Explanation of Tafsir Ibn Kathir - Al-Rajhi
شرح تفسير ابن كثير - الراجحي
Türler
ـ[شرح تفسير ابن كثير]ـ
المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
[الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - ١١٦ درسا]
Bilinmeyen sayfa
مقدمة تفسير ابن كثير [١]
يعد تفسير ابن كثير من أشهر التفاسير المشهورة والمتداولة بين طلبة العلم والعوام، حيث قام ﵀ بتفسير القرآن بالقرآن وبالسنة وبما جاء عن السلف، وهذا هو المنهج الذي يجب على كل من يفسر القرآن أن ينتهجه.
1 / 1
نبذة مختصرة عن تفسير ابن كثير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إن تفسير الحافظ ابن كثير رحمة الله عليه تفسير عظيم ومن أحسن التفاسير وأمثلها، وتفسيره يتمشى مع منهج أهل السنة والجماعة في آيات الصفات، وهو تلخيص لتفسير الإمام ابن جرير رحمة الله عليه شيخ المفسرين، والحافظ ابن كثير كان يتعقب اختيارات ابن جرير المرجوحة، ويختار القول الراجح، واختيار الحافظ ابن كثير في الغالب موفق ومسدد.
وينقل كثيرًا عن الحافظ العابد العالم أبو عبد الرحمن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وينقل أيضًا عن الحافظ ابن مردويه وعن السدي الكبير وهو ثقة، أما السدي الصغير فهو كذاب لا يعتمد عليه، والسدي الكبير دائمًا ما يروي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن عروة عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي ﷺ.
وذكر الحافظ ابن كثير رحمة الله عليه في مقدمة هذا التفسير أن أحسن طريقة يسير عليها المفسر هي أن يفسر القرآن بالقرآن، فالآيات المجملة تفسر بالآيات المفصلة، وهكذا، أيضًا بأحاديث رسول الله ﷺ، فالأحاديث المجملة تفسر بالأحاديث المفسرة، وهكذا، أيضًا بكلام أهل العلم، فحين يأتي كلام مجمل لبعض أهل العلم ويأتي قول آخر مفصل، فيفسر المجمل بالمفصل، هذه هي الطريقة التي ينبغي أن يسلكها المفسر عندما يفسر كتاب الله، وقد ألف العلامة الشنقيطي رحمة الله عليه كتاب (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) وهو مبني على هذه الطريقة وهي تفسير القرآن بالقرآن.
ثم بعد ذلك تفسير القرآن بالسنة النبوية؛ فإن السنة شارحة للقرآن وموضحة له، والسنة مع القرآن لها أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أن تأتي مفسرة وموضحة لما أجمل في القرآن الكريم.
الحالة الثانية: تأتي مقيدة لما أطلق في القرآن الكريم ومفصلة لما أجمل.
والحالة الثالثة: تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن العزيز، كتحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، فإذا لم يجد المفسر تفسير الآية بالقرآن الكريم رجع إلى السنة المطهرة، فإذا لم يجد في السنة المطهرة رجع إلى أقوال الصحابة، فإن الصحابة أعلم الناس بكتاب الله؛ لأنهم عايشوا التنزيل، وكانوا يسألون النبي ﷺ عما أشكل عليهم، فإذا لم يجد فبعض المفسرين يرجع إلى أقوال كبار التابعين؛ كالإمام مجاهد بن جبر فإنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات يوقفه عند كل آية ويسأله عنها، وكذلك أيضًا مما ينبغي للمفسر معرفته علوم اللغة العربية؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب وبلسان عربي مبين.
1 / 2
مقدمة ابن كثير لتفسيره
قال الشيخ الإمام الأوحد البارع الحافظ المتقي عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن الخطيب أبي حفص عمر بن كثير الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه: [الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة:٢ - ٤]، وقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف:١ - ٥]، وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:١]، واختتمه بالحمد فقال بعد ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار: ﴿وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر:٧٥]، ولهذا قال تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:٧٠]، كما قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [سبأ:١] فله الحمد في الأولى والآخرة، أي: في جميع ما خلق وما هو خالق، هو المحمود في ذلك كله كما يقول المصلي: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ولهذا يلهم أهل الجنة تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس، أي: يسبحونه ويحمدونه عدد أنفاسهم؛ لما يرون من عظيم نعمه عليهم وكمال قدرته وعظيم سلطانه وتوالي مننه ودوام إحسانه إليهم].
