Explanation of the Book on the Differences Between the Worship Practices of the People of Islam and Faith and the Worship Practices of the People of Polytheism and Hypocrisy by Ibn Taymiyyah - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح كتاب الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق لابن تيمية - محمد حسن عبد الغفار
Türler
عبادات أهل الإسلام والإيمان وأهل الشرك والنفاق - مقدمة كتاب قاعدة عظيمة في الفرق
شيخ الإسلام ابن تيمية من الأئمة الأفذاذ الذين منّ الله تعالى لهم على هذه الأمة، وقد ولد في عصر كان العالم أحوج ما يكون إلى فقهه وعلمه، وذلك لما جاء به من حمل راية التجديد ومحاربة ما يخالف الدين، وأعانه على ذلك قوة علمه وحصافة فهمه كما شهد له بذلك علماء عصره، ومن كتبه الجديرة بالعناية كتاب: قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق.
1 / 1
مقدمة تعريفية بشيخ الإسلام ابن تيمية
1 / 2
مولده ونشأته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا:-﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: الإخوة الكرام: نحن على موعد مع كتاب منهجي مهم جدًا، يتكلم فيه مؤلفه على التوسل المشروع والتوسل الممنوع، ويتكلم فيه عن زيارة القبور، ولكن لا بد لنا من مقدمة بين يدي هذا الكتاب.
واسم الكتاب: قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق، وهذا الكتاب هو من تأليف شيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم بن تيمية ﵀، وشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية توفي سنة سبعمائة وثمانية وعشرين.
إن ولادة الإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية تظهر حكمة الله جل في علاه، وتظهر أن الله جل في علاه ما شرع هذا الدين إلا ليحفظه مصداقًا لقوله جل في علاه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩].
فيوم مولد شيخ الإسلام هو يوم موت سلطان العلماء العز بن عبد السلام ففي سنة وفاته جعل الله تعالى شمس شيخ الإسلام تشرق على الدنيا.
أيضًا الإمام أبو حنيفة كان موته ينبئ بولادة الإمام الشافعي، فـ الشافعي ولد بعد موت الإمام أبي حنيفة، وهذا يدل على أن الله جل في علاه يحفظ دينه، فـ العز بن عبد السلام كان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية كانت كسيرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام حذو القذة بالقذة.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يجهر بالخير آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، سواء كان باللسان أوبالسنان، وولد بحران.
1 / 3
مكانته العلمية
كان ابن تيمية عالمًا نحريرًا، ولو قلتُ: إنه العلم الأوحد الفرد والبحر الذي لا ساحل له ما أبعدتُ، فهو نحرير في اللغة، نحرير في البلاغة، نحرير في الحديث، نحرير في الفقه، نحرير في الفلسفة، نحرير في العقيدة، وما من علم إلا وغاص فيه شيخ الإسلام ابن تيمية، كما قال عنه ابن القيم: إنه بحر لا ساحل له.
لقد كان الإمام ابن تيمية ينافح عن دين الله باللسان وبالسنان، وكان العلماء قاطبة يمدحون شيخ الإسلام، العدو منهم والحبيب.
إن الإمام ابن تيمية حفظ كتاب الله جل في علاه من الصغر، ثم بعد ذلك حفظ الصحيحين، ثم تعلم فقه الإمام أحمد بن حنبل، ثم قرأ فقه الإمام الشافعي، ويقال: إنه أخذ هذا العلم على الإمام النووي لكن يُرجع للتاريخ في هذا؛ لأن في هذه النسبة نظرًا.
وأخذ أيضًا فقه المالكية وفقه الأحناف، ولذلك قالوا: كان إذا ناظر شافعيًا تراه أعلم من هذا الشافعي بفقه الشافعي، وإذا ناظر المالكي كان أعلم بمذهب المالكية من المالكي، وكان شيخ الإسلام محررًا لمواطن النزاع، مرجحًا لأبواب الفقه والحديث.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية محدثًا حافظًا.
