الدر المنظوم من كلام المصطفى المعصوم ﷺ
تأليف
الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي البكجري الحنفي
(المولود سنة ٦٨٩ هـ، والمتوفى سنة ٧٦٢ هـ) رحمه الله تعالى
إشراف ومراجعة
محمد عوامة
تقديم وتعليق
حسن عبجي
Bilinmeyen sayfa
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإنَّ من خيرِ ما صنّفَ فيه المصنفون: أحاديثَ الأحكام، إذ هي أدلة الفقه وعليها يَسْتند، وبها تُعرف الأحكام ومنها تُسْتَمدّ، وبها يُعبد الرب على بصيرة.
لذلك فقد أولاها العلماء اهتمامًا بالغًا، وصنفوا فيها التصانيف المختلفة: فمنهم من أسهب، ومنهم من اختصر، ومنهم من توسط.
فمن الذين أسهبوا -بل أولهم-: الإمام الحافظ عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الإشبيلي، أبو محمد، المعروف بابن الخَرَّاط -ت ٥٨١ هـ- حيث ألف فيه "الأحكام الكبرى"، جاء في مقدمة "تحفة الأحوذي" ١: ٢٧١: "وهو كتاب كبير في نحو ثلاث مجلدات، انتقاه من كتب الحديث" انتهى.
ومنهم الإمام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحرَّانى المعروف بابن تيمية -ت ٦٥٢ هـ- جدُّ شيخ الإسلام، ألف كتابه "الأحكام الكبرى" ثم انتقى منه خَمسة آلاف حديث وتسعة وعشرين حديثًا، وسماه "المنتقى".
ومن الذين توسطوا: الإمام تقي الدين محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد -ت ٧٠٢ هـ- صنَّف كتابه "الإلمام بأحاديث الأحكام" تضمن ١٤٧٣ حديثًا.
1 / 5
ومنهم: الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني -ت ٨٥٢ هـ- صنّف "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" تضمن ١٥٩٦ حديثًا.
ومن الذين اختصروا: الإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي -ت ٦٠٠ هـ - صنّف "عمدة الأحكام"، واشتمل على ٤١٩ حديثًا مما اتفق الشيخان على إخراجه.
ومنهم: مصنِّف كتابنا هذا: الحافظ علاء الدين مُغْلَطاي -ت ٧٦٢ هـ- جاء كتابه مشتملًا على ٣٦١ حديثًا، موزعة على أبواب الفقه، متحريًا فيها أصحَّ الصحيح، وهو ما أجمع الأئمة الستة على تخريجه، ملحِقًا بكل باب فصلًا للأحاديث الضعيفة فيه، فجاء هذا الكتاب متميزًا عن الكتب السابقة بهذا النهج الجديد.
ولكونه مختصرًا: يسهل تداوله، وقراءته، والانتفاع به، وهو ما دعاني لخدمته وإخراجه.
وتتميمًا للفائدة: قدمت بين يدي الكتاب بترجمةٍ لمؤلفه، ودراسة موجزة للكتاب، تضمنَّتْ: توثيقَه، والتعريفَ بالنسخة الخطية التى اعتمدتها في إخراجه، والتعريفَ بناسخ الكتاب، ومنهجَ مُغْلَطاي فيه، وخدمتي للكتاب.
ولأستاذنا فضيلة الشيخ محمد عوامة حفظه الله الشكر الجزيل لإشرافه ومراجعته هذا العمل، وإرشادي إلى بعض مصادره، فجزاه الله عني خيرًا.
هذا، وإني أضرع إلى الله القدير أن يرحم مُصَنِّفَه، وأن ينفع به من أخرجه، وكلَّ من طالع أو نظر فيه، إنه أكرم مجيب، وصلي الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
المدينة المنورة
٢