يعني: أن الله تعالى هو المستحق لأنواع المحامد كلها، ملكًا واستحقاقًا، وهو ﷾ المحمود في فواتح الأمور وخواتمها، ولهذا افتتح كتابه العزيز بالحمد فقال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:٢]، وقال سبحانه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف:١]، وافتتح خلقه بالحمد فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [الأنعام:١]، وختم ذلك أيضًا إذا دخل أهل الجنة الجنة: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الأعراف:٤٣] ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر:٧٥]، وهو محمود على كل حال ﷾ محمود على السراء والضراء، وعلى المحبوب والمكروه، حتى أهل النار في دخولهم النار يحمدون الله على ذلك؛ لما ظهر لهم من عدل الله ﷾؛ لأن أحكام الله دائرة بين العدل والفضل، فأهل الجنة في فضله وأهل النار في عدله ﷾، وهو محمود على كل حال، وأهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس ويكون جزءًا من حياتهم يتنعمون به ليس فيه مشقة ولا تكريب، وإنما هو نعيم يتنعمون به وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه بهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس:٩ - ١٠].
والحمد لله الذي أرسل رسله ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء:١٦٥]، وختمهم بالنبي الأمي العربي المكي الهادي لأوضح السبل، أرسله إلى جميع خلقه من الإنس والجن من لدن بعثته إلى قيام الساعة، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:١٥٨]، وقال تعالى: ﴿لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:١٩]، فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم وأسود وأحمر وإنس وجان فهو نذير له، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود:١٧]، فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنص القرآن، كما قال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم:٤٤]، وقال رسول الله ﷺ: (بعثت إلى الأحمر والأسود)، قال مجاهد: يعني: الإنس والجن].
قلت: لقد أخذ بعض العلماء من هذه الآيات أنه لا يعذر أحد بعد بعثة الرسول ﷺ وبعد نزول القرآن، ولا يكون حكمه حكم أهل الفترة؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:١٩] أي: هذا القول فيه نذارة لكل من بلغه، وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:١٥]، فمن بلغه القرآن وبلغه رسالة الرسول ﷺ فقد قامت عليه الحجة وليس له عذر، ولاسيما في الأمور الواضحة، كالعبادة التي خلق الله الخلق من أجلها، والتوحيد الذي من أجله بعث الله رسله وأنزل كتبه، فلا عذر للمشرك في كونه يذبح لغير الله وينذر لغير الله أو يستغيث بغير الله أو يطوف بغير بيت الله، أو يطلب المدد من غير الله وهو بين المسلمين، وقد بلغه القرآن وبلغته رسالة النبي ﷺ، ولهذا قال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:١٩]، وقال: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:١٥]، أما من لم تبلغه الدعوة ولم يبلغه القرآن وكان لا يتكلم بالعربية ولم يسمع شيئًا عن القرآن فهذا حكمه حكم أهل الفترة حتى تقام عليه الحجة.
1 / 3
واجب المسلمين تجاه كتاب الله تعالى
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهو صلوات الله وسلامه عليه رسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن مبلغًا لهم عن الله تعالى ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقد أعلمهم فيه عن الله تعالى أنه ندبهم إلى فهمه، فقال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [ص:٢٩]، وقال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد:٢٤].
فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران:١٨٧]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران:٧٧].
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله المنزل عليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون- أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه وفهمه وتفهيمه، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد:١٦ - ١٧].
ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل، وهو المسئول أن يفعل بنا هذا إنه جواد كريم].
1 / 4
أحسن طرق تفسير القرآن العظيم
1 / 5
تفسير القرآن بالقرآن ثم بالسنة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى: كل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء:١٠٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل:٦٤]، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل:٤٤]، ولهذا قال رسول الله ﷺ: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة، والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك].
السنة وحي من الله، والسنة نوعان: النوع الأول: الأحاديث القدسية التي يضيفها النبي ﷺ إلى ربه ويقول فيها: (قال الله)، فهذا من كلام الله لفظًا ومعنى كالقرآن، فالقرآن كلام الله لفظًا ومعنى خلافًا للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس، وخلافًا للمعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق.
وهذا كفر وضلال، ولهذا كفر الأئمة والعلماء من قال: القرآن مخلوق، وتكفيرهم لقائل ذلك هو على وجه العموم، أما الشخص المعين فلابد من أن تقوم عليه الحجة، فمن قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر.
والأشاعرة يقولون: القرآن كلام الله، وكلام الله معنى قائم بنفسه ليس بحرف ولا صوت، أما الحروف والأصوات فهي مخلوقة، وليس في المصحف شيء من كلام الله؛ لأن كلام الله معنى قائم بنفسه، وما في المصحف هو عبارة عن كلام الله، وهذا الذي ذهب إليه الأشاعرة يوافق المعتزلة في نصف مذهبهم؛ لأن المعتزلة يقولون: القرآن لفظه ومعناه مخلوق، والأشاعرة يقولون: لفظه مخلوق ومعناه قائم بنفسه تعالى ليس بمخلوق، وهذا من أبطل الباطل، فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه، فيجب على كل مسلم أن يعتني بهذا القرآن العظيم، فإنه سعادة الأمة وفلاحها ونجاحها.