لقد كان العلماء يختلفون في علومهم فمنهم من يكون مشتغلًا بالفقه، ومنهم من يشتغل بالنحو، ومنهم من يشتغل بالحديث، أما شيخ الإسلام فاشتغل بكل هذه العلوم، وفاق العلماء في كل هذه العلوم.
1 / 4
شهادة العلماء له
دخل على شيخ الإسلام ابن تيمية علم من أعلام الأمة وكان هذا العلم مفخرة للمصريين في العصر المتأخر، وهو ابن دقيق العيد وكان ابن دقيق العيد عالمًا نحريرًا، وكان من العلماء في علم الحديث وعلم الفقه، كان مالكيًا، ثم بعد ذلك انتقل إلى الفقه الشافعي، فأتقن علم المالكية وعلم الشافعية، وكان هو القاضي في مصر، وكان أحمد بن طولون على مذهب الإمام مالك، وكان الإمام ابن دقيق العيد هو المستشار الوحيد له، وهو قاضي القضاة في مصر.
فسمع ابن دقيق العيد عن شيخ الإسلام ابن تيمية فرحل إليه إلى الشام، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شابًا يافعًا، فدخل ابن دقيق العيد على شيخ الإسلام ابن تيمية فسلم عليه وتكلم معه في مسألة علمية، فسكت ابن دقيق العيد وأخذ شيخ الإسلام يشرق ويغرب شمالًا وجنوبًا في الكلام على ما يخص هذه المسألة بكل الأدلة من الكتاب ومن السنة ومن النظر ومن الأثر، فلما سمع ابن دقيق العيد ذلك منه لم يرد عليه بشيء وبعد أن سلم عليه خرج من مجلسه، فقام الناس صفوفًا يسألون ابن دقيق العيد: هل رأيته؟ قال: رأيته.
قالوا: كلمته؟ قال: كلمته.
قالوا: ماذا تقول فيه؟ قال: أقول: لم ير مثل نفسه.
وهذه شهادة من ابن دقيق العيد لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وكفى فخرًا لـ شيخ الإسلام أن كل الطوائف من أهل البدع يستدلون به.
وكان الرجل كما يقول المؤرخون: لا يعرف الفرق بين الدرهم والدينار.
وكان كما قال ابن القيم: إذا نزلت بنا الملمات نزلنا على مجلس شيخ الإسلام فاطمأنت قلوبنا.
قالوا: وكنا ننظر إلى شيخ الإسلام فتطمئن قلوبنا.
فهذا الرجل كأن الله لم يخلقه لهذه الدنيا، إذ لا يعرف شيئًا عن هذه الدنيا، ولذلك ابتلي ابتلاء شديدًا ونزلت عليه النكبات تترا؛ لأنه كان ينافح عن دين الله جل في علاه.
والإمام الذهبي ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية قريبًا من ثلاثة أسطر، وذلك لأنه يقول: شيخ الإسلام ابن تيمية يغني عنه ترجمته.
وقد كان الذهبي يقول: إن الحديث الذي لا يعرفه شيخ الإسلام ليس بحديث، وهذا يدل على سعة علم الرجل واطلاعه، ولذلك قالوا: إنه في عصر ابن تيمية لم يحفظ أحد مسند أحمد إلا ابن تيمية.
والإمام ابن كثير يقول: رأيت في الدنيا ثلاثة: ابن تيمية وابن دقيق العيد والثالث المزي صاحب تحفة الأشراف، وكان المزي عالمًا نحريرًا في علم الرجال، قال ابن كثير: فدخلت عليهم، فرأيت أحفظهم لمتن رسول الله في الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية، ورأيت أعلمهم بالرجال المزي، ورأيت أفقههم في المتون ابن دقيق العيد.
وكان هذا في صغر سن شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن لما كبر سن شيخ الإسلام ابن تيمية واتسعت العلوم والفهوم عنده أصبح لا نظير له ولا ند له.
