيرهم والسبب معهم، إضافة إلى ما ذكرته من قوة اعتمادهم على الله ﷿ ومن قوة تعلقهم به، لا أنهم لا يستبيحون الرقية أو لا يجيزونها؛ لأنها مشروعة، وليس من الفضل للإنسان أن يحرم على نفسه المشروع، لكنهم بقوة توكلهم نسوا أنهم يحتاجون إلى الرقية من الغير. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روي فيه (ولا يرقون) وهو غلط، فإن رقياهم لغيرهم ولأنفسهم حسنة. وكان النبي ﷺ يرقي نفسه وغيره ولم يكن يسترقي، فإن رقيته نفسه وغيره من جنس الدعاء لنفسه ولغيره، وهذا مأمور به]. أيضًا هنا مسألة مهمة سمعت السؤال عنها أكثر من مرة، وهي أن بعض الناس يكون عنده شيء من التورع أو طلب هذه الخصلة، فلا يأذن لأحد بأن يرقيه، ولا أظن هذا واردًا؛ لأن الوارد أن الإنسان لا يطلب، لكن لو يسر الله له من يرقيه دون طلب منه فهذا فضل من الله ﷿ ينبغي ألا يرده؛ لأن النبي ﷺ رقاه جبريل، وكانت عائشة ﵂ تقرأ وتنفث في يديه كما كان يفعل حال صحته، وتمسح بهما جسمه ووجهه، فكان النبي ﷺ يرقيه غيره لكنه لم يطلب الرقية، وكذلك كثير من الصالحين الذين عرفناهم وسمعنا بهم كانوا لا يطلبون الرقية طلبًا لهذه المنزلة، وإذا رقاهم غيرهم لم يمنعوا ذلك، بل بعضهم يفرح؛ لأنها نعمة من الله ﷿ وهدية أسديت إليه.

9 / 5