فالنوع الأول من السنة هو الأحاديث القدسية التي يقول فيها النبي ﷺ: (قال الله)، كحديث أبي ذر عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) فهذا كلام الله لفظه ومعناه وهو كالقرآن، إلا أنه يختلف عن القرآن في الأحكام، فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، والقرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ، والقرآن معجز في لفظه ومعناه، والحديث القدسي ليس كذلك.
والنوع الثاني: الأحاديث النبوية التي ليست قدسية، وهذه الأحاديث معناها وحي من الله تعالى، ولفظها من النبي ﷺ، ولهذا تنسب إلى الرسول، مثل قول الرسول ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ومعناها من الله؛ لأنها وحي ثان، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣ - ٤].
وما ذكره بعض مؤلفي كتب علوم القرآن كـ السيوطي في الإتقان وغيره من أن الحديث القدسي لفظه من النبي ﷺ ومعناه من الله فإنه خطأ يتمشى على مذهب الأشاعرة، والسيوطي ﵀ ليس عنده تحقيق في هذا، فهذا قد يشكل على بعض الطلبة إذا وجده في الإتقان لليسوطي وفي غيره من كتب أصول التفسير، فمن وجد ذلك فليعلم أن هذا يتمشى على مذهب الأشاعرة، والصواب أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله كالقرآن، إلا أن الأحكام تختلف كما تقدم.
وما قاله النبي ﷺ في شئون الحياة العادية لا يعتبر من الوحي، كأن ينزل في المكان الفلاني، ويبول في المكان الفلاني، ويجلس في المكان الفلاني، ونحو ذلك، فالصواب في هذه المسألة أن هذه من الأمور العادية، ولا يشرع الاقتداء به فيها، وقد كان ابن عمر ﵄ يتتبع الأماكن التي يتنزل فيها النبي ﷺ اجتهادًا منه، فكان ينزل في المكان الذي كان ينزل فيه النبي ﷺ، وقد ذكر البخاري شيئًا من هذا، فقال: كان ابن عمر يتتبع أماكن كثيرة.
ولكنه خالف في هذا كبار الصحابة كـ الصديق وعمر وغيرهم؛ فإنهم لم يتتبعوا النبي ﷺ في هذه الأماكن، ولهذا لما رأى عمر ﵁ قومًا يأتوا إلى الشجرة التي بايع عندها النبي ﷺ أصحابه أمر بقطعها.
والمقصود أن الأمور العادية التي كان يفعلها النبي ﷺ على سبيل العادة ليست من التشريع.
وأما ما كان يفعله مع زوجاته ﷺ فإنه ينظر فيه، فإن كان على سبيل التشريع فإنه يقتدى به فيه، مثل معاملته لزوجاته ونحو ذلك، ومثله ما كان يفعله في البيت من الطهارة والغسل ونحو ذلك مما نقله إلينا أزواجه ﷺ.
وكلام الله في القرآن يتفاضل، هذا هو الصواب، فسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تعدل ثلث القرآن، وآية الكرسي أفضل آية في كتاب الله، والفاتحة أفضل سورة في كتاب الله، فكلام الله يتفاضل، وبعضه أفضل من بعض، وإذا كان القرآن كلام الله يتفاضل فالحديث القدسي كذلك يتفاضل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة].
فأول طريقة من طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن.
1 / 6
تفسير القرآن بأقوال الصحابة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله ﷺ لـ معاذ حين بعثه إلى اليمن: (فبم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله ﷺ في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله).
وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه].
هذا الحديث سنده جيد كما ذكر المؤلف ﵀، وجود سنده كذلك شيخ الإسلام وابن القيم، وفيه أن الإنسان يعمل بكتاب الله، فإن لم يجد فإنه يعمل بالسنة، فإن لم يجد فإنه يجتهد، ولما بعث النبي ﷺ معاذًا قال له: (بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي) أما نحن فإننا إذا بحثنا ولم نجد في السنة دليلًا فإننا نأخذ بأقوال الصحابة إذا لم تتعارض، فقول الصحابي إذا لم يعارضه قول صحابي آخر يؤخذ به، فإن عارضه قول صحابي آخر تساقطا، فحينئذٍ يرجع إلى أصول الشريعة وقواعدها.
1 / 7
ذكر بعض أئمة التفسير من الصحابة
1 / 8
عبد الله بن مسعود ﵁
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لاسيما علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين وعبد الله بن مسعود ﵃.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود -: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته].
هذا من حرص الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العلم، فـ عبد الله بن مسعود ﵁ يحلف أنه ما من آية إلا وهو يعلم أين نزلت وفيم نزلت وفيمن نزلت، يقول: ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه حتى أتعلم منه وأستفيد منه.