1 / 5
محنته وكراماته ووفاته
ابتلي شيخ الإسلام ابتلاء شديدًا، فأولًا: سجن، ثم بعد ذلك نفي، ثم بعد ذلك مات في سجنه، وكان يقول: ماذا يريد أعدائي مني؟ إن سجنوني فسجني خلوة بربي، وإن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة، لذلك حاروا فيه فاجتمعوا جميعًا وقال بعضهم: اقتلوه، وقال الثاني: لا، اقطعوا لسانه، وقال الثالث: عزروه.
فانظروا إلى كرامات شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه ما لبث بعدما قالوا ذلك كثيرًا إلا والذي قال: اقتلوه قد قتل، والذي قال: اقطعوا لسانه قد قطع لسانه، والذي قال عزروه قد عزر!! وهذه كرامة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
والكرامة الأعظم له حدثت عند موته، وذلك أنه نزل مصر -وهذه الرسالة تهتم بما قاله في مصر- ليبين لهم التوسل المشروع والتوسل الممنوع، والكلام على الأموات، والكلام على الحلف بغير الله، وشد الرحال للقبور، فأبطل هذه الأصول، فحسدوه، ثم سجنوه، ثم بعد ذلك عندما خرج من سجنه سجنوه في الشام حتى مات، وصدق فيه كلام الإمام أحمد حين قال: بيننا وبينهم الجنائز.
فقال ابن القيم وابن كثير: وأما جنازة ابن تيمية فكانت أعظم ما تكون، اجتمع فيها الرجال والشيوخ والأطفال والنساء والنصارى واليهود، أو قال: والنصارى.
فاجتمع هؤلاء جميعًا في جنازة ابن تيمية تكريمًا من الله له كما كرم الله قبله صحابة رسوله والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكانت وفاته في سنة (٧٢٨هـ) فرحمه الله رحمة واسعة.
1 / 6
مقدمة في قاعدة مهمة في العبادة
1 / 7
الفرق بين التوسل والاستغاثة بغير الله
إن هذا الكتاب العظيم يختص بتوحيد العبادات.
قبل أن أدخل على الكتاب أذكر قاعدةً مهمةً جدًا ألا وهي: إن كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.
وهذا قوام كل ما سنأتي عليه بالتفصيل، ومعنى (ثبت بالشرع) أي: بالكتاب أو السنة، وبالمثال يتضح المقال: قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر:٦٠] فقوله: (ادعوني) فيه دلالة على أن الدعاء عبادة صرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.
أولًا: نثبت أن الدعاء عبادة بالدليل، قال الله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، وقال النبي ﷺ: (الدعاء هو العبادة)، أو قال: (الدعاء مخ العبادة).
إذًا: لدينا حديثان وآية، الآية قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، والحديث: (الدعاء مخ العبادة) وهو حديث ضعيف، والحديث الصحيح هو: (الدعاء هو العبادة).
ونريد تطبيق القاعدة السابقة على عبادة الدعاء، والمثال: لو أن رجل نزلت به البلايا فاعتكف في المنبر ودعا ربه ﷿ فقد أتى بالتوحيد عملًا بقول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل:٦٢].
لكن هناك رجل ذهب إلى البدوي يدعوه مخاطبًا: فقال يا بدوي، أنت عند ربك الآن، وأنت ولي من أولياء الله الصالحين، وإن الكربة قد نزلت بي فأرجو أن تدعوَ الله لي أن يكشف عني هذه الكربة، وهذه كرامة لك؛ لأنك من أولياء الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فهل هذا الرجل الآن صرف العبادة لغير الله، أم لم يصرفها لغير الله؟ قبل الجواب نتذكر القاعدة وهي: أن كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.
نذكر مثالًا آخر ليتضح المقال أكثر: جاء رجل آخر إلى البدوي وقال له: يا بدوي! نزلت بي الكربة فاكشف عني هذه الكربة وأعطني.
