203

Explanation of al-Tahawi's Creed by Saleh Al-Sheikh

شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

Türler

[المسألة الرّابعة]:
أنَّ الشفاعة التي للنبي ﷺ بما جاء في الأخبار يوم القيامة أنواع:
١- أولًا: الشفاعة العظمى:
وهي شفاعته ﷺ لأهل الموقف أن يُحَاسَبُوا، فإنَّ الناس يوم القيامة يمكثون زمانًا طويلًا في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة، ينتظرون الفرج وهم في شدة كرب وشدة حر وخوف وهلع، ينتظرون الحساب، وينتظرون تبيين المنازل، فيأتون إلى الأنبياء، يأتون إلى آدم يستغيثون به يطلبونه أن يشفع لهم، قال «فيأتون إلى آدم فيقولون له أنت أبونا ألا ترى ما نحن فيه اشفع لنا» فيعتذر عن ذلك متذكرًا ذنبه ﵇، ثم يأتون إلى نوح فيسألونه، ثم يأتون إلى إبراهيم ثم يأتون إلى موسى ثم يأتون إلى عيسى عَلَيْهِم جميعا السَّلاَمُ، كل أولئك يعتذرون وبعضهم يذكر سؤالًا له وبعضهم يذكر ذنبًا له، كما جاء في الحديث الطويل المعروف حديث الشفاعة (١) .
ثم يأتون إلى النبي ﷺ فيقول ﷺ «أنا لها، أنا لها»، فيذهب فيخر تحت العرش بعد نزول الجبار أ)، قال ﷺ «فأحمد الله بمحامد يفتحها عليّ لا أحسنها الآن» فيقال: «يا محمد ارفع رأسك وسل تُعطَ واشفع تشفع» الحديث.
وهذا فيه من جهة السياق ما يدل على أنَّ المراد من هذا السؤال أن يشفع لهم ﷺ في تحقيق ما طلبوا، وإن لم يرد له ذِكْرٌ في الحديث، في تحقيق ما طلبوا وهو أن يحاسبوا وأن يرتاحوا من الموقف.
فهذه هي الشفاعة العظمى جاءت فيها عدة أحاديث، وعليها التفسير في قوله؟ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء:٧٩]، وكما جاء في دعاء المجيب للأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم مقاما محمودا الذي وعدّته) .
(المقام المحمود) هو المقام الذي تحمده عليه الخلائق جميعا، ويُثْنِي عليه به ﷺ جميع الخلائق الذين وقفوا في الحساب، وهو مقام الشفاعة العظمى؛ لأنه بدعائه ﷺ وشفاعته يرتاح الناس من ذلك الموقف العظيم الذي لا يُتَصوَّرْ ولا يَعرف هوله إلا من قام فيه، أعاننا الله؟ على كرباته وأمننا وإياكم من الفزع الأكبر.
٢- ثانيًا: شفاعته ﷺ في أهل الكبائر:
وهذه قد جاء بها الدليل الخاص في قوله ﷺ «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (٢) .
وقد سأل أبو هريرة ﵁ نبينا ﷺ فقال له (يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟) فقال ﷺ «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه» (٣) خَرَّجَاه في الصحيحين، فقوله «أسعد الناس بشفاعتي» يعني سعيد الناس بشفاعتي، فـ «أسعد» أَفْعَل على غير بابها بمعنى (فَعِيل)، يعني سعيد الناس بشفاعتي كما قال سبحانه ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان:٢٤]، ليس معناه أنهم أحسن مقيلًا من أهل النار، فيشترك أهل النار معهم في حُسْنِ مقيل، بل معنى قوله ﴿أَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ يعني حَسَنٌ مقيلهم.
فأفعل ليس على بابها في المفاضلة؛ ولكنها بمعنى المصدر يعني حَسَنٌ مقيلهم، سعيد الناس بشفاعتي ونحو ذلك.
وهذه الشفاعة لأهل الكبائر لها نوعان؛ يعني لعموم اللفظ «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» نوعان:
أ - النوع الأول: قومٍ أَهْلُ كبائر رَجحت سيئاتهم على حسناتهم، فأُمِرَ بهم إلى النار فيَشفع فيهم ﷺ في أن لا يدخلوا النار، فيُشفَّع فيهم ﷺ.
ب - النوع الثاني: في أقوامٍ دخلوا النار فيشفع فيهم ﷺ أن يخرجوا منها، فيخرجون منها كأنهم الحِمَمْ فيوضعون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحِبَّة في جانب السيل.
٣ - ثالثًا: شفاعته ﷺ في أن يدخل أقوام الجنة بغير حساب ولا عذاب:
وهذه يُستدلّ لها بقول عُكَّاشة في حديثه (يا رسول الله أدعوا الله أن يجعلني منهم) قال (أنت منهم) (٤) .
٤ - رابعًا: شفاعته ﷺ في رفع درجات بعض أهل الجنة:
وهذه يذكرها أهل العلم، ولم يورِدُوا عليها دليلًا بيِّنا، وهي شفاعة متفق عليها حتى عند أهل البدع.
فيُسْتَدَلُّ لها:
@ بالإتفاق.
@ بما استدل به ابن القيم ﵀ في شرحه على تهذيب سنن أبي داوود حيث قال (ويستدل لها بقوله ﷺ لما صلى على أبي سلمة «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين» (٥) . فقوله «وارفع درجته» دعاء في الدنيا له وهذا معنى الشفاعة) .

(١) البخاري (٣٣٤٠) مسلم (٥٠١) / الترمذي (٢٤٣٤) / ابن ماجه (٤٣١٢)
(٢) أبو داود (٤٧٣٩) / الترمذي (٢٤٣٥)
(٣) البخاري (٩٩)
(٤) البخاري (٥٧٥٢) / مسلم (٥٤٩) / الترمذي (٢٤٤٦)
(٥) مسلم (٢١٦٩) / أبو داود (٣١١٨)

1 / 203