وجابر بن عبد الله -كما ذكر البخاري في صحيحه- رحل إلى عبد الله بن أنيس من المدينة إلى الشام في طلب حديث واحد، واشترى لهذه المهمة بعيرًا، وكانت المسافة شهرًا كاملًا.
فهذا هو حرص الصحابة الكرام، ولهذا بلغوا تلك المنزلة، فـ جابر يشتري لهذه المهمة بعيرًا مع قلة ذات اليد، والآن الكتب كلها موجودة، والصحاح والسنن كلها مدونة، والحمد لله، وكل شيء الآن متوفر، والمهم هو الحرص والعناية والتفهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الأعمش -أيضًا- عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئونا أنهم كانوا يستقرئون من النبي ﷺ، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا].
وبهذا فضلوا على من بعدهم، فتعلموا العلم والعمل جميعًا، ونحن الآن ينقصنا العمل والتطبيق.
1 / 9
ابن عباس ترجمان القرآن
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله ﷺ وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله ﷺ له حيث قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم قال عبد الله -يعني ابن مسعود -: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
ثم رواه عن يحيى بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس].
مسلم بن صبيح هو غير الربيع بن صبيح.
ومسلم بن صبيح يروي عن أبي الضحى، وأبو الضحى يروي عن مسروق عن ابن مسعود، وفي بعض الطرق: (عن أبي الضحى عن ابن مسعود) وهذا إسناد منقطع؛ لأن أبا الضحى لم يسمع من ابن مسعود، بل بينهما واسطة.
وقوله: [نعم الترجمان للقرآن ابن عباس] هذه شهادة من ابن مسعود لـ ابن عباس ﵄.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك، فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة، وقد مات ابن مسعود ﵁ في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده عبد الله بن عباس ستًا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟!].
يعني: إذا كان ابن مسعود شهد لـ ابن عباس بقوله: [نعم ترجمان القرآن ابن عباس] في حياته ثم توفي وعاش بعده ابن عباس ستًا وثلاثين عامًا وهو يتعلم ويجتهد فكيف سيكون علمه؟! وقد كان عند النبي ﷺ وهو صغير، لكنه كان حريصًا على العلم، وقد أخذ من الصحابة، وكان له زميل من الأنصار في أول الطلب، فقال زميله من الأنصار: يا ابن عباس! تظن الناس يحتاجون إلينا! فتركه ابن عباس وانصرف الأنصاري، وقال: الناس ليسوا بحاجة إلينا، والصحابة كثيرون.
فشمر ابن عباس في طلب العلم، فكان يأتي إلى الصحابة في بيوتهم، وكان إذا بلغه حديث عن بعض الصحابة أو أراد أن يأخذ العلم منه أتى إلى بابه، ثم توسد ذراعه ونام تحت الباب حتى يخرج، فإذا خرج قال: ما لك يا ابن عم رسول الله؟ ألا أخبرتني؟ ألا طرقت علي فأخرج؟ وما زال يجتهد ويحرص ويجد ويجتهد ويستغل الوقت في الأخذ عن الصحابة حتى بلغ شأنًا عظيمًا في العلم، ومات كثير من الصحابة وبقي، فصار مرجع الناس في العلم، وصار الناس يأتون إليه من كل مكان، وكان يجلس للناس بعد صلاة الفجر، فيأتيه أهل التفسير، ثم يأتيه أهل الحديث، ثم يأتيه أهل اللغة، ثم يأتيه جميع أصحاب الفنون حتى يرتفع الضحى، وذلك الأنصاري الذي تركه لم يكن عنده شيء من العلم، فلما رأى حال ابن عباس ورأى ما أوتي من العلم ومجيء الناس إليه قال لبعض أصحابه: هذا أعقل مني يعني ابن عباس؛ لأنه بقي في طلب العلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة -وفي رواية سورة النور- ففسرها تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا، ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود وابن عباس].
السدي الكبير ثقة يروي عن ابن عباس وعن ابن مسعود، فهو يروي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس، ويروي عن عروة عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي ﷺ، هذا هو سند السدي الكبير.
وقوله: [استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم] أي: جعل ابن عباس أميرًا على الحج في خلافته.
1 / 10
أقسام أحاديث أهل الكتاب وحكم نقلها عنهم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله ﷺ حيث قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو].
هذا فيما يروى عن بني إسرائيل مما لم يخالف الكتاب والسنة؛ لأن أقوال بني إسرائيل على ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون الخبر عن بني إسرائيل يخالف ما جاء في القرآن العزيز والسنة المطهرة، فهذا باطل مردود.
الحالة الثانية: أن يكون موافقًا لما جاء في الكتاب والسنة، وهذا مقبول.