فما هو الفرق بين المثال الأول والمثال الثاني؟
الجواب
إننا قلنا: إن العبادة إذا ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك، فالأول عندما قال للبدوي: يا بدوي! أنت قريب من ربك، ادع الله أن يكشف عني الكربة، فهو لم يدع البدوي، وهذه هي مسألة التوسل، وهي مسألة أخرى سنتكلم عنها، وواجب على طلبة العلم وغيرهم أن يعرفوا التفريق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر، وبين التوسل والاستغاثة والطلب، فالأول لما ذهب إليه وقال: ادع الله لي ففعله هذا توسل وليس بدعاء، فهو ما طلب منه أنه يجلب له الخير، أو يدفع عنه الضر، بل طلب من الله أن يدفع عنه الضر ويجلب له الخير، ولكن عن طريق دعاء هذا الولي، فيعتبر هذا توسلًا وليس من الاستغاثة وإن كان بينهما عموم وخصوص.
وفي الصورة الثانية: عندما قال الرجل: يا بدوي! اكشف عني الكربة، فقد صرف عبادة لغير الله، وهذه العبادة هي الدعاء.
1 / 8
الفرق بين الشرك في النذر والمعصية به
المثال الثاني: النذر عبادة، ومعروف مشهور بين العامة أنهم يقولون: نذرت للسيدة زينب شمعًا لنجاح ابنتي، فهل هذا يجوز أو لا؟ نرجع للقاعدة قبل أن نقول: يجوز أو لا يجوز، ونضبط المسألة أولًا ونقول: هل النذر عبادة أو لا؟
الجواب
النذر عبادة، الدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان:٧] ووجه الدلالة سنعرفه من خلال بيان تعريف العبادة، والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
وبعد هذا التعريف نقول: إن الله تعالى إذا مدح شيئًا فقد أحبه، وسياق آية النذر سياق مدح؛ لأن الله إذا مدح عباده بفعل شيء فقد دل ذلك على أن هذا الشيء عبادة؛ لأن الله يحبه وقد مدحه، فالله لا يمدح إلا ما يحب، وهذا هو وجه الدلالة استنباطًا.
أما التأصيل الصريح فهو في قول الله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ [مريم:٢٦]، ووجه الدلالة في ذلك هو إقرار الله لها على النذر، فدل ذلك على أنه عبادة.
وأيضًا في الآية الأخرى قال تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ [آل عمران:٣٥]، وهي نذرت هنا للمسجد، وهذا فيه دلالة على أن النذر عبادة، فإذًا: النذر عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.
مثال آخر: رجل قال: إن ابني مريض فإن شفي الله ابني فسأتصدق بألف درهم.
والثاني قال: إن ابني إن نجح لأذبحن عند البدوي ذبيحة وأفرقها على الفقراء.
والثالث قال: إن أتى أبي ورأيته بعيني، فامرأتي طالق.
فالصحيح في ذلك أن نقول: إن النذر الأول توحيد؛ لأنه عبادة صرفه لله جل في علاه.
والنذر الثاني فيه توحيد وفيه شرك، والنبي ﷺ بين أن الذبح في مكان يعبد فيه غير الله جل في علاه منهي عنه، ولما رأى رجلًا يذبح إبلًا ببوانة نهاه ﷺ عن ذلك؛ لأنه قد كان فيها صنم يعبد، وإنما نهاه لأنه ذريعة للشرك ولا يقال له: شرك؛ لأنه لم يصرف عبادة لغير الله جل في علاه، بل هو نذر أن يذبح لله، فإذا نذر أن يذبح لله فهو توحيد لله وليس شركًا، لكنه وقع في منهي عنه وهو أنه ذبح في مكان يعبد فيه غير الله جل في علاه.
وأما الثالث فهو نذر ينزل منزلة اليمين المعلقة، على قول الجمهور، وأما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية فينظر في نيته: إن كانت نيته تهديدًا فلا تطلق زوجته، وإن كانت نيته الطلاق فتطلق امرأته.
ختامًا لهذه المسألة نقول: إن العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
قال ابن القيم: وتدور رحى العبادة على خمسة عشر أمرًا، وذلك أن المكلف يتكون من لسان وقلب وجوارح، وأحكام الشرع التكليفية خمسة: واجب، ومستحب، ومباح، ومكروه، ومحرم.
فيتعلق بكل عضو من الأعضاء سواء القلب أو اللسان أو الجوارح خمسة أحكام.
