لنا أن نتخذ احتياطنا لئلا يسطو لص على ممتلكاتنا، ولكن نية السرقة تبقى بطبيعة الحال في قدرة اللص. وقد نحرص على سمعتنا نقية من الشين والدرن، ولكنها في النهاية تتحدد بما يظنه الناس بنا وهو أمر متروك لهم وخارج عن قدرتنا وسلطاننا. «أجدر بك إذن أن تشكر الآلهة على أنها أعفتك من المحاسبة على الأشياء التي ليست في قدرتك، ومنها أبواك وإخوتك وجسمك وممتلكاتك وحياتك وموتك، دع هذه الأشياء يصرفها مصرفها ولا تكب إلا على ما هو في قدرتك: الاستخدام الصحيح للانطباعات» (المحادثات، 1-12). (5) الاستخدام الصحيح للانطباعات
يذهب إبكتيتوس إلى أن الثبات أمام الشدائد والسيطرة على الانفعالات العنيفة، وهو ما نعنيه بالموقف الرواقي في لغتنا الحديثة، يتطلب منا أن نستخدم انطباعاتنا، أو مدركاتنا، استخداما قويما موضوعيا بريئا من أي تزيد أو افتئات على الواقع.
تبدأ المعرفة عند الرواقيين ب «الانطباع» (المظهر)، وهو الأثر الذي يطبعه في الذهن شيء خارجي كما ينطبع الخاتم على الشمع، وسرعان ما يتخذ الانطباع الحسي شكل «قضية»
proposition
مفادها أن شيئا ما أو آخر هو القائم هناك حقا وصدقا (في الخزانة حبل مثلا أو في الخزانة ثعبان). ذلك هو «التصديق»
assent
العقلي على الانطباع الغفل. ينطوي هذا التصديق على «حكم قيمة»
value judgement
يفيد أن هذا الشيء مرغوب أو غير مرغوب أو غير فارق، ومن شأنه أن يحدد موقفنا الوجداني (الرغبة/النفور) والنزوعي (الإقدام/الإحجام) تجاهه. يرى الرواقيون أن أغلب البشر بعيدون عن المعيار العقلاني بعدا كبيرا يجعلهم يصدقون على انطباعات زائفة أو يتزيدون على الانطباع الموضعي بأحكام ليست منه. ويوصي الحكيم الرواقي بأن نمارس أشد الاحتياط والتريث حين نقوم بالتصديق على انطباعات «محملة بالقيمة»، وأن نتوقف عن الحكم إذا كان ثمة ما يدعو إلى أقل شك.
لا يقتصر الاستخدام القويم للانطباعات على التقدير الصحيح لصدق الانطباع، بل يشمل أيضا التقدير الصحيح لقيمة الانطباع. ويذهب الرواقيون إلى أن جميع الانطباعات أو المظاهر غير قادرة على منح السعادة ولا قادرة على منعها. إنها «لا فارقة» في هذا الشأن. والمعيار الرواقي هنا واضح وحاسم وقاطع: ليست الأشياء الخارجية خيرا ولا شرا، لأنها خارجة عن إرادتنا. إنما الخير والشر هما فعل الإرادة ومقصوران على ما هو داخل في نطاق قدرتها. «... كذلك ينبغي أن نتدرب يوميا ضد الانطباعات؛ فهذه أيضا تقترح علينا أسئلة: «مات فلان؟» الجواب: الأمر ليس قدرة الإرادة؛ الأمر بالتالي ليس شرا. «أب حرم ابنا معينا من الميراث، ما رأيك في ذلك؟» إنه شيء خارج عن إرادتنا، ومن ثم فهو ليس شرا. «أدان قيصر فلانا»، ذاك شيء خارج عن الإرادة ... ليس شرا. «الرجل مبتئس لذلك.» الابتئاس شيء يعتمد على الإرادة: إنه شر. «الرجل تحمل الإدانة بشجاعة.» هذا شيء داخل في قدرة الإرادة: إنه خير. إذا دربنا إرادتنا على هذا النحو فسوف نحقق تقدما؛ لأننا لن نصدق على أي شيء ليس لديه انطباع قابل للإدراك (لن نزايد على المدركات الموضوعية بأحكام من عندنا). ولدك مات. ماذا حدث؟ ولدك مات. لا أكثر؟ لا أكثر. سفينتك فقدت. ماذا حدث؟ سفينتك فقدت. فلان زج به إلى السجن. ماذا حدث؟ لقد زج به إلى السجن. أما أنه في هذا قد نكب فذاك شيء يزايد به كل من رأيه الخاص. تقول: «ولكن زيوس لم ينصف في هذه الأمور.» لماذا؟! لأنه خلقك قادرا على الاحتمال؟! لأنه خلقك شهما؟! لأنه سلب من الأشياء التي تحيق بك القدرة على أن تكون شرا؟! لأن بوسعك أن تكون سعيدا بينما تعاني ما تعانيه؟ لأنه فتح لك الباب إذا كانت الأشياء لا تروقك؟!
Bilinmeyen sayfa