الحالة الثالثة: أن يكون ذلك الخبر لم يأت في القرآن ولا في السنة ما يخالفه ولا ما يوافقه، وهذا هو الذي يحدث به ولا يصدق ولا يكذب، وهو المقصود في قوله ﷺ: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا كان عبد الله بن عمرو ﵄ يوم اليرموك قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك].
يعني: من الأشياء التي لم تخالف النصوص على حسب اجتهاده، فقد وجد زاملتين من كتب أهل الكتاب في الشام، وكانت تابعة لأهل الكتاب، فوجد الزاملتين فجعل يحدث منهما عنهم، ولهذا فإن أحاديث عبد الله بن عمرو كثير منها عن بني إسرائيل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى].
ومثله -أيضًا- الشجرة التي أكل منها آدم، فكل هذا لا يترتب عليه فائدة، وإنما العبرة في معرفة أن آدم أكل من الشجرة، أما أن الشجرة هي شجرة كذا أو شجرة كذا فلا فائدة في ذلك، وكذلك كون أهل الكهف كان لون كلبهم أحمر أو غير ذلك، وأن اسم فلان منهم كذا واسم فلان كذا كل ذلك لا عبرة فيه، فالعبرة بالقصة التي حصلت، أما معرفة الأسماء، ومعرفة لون الكلب، ومعرفة عصا موسى من أي الشجر هي، ومعرفة الشجرة التي أكل منها آدم ﵇، كل هذا لا يترتب عليه شيء، وما وجد من مثل هذا فهو من أخبار بني إسرائيل التي لا تصدق ولا تكذب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم].
ولو كان فيه فائدة تعود علينا في ديننا أو دنيانا لبينه الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف:٢٢]].
هذا الكلام يعود إلى علماء أهل الكتاب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف:٢٢]، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلًا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فقال في مثل هذا: «قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ»، فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه، فلهذا قال: «فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا» أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف].
إن الله تعالى ذكر الخلاف في عدة أصحاب الكهف فقال: «سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» فالقول الأول أنهم ثلاثة والرابع الكلب: «وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ» وهذا هو القول الثاني، وهو أن عدد أصحاب الكهف خمسة والسادس الكلب، ثم رد الله تعالى ذلك فقال: «رَجْمًا بِالْغَيْبِ» أي: أن هذين القولين ما عليهما دليل، ثم قال تعالى: «وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ» وسكت عن هذا، فدل على أنه هو القول الصحيح، وهذا استنباط.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف، أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فتشتغل به عن الأهم فالأهم، فأما من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه].
هذا إذا أراد أن يحكي الأقوال، أما إذا أراد أن يفتي فإنه يختار القول الصحيح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضًا، فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلًا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالًا متعددة لفظًا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور.
والله الموفق للصواب].
1 / 11
مقدمة تفسير ابن كثير [٢]
التابعون الكرام هم أقرب الناس إلى الصحابة رضوان الله عليهم، فقد أخذوا منهم تفسير القرآن الكريم كونهم شاهدوا التنزيل وتعلموا بين يدي رسول الله ﷺ.
والتفسير رواية عن الله لا يجوز الخوض فيه إلا بعلم، ولذلك كان من السلف كالصحابة والتابعين من يقول في تفسير آية: الله أعلم.
وليس معنى ذلك كتم العلم، فمن علم وجب عليه أن يبلغ.
2 / 1
الرجوع إلى أقوال التابعين في تفسير القرآن
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: [فصل: إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كـ مجاهد بن جبر؛ فإنه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها].
يعتبر مجاهد ﵀ من أئمة التابعين ومن كبارهم، ولهذا رجع كثير من المفسرين إلى قوله مع أمثاله من كبار التابعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جرير: أنبأنا أبو كريب حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب.
حتى سأله عن التفسير كله.
ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به].
يعني: يكفيك، أي: اعتمده؛ لأن له عناية به لملازمته ابن عباس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكـ سعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عبارتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافًا فيحكيها أقوالًا، وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي].
هذا معروف، وهو أن الغالب أن كثيرًا من السلف كانوا يفسرون اللفظ بشيء من معناه، كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة:٣] فيقول بعضهم: يؤمنون بالجنة والنار ويؤمنون بالصراط، ويقول بعضهم: يؤمنون بالميزان، ويقول بعضهم: يؤمنون بالبعث بعد الموت، ويؤمنون بسؤال منكر ونكير، وهذا كله حق، فالسلف كانوا يفسرون اللفظ بجزء من معناه، ولا يقصدون من ذلك الاقتصار على الشيء، بل يريدون أن يذكروا نوعًا مما هو داخل في الآية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟!].
يعني: أن بعض العلماء يرى الرجوع إلى أقوال التابعين، وبعضهم -كـ شعبة - قال: لا يرجع إليها؛ لأن أقوالهم ليست حجة في الفروع، ففي التفسير من باب أولى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة].