فالحاصل من ضرب ثلاثة أعضاء في خمسة أحكام يساوي خمسة عشر أمرًا.
فيجب على القلب التصديق، وهو قول القلب، ويجب عليه التوكل والإنابة والخوف والرجاء فكل ذلك من واجبات القلب، أما واجب اللسان فهو قول لا إله إلا الله، فلن يدخل أحد الإسلام إلا بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وأما واجبات الجوارح فالصلاة والجهاد وغيرها، فالثلاثة الأعضاء لكل عضو منها خمسة أحكام، فتكون الجملة خمسة عشر أمرًا كما قال الإمام ابن القيم.
وللعبادة ركنان: غاية الذل مع غاية المحبة.
وشروط العبادة: الإخلاص ومتابعة النبي ﷺ.
والعبادة عبادتان: عبادة عامة وعبادة خاصة.
أو: عبادة القهر: وهي عبادة الربوبية.
وعبادة الاختيار: وهي عبادة الإلهية، إذًا العبادة عبادتان: عبادة عامة ويدخل فيها المؤمن والكافر والمشرك، وعبادة خاصة وهي لا تكون إلا من المؤمن وهي العبادة الاختيارية.
فعبادة القهر هي عبادة الربوبية التي قال الله عنها: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم:٩٣] فسواء كنت طويلًا أو قصيرًا، أو أبيض أو أسمر، إذا أراد الله أن يقدر عليك المرض فلا تستطيع أن ترد هذا القدر، بل أنت فيه عبد لله رغم أنفك، قال الله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [آل عمران:٨٣]، فهذه هي عبادة القهر.
والعبادة الثانية خاصة بالمؤمنين: وهي عبادة الإلهية التي قال الله فيها: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء:٢٣]، فهل كل الناس عبدوا الله جل في علاه؟ لا، بل منهم من عبد ومنهم من لم يعبد الله جل في علاه، فهذه هي العبادة الاختيارية.
1 / 9
عبادات أهل الإسلام والإيمان وأهل الشرك والنفاق - العبادة وأصناف الناس فيها
إن العبادة لا تكون إلا لله جل وعلا، فما ثبت في الشرع أنه عبادة فصرفه لله توحيد وصرفه لغير الله شرك، وذلك كالنذر والدعاء، لكن ينبغي التفريق بين دعاء غير الله والتوسل في الدعاء.
وأصناف الناس تجاه العبادة ثلاثة: المؤمنون والكافرون والمنافقون، فالمؤمنون: هم الذين حققوا عبوديتهم لله تعالى مع غاية الذل والمحبة، والكافرون: هم الذين عبدوا غير الله تعالى وأشركوا معه بعض مخلوقاته، والمنافقون: هم أهل الأهواء والضلال، عبدوا الله تعالى بغير التوحيد، واتبعوا أهواءهم، وقدموا العقل على النقل.
2 / 1
العبادة
2 / 2
الفرق بين العبادة والشرك
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: القاعدة العظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان، وعبادات أهل الشرك والنفاق هي: كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، مثال ذلك الطواف.
2 / 3
تعريف العبادة وأركانها
العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
ولها ركنان، وهما: غاية الذل مع غاية الحب.
ولابد من اقتران الحب مع الذل؛ لأنه لو اختل ركن من الركنين لم تكن عبادة، فالذي يتعبد الله بالذل أو بالقهر دون المحبة، فإنه سيكون حروريًا يقنط من رحمة الله.
مثال ذلك: الخوارج فقد قنطوا عباد الله من رحمة الله، فقالوا: فاعل الكبيرة كافر يخرج من الملة، فمن شرب الخمر فإنه خالد مخلد في نار جهنم والعياذ بالله! فهؤلاء الخوارج تعبدوا لله بالذل فقط.
والطرف الآخر: وهم المرجئة تعبدوا لله بالمحبة فقط، فصار عندهم غلو في الرجاء فلا يهتمون بأوامر الله، ولا يرجون لله وقارًا ولا تعظيمًا، فمن تعبد لله بالذل فإنه لا يكون محبًا لله، ومن تعبد لله بالحب دون الذل فإنه لا يكون معظمًا لله جل في علاه.