وهذا لا شك فيه، حتى الصحابة إذا اختلفوا فإنه لا يكون قول أحدهم حجة على الآخر، وإنما يرجع إلى المرجحات الأخرى، أما إذا أجمع الصحابة على قول أو أجمع التابعون على قول فإنه يكون حجة؛ إذ لا يجمعون عليه إلا لأنه حق، وهذه الأمة معصومة من أن تجمع على خطأ؛ لقول النبي ﷺ: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على قول بعض ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك].
وكذلك أصول الشريعة وقواعدها، كل هذه يرجع إليها، وإذا اختلف التابعون فإنه لا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ويرجع إلى ما يؤيد أحد الأقوال، فيرجع إلى أقوال الصحابة، ويرجع إلى اللغة العربية، ويرجع إلى أصول الشريعة وقواعدها.
2 / 2
حكم تفسير القرآن بمجرد الرأي
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام؛ لما رواه محمد بن جرير رحمه الله تعالى حيث قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان حدثني عبد الأعلى -هو ابن عامر الثعلبي - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ قال: (من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار)، وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به، ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي عوانة عن عبد الأعلى به مرفوعًا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهكذا رواه ابن جرير أيضًا عن يحيى بن طلحة اليربوعي عن شريك عن عبد الأعلى به مرفوعًا، ولكن رواه عن محمد بن حميد عن الحكم بن بشير عن عمرو بن قيس الملائي عن عبد الأعلى عن سعيد عن ابن عباس فوقفه، وعن محمد بن حميد عن جرير عن ليث عن بكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من قوله.
فالله أعلم].
قوله: (من قوله) يعني: من كلامه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جرير: أنبأنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا حبان بن هلال حدثنا سهيل أخو حزم حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب أن رسول الله ﷺ قال: (من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)، وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي حزم القطعي، وقال الترمذي: غريب.
وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل، وفي لفظ لهم: (من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ) أي: لأنه قد تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، والله اعلم.
وهكذا سمى الله القذفة كاذبين فقال: ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور:١٣]، فالقاذف كاذب ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، ولو كان أخبر بما يعلم؛ لأنه تكلف ما لا علم له به، والله أعلم].
يعني أن من سلك الطريق غير المشروع فهو مخطئ حتى ولو أصاب الحق، فالذي يتكلم عن جهل مخطئ ومتوعد بالوعيد ولو وافق الحق، وكذلك من فسر القرآن برأيه فهو متوعد بالوعيد ولو أصاب.
2 / 3
تحرج السلف عن تفسير ما لا علم لهم به
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر الصديق ﵁: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟! وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس:٣١] فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟! منقطع].
هذا الإسناد الأخير منقطع لأن إبراهيم التيمي ما أدرك أبا بكر رضي الله تعالى عنه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو عبيد أيضًا: حدثنا يزيد بن حميد عن أنس أن عمر بن الخطاب ﵁ قرأ على المنبر ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس:٣١] فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر].
يعني التكلف في معرفة هذا النبت من أي شجرة هو، وأما كونه نبتًا فمعروف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عبد بن حميد: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس ﵁ قال: كنا عند عمر بن الخطاب ﵁ وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس:٣١] فقال: فما الأب؟ ثم قال: هو التكلف، فما عليك أن لا تدريه.
وهذا كله محمول على أنهما ﵄ إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتًا من الأرض ظاهر لا يجهل؛ لقوله تعالى: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا﴾ [عبس:٢٧ - ٢٨] الآية.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس ﵄ سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبى أن يقول فيها.
إسناده صحيح].
يعني أنه توقف ولم يجب حتى يتأمل وينظر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس ﵄ عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال له ابن عباس: فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني! فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما.
فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم].
يعني بذلك اليوم المذكور في قول الله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج:١ - ٤]، وظاهر هذا أنه يوم القيامة؛ لأنه تعالى قال بعد ذلك: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ [المعارج:٥ - ٩]، وأما اليوم الثاني فهو المذكور في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج:٤٧] قال بعضهم: إنه يوم من أيام الله، وإن المراد بألف سنة العروج والصعود، فإن نزول جبريل مقداره خمسمائة وصعوده مقداره خمسمائة، فما بين السماء إلى الأرض مقدار خمسمائة، كما ذكر الله تعالى ذلك في سورة السجدة فقال: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة:٥]، وابن القيم ﵀ في القصيدة النونية ذكر الخلاف في ذلك، فإنه لما ذكر قوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج:٤] ذكر قولين: القول الأول: إنه يوم القيامة.
والقول الثاني: إن المراد بخمسين ألف سنة المدة المحسوبة من العرش إلى الأرض السفلى، فاليوم الأول من السماء إلى الأرض، وخمسون ألف سنة من السماء إلى العرش، فبين كل سماء وسماء مسافة، وفوق السماء السابعة بحر، ثم بعد ذلك العرش، يقول: أختار أن المراد النزول من العرش إلى الأرض، فهذا النزول مقداره خمسون ألف سنة، واليوم الأول من السماء إلى الأرض، والقول الثاني أنه يوم القيامة، وهذا هو الأقرب، ثم لما اختار أحد القولين قال في آخر القصيدة الكافية الشافية: إن هذه المسألة لم تحتمل في ذهني، وأنا متوقف فيها، وأعوذ بالله من أن أقول بغير علم، وكلامه جميل في هذا، وقال: من كان عنده علم فليبده.
أو كما قال رحمة الله عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جرير أيضًا: حدثني يعقوب -يعني ابن إبراهيم - حدثنا ابن علية عن مهدي بن ميمون عن الوليد بن مسلم قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله ﵁ فسأله عن آية من القرآن، فقال: أحرج عليك إن كنت مسلمًا لما قمت عني أو قال: أن تجالسني].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئًا، وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن، وقال شعبة عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء.
يعني عكرمة].
وذلك لأن عكرمة كان من تلاميذ ابن عباس، وكان مولى لـ ابن عباس، حتى إنه كان يدرسه ويعلمه وهو في القيد، فحصل علمًا كثيرًا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن شوذب: حدثني يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا عبيد الله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب ونافع.
وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله قط، وقال أيوب وابن عون وهشام الدستوائي عن محمد بن سيرين: سألت عبيدة -يعني السلماني - عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
وقال أبو عبيد: حدثنا معاذ عن ابن عون عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: إذا حدثت عن الله حديثًا فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده.
حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه.
وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله ﷿].
وإبراهيم النخعي وأصحابه هم أهل الكوفة أصحاب ابن مسعود.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو عبيد: حدثنا هشيم حدثنا عمرو بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله].
2 / 4
الجمع بين ما ورد عن السلف من تحرجهم من التفسير وما روي من أقوالهم في التفسير
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه].
الأمر كما ذكر المؤلف ﵀، فكل ذلك محمول على أنهم كانوا يتحرجون عن الشيء الذي لا علم لهم به، أما الذي عنده علم بالشيء الواضح من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإنه يتكلم ولا يكتم العلم، فهذه الآثار محمولة -كما ذكر المؤلف- على التحرج عن الشيء الذي لا يعلمه الإنسان، فلا يتكلم بشيء لا يعلمه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج عليه، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه].
هذا هو الجمع بين النصوص، فالصحابة جاءت عنهم نصوص فيها المنع من التفسير، ونصوص أخرى فيها جواز التفسير، فالنصوص التي جاء فيها المنع من التفسير محمولة على التفسير الذي لا يستند إلى علم، فلا ينبغي أن يتكلم المرء في شيء لا يعلمه، والنصوص التي فيها أنهم كانوا يفسرون محمولة على أنهم كانوا يفسرون بما يعلمون من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ واللغة العربية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه؛ لقوله تعالى: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران:١٨٧]، ولما جاء في الحديث الذي روي من طرق: (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)، وأما الحديث الذي رواه أبو جعفر بن جرير قال: حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثنا أبو جعفر بن محمد بن الزبيري حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ﵂ قالت: (ما كان النبي ﷺ يفسر شيئًا من القرآن إلا آيًا بعدد علمهن إياه جبريل ﵇، ثم رواه عن أبي بكر محمد بن يزيد الطرسوسي عن معن بن عيسى عن جعفر بن خالد عن هشام به، فإنه حديث منكر غريب، وجعفر هذا هو ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري، قال البخاري: لا يتابع في حديثه.
وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث.
وتكلم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى مما وقفه عليها جبريل، وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث، فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله كما صرح بذلك ابن عباس فيما قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله].
أي: أن التفسير منه ما تعرفه العرب من كلامها، ومنه ما لا يعذر أحد بجهالته لوضوحه، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا﴾ [البقرة:٤٣] وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ [الإسراء:٣٢]، وقوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبَا﴾ [آل عمران:١٣٠] وهناك تفسير لا يعرفه إلا العلماء، وهناك تفسير لا يعلمه إلا الله، فبعض الآيات لا يعلمها إلا الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير: وقد روي نحوه في حديث في إسناده نظر: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي أنبأنا ابن وهب قال: سمعت عمرو بن الحارث يحدث عن الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس ﵃ أن رسول الله ﷺ قال: (أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ﷿، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب)].