وفي بني البشر يمكن للإنسان أن يذل للإنسان وهو لا يحبه، كأن يكون مقهورًا له، أو يكون عليه دين له، فيكون المذل أبغض الناس إليه، فهذا الذل لغير الله.
ويمكن للإنسان أن يحب إنسانًا، ولا يكون له ذليلًا، بل يكون فوقه ومتكبرًا عليه، فغاية الذل مع غاية المحبة لا تكون مجتمعة إلا لله.
2 / 4
أقسام الناس تجاه العبادة
والناس على أقسام ثلاثة: مؤمنون خلص، وكافرون خلص، وبين بين وهم منافقون خلص.
وقد بينها شيخ الإسلام فقال: أهل التوحيد والإيمان.
وأهل الشرك والإلحاد.
وأهل البدعة والضلالة.
2 / 5
تعريف أهل التوحيد والإيمان
فأهل التوحيد والإيمان هم الذين عبدوا الله بالتوحيد الكامل، فلم يشركوا معه غيره، وعبدوه بما شرع، كما بين الله جل في علاه أنه ما خلق الخلق إلا لعبادته، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦].
وما أرسل رسولًا إلا وبين أن الحكمة العظيمة والجسيمة لإرسالهم هي التوحيد، قال الله تعالى مبينًا لنا قول كل رسول بعثه إلى قومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٥٩].
وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦].
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة:٢٥٦].
وقد قال الله تعالى على لسان عيسى بن مريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران:٥١].
وعلى لسان نوح ﵇: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [نوح:١ - ٣] فيعبدون الله أي: يوحدونه بما شرع على ألسنة رسله صلوات الله وسلامه عليهم، فكل رسول كان على الإسلام.
2 / 6
تعريف الإسلام
والإسلام معناه: التوحيد الخالص.
أي: أن توحد الله جل في علاه ولا تشرك به شيئًا، كما قال الله تعالى لإبراهيم ﵇: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ﴾ [البقرة:١٣١] أي: استسلمت ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة:١٣١].
وقال تعالى حاكيًا عن يوسف: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:١٠١].
وعن نوح ﵇: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس:٧٢].
وقال إسماعيل وإبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً﴾ [البقرة:١٢٨].
وقال سحرة فرعون: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف:١٢٦].
وقال جل وعلا: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة:٤٤].
وقال جل في علاه عن بلقيس عندما أسلمت مع سليمان: ﴿رب إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل:٤٤].
وقال عن أتباع المسيح ﵇: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة:١١١].
وقال جل في علاه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٨ - ١٩].
فما من نبي إلا وهو على الإسلام، ولكن اختلفت الشرائع، فكل الأديان دين واحد، وليست أديانًا متعددة، بل كلها دين سماوي واحد وهو الإسلام، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٩] فموسى ويوسف وعيسى ونوح وإبراهيم وشعيب وصالح وآدم كانوا على الإسلام.
فالإسلام معناه: توحيد الله جل في علاه، والاختلاف بين الأديان كان في الشرائع، قال الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:٤٨] وصح عن نبينا ﷺ أنه قال: (الأنبياء إخوة لعلات) أي: إخوة من أب واحد، والأمهات شتى، مثال ذلك: الرجل الذي تزوج بأربع نساء فخلف من كل واحدة منهن أولادًا، فالأولاد يسمون إخوة لعلات، لأن أمهاتهم شتى، وأباهم واحد، قال النبي ﷺ: (الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وشرائعهم شتى).
وهذا ظاهر جلي لمن تفحص في شرائع الذين سبقونا، فمثلًا: في شريعة التوراة أو الشريعة اليهودية إذا وقعت النجاسة على ثوب واحد منهم فتطهيرها بأن يقص ذلك الجزء من الثوب الذي وقعت فيه النجاسة.
أما في ديننا وشريعتنا: إذا وقعت النجاسة فإنه يطهرها بالماء.