هذا الحديث ليس بصحيح، فرواية الكلبي عن أبي صالح ضعيفة جدًا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنظر الذي أشار إليه في إسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي، فإنه متروك الحديث، لكن قد يكون إنما وهم في رفعه، ولعله من كلام ابن عباس كما تقدم، والله اعلم].
محمد بن السائب الكلبي متروك، أي: أن حديثه ضعيف جدًا وقريب من الوضع، فيكون قد وهم في رفعه إلى النبي ﷺ، والصواب أنه من كلام ابن عباس.
2 / 5
مقدمة تفسير ابن كثير [٣]
سور القرآن مكية ومدنية، فالمكي منها ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، وقد اهتم أهل العلم بآيات القرآن وكلماته وحروفه، فعدوها، وقسموا القرآن إلى أحزاب وأجزاء، وذلك حتى يسهل حفظه للحفاظ وتتيسر تلاوته لمن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار.
3 / 1
بيان معنى مكي السور ومدنيها
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: [مقدمة مفيدة تذكر في أول التفسير قبل الفاتحة: قال أبو بكر بن الأنباري: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام عن قتادة قال: نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والأحزاب ومحمد والفتح والحجرات والرحمن والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق و﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾ [التحريم:١] إلى رأس العشر، و﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ [الزلزلة:١] و﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ [النصر:١] هؤلاء السور نزلت بالمدينة وسائر السور بمكة].
شرع المؤلف رحمه الله تعالى في بيان السور التي نزلت في مكة والسور التي نزلت في المدينة، وهذا الأمر محل خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إن المكي من السور ما نزل في مكة، والمدني ما نزل في المدينة، ومن العلماء من قال: المكي من السور ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، ولو نزل في مكة، كلقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣] فهذه الآية نزلت في مكة في حجة الوداع يوم عرفة، لكنها تعتبر مدنية؛ لأنها نزلت بعد الهجرة.
والصواب أن المكي من القرآن ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، حتى ولو نزل في السفر، فما نزل في السفر وما نزل في مكة بعد الهجرة يعتبر مدنيًا.
3 / 2
بيان عدد آيات القرآن الكريم وكلماته وحروفه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال، فمنهم من لم يزد على ذلك، ومنهم من قال: ومائتي آية وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة آية، وقيل: ومائتان وتسع عشرة آية، وقيل: ومائتان وخمس وعشرون آية أو ست وعشرون آية، وقيل: ومائتان وست وثلاثون، حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان، وأما كلماته فقال الفضل بن شاذان عن عطاء بن يسار: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة، وأما حروفه فقال عبد الله بن كثير عن مجاهد: هذا ما أحصيناه من القرآن، وهو ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفًا، وقال الفضل بن عطاء بن يسار ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألفًا وخمسة عشر حرفًا، وقال سلام أبو محمد الحماني: إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبنا فأجمعوا أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألفًا وسبعمائة وأربعون حرفًا، قال فأخبروني عن نصفه.
فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ [الكهف:١٩]، وثلثه الأول عند رأس مائة آية من براءة، والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء، والثالث إلى آخره، وسبعه الأول إلى الدال من قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ﴾ [النساء:٥٥] والسبع الثاني إلى التاء في قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ﴾ [التوبة:١٧] والثالث إلى الألف الثاني من قوله تعالى في الرعد: ﴿أُكُلُهَا﴾ [الرعد:٣٥]، والرابع إلى الألف في الحج من قوله: ﴿جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج:٣٤] والخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾ [الأحزاب:٣٦]، والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ [الفتح:٦] والسابع إلى آخر القرآن، قال سلام أبو محمد: علمنا ذلك في أربعة أشهر، قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى (وليتلطف) في سورة الكهف، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن].
المهم هو التدبر والعمل، بحيث يقرأ المسلم بتدبر وخضوع وخشوع ورغبة ورهبة ثم يعمل، وقد ثبت في حديث ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).
وقوله: (قالوا: وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، فالأول إلى آخر الأنعام، والثاني إلى ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ [الكهف:١٩] في سورة الكهف، والثالث إلى آخر الزمر، والرابع إلى آخر القرآن) هذا لو صح لكان من الحسنات التي عملها الحجاج، فـ الحجاج فاسق ظالم أسرف في القتل حتى قتل الألوف، وقد قتل سعيد بن جبير، ويقال: إنه رئي في المنام بعد موته فسئل عن حاله فقال: قتلت بكل قتيل قتلة إلا سعيد بن جبير قتلت به سبعين قتلة، وإني بعد ذلك أرجو ما يرجو المحسنون.
وهو موحد لكنه عند أهل العلم فاسق وظالم؛ لأنه أسرف في القتل فقتل خلقًا كثيرًا، فإن صح أنه كان يقرأ في كل ليلة ربع القرآن فذلك من حسناته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه (البيان) خلافًا في هذا كله.
فالله أعلم].
3 / 3