وأيضًا: في شريعتنا أن الزاني المحصن حده الرجم حتى الموت، لكن في التوراة المحرفة حده الجلد والتحميم.
وكذلك في شريعتنا: حل الغنائم للمجاهدين الذين يذبون عن الإسلام، وعن أهل الإسلام، فعندما يغنمون الغنائم فإنهم يأكلونها هنيئًا مريئًا، لقول النبي ﷺ: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي) وكان في شريعتهم أن الغنيمة تؤخذ كلها فتوضع قربانًا فتنزل نار من السماء فتأخذها، ولذلك فإن بعضهم سرق شيئًا من الذهب فلم تقبل، فقال نبيهم: فيكم الغلول، فصافح مقدم كل قبيلة حتى لصقت يد واحد منهم فأخرجه من قومه، فجاءت نار من السماء فأكلتها.
فالغنيمة في الشرائع التي سبقت لم تكن حلالًا، وفي شريعتنا حلت، فهذا مصداق لقول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:٤٨].
إذًا: دين الأنبياء واحد وهو الإسلام، لكن الشرائع مختلفة، فهؤلاء هم الموحدون الخلص أو المؤمنون الخلص.
2 / 7
تعريف أهل الكفر
الصنف الثاني: الكافرون الخلص: وهم عباد الأصنام الذين يشركون مع الله غيره في العبادة.
فمنهم من عبد البقر، ومنهم من عبد البشر، ومنهم من عبد الأصنام، فهؤلاء عبدوا الله لا على التوحيد، ولا بما شرع الله جل في علاه، كما قال الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة:٣١].
وأيضًا: قال الله فيهم على لسانهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:٣] وكذبهم الله في ذلك وبين أنها لا تملك شيئًا مع الله.
2 / 8
تعريف أهل النفاق
أما الصنف الثالث: فهم بين بين، وهم أهل الأهواء والضلال، أو أهل النفاق.
وهم الذين يعبدون الله بغير التوحيد، لأنهم أدخلوا هواهم في التوحيد، فكلما هووا شيئًا عملوه، قال الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان:٤٣].
وأيضًا: قدموا العقل على النقل، فما عبدوا الله بالتوحيد الخالص، وما اتبعوا رسول الله الاتباع الخالص فلو خالف العقل النقل قدموا العقل على النقل.
وقد ذمهم الله جل في علاه، وذمهم رسوله ﷺ، وصدق فيهم قول الله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف:١٠٦].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
2 / 9
عبادات أهل الإسلام والإيمان وأهل الشرك والنفاق - التوسل [١]
الدعاء عبادة لله تعالى فلا يجوز صرفها لغيره، ويشرع للداعي أن يقدم بين يدي دعائه وسيلة تكون سببًا لإجابة دعائه، ولكن يجب أن تكون هذه الوسيلة مشروعة، ومن الوسائل المشروعة التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتوسل بالأعمال الصالحة، وبدعاء الأحياء أو حال الداعي.
3 / 1
تعريف التوسل
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: التوسل في اللغة هو: الشيء الموصل للغرض المقصود.
والتوسل عمومًا في الشرع هو: الوسيلة أو الطريقة المتخذة للوصول إلى رضا الله وجناته.
وأما خصوصًا فهو: اتخاذ الوسيلة بين يدي الدعاء للاستجابة.
والتوسل عبادة، قال تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة:٣٥].
قوله: (ابتغوا) أمر من الله بابتغاء الوسيلة، والله ﷿ لا يأمر إلا بما يحب، إذًا: فالوسيلة يحبها الله ﷿، فإذا كان الله ﷿ يحبها فهي داخلة تحت مسمى (العبادة)، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر:٦٠] فسمى الدعاء عبادة، ولازم الدعاء اتخاذ الوسيلة بين يدي هذا الدعاء، ولازم الشيء يأخذ اسمه وحكمه.
إذًا: إن كانت الوسيلة عبادة، فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، ومن هذا المنطلق فالتوسل على نوعين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع.
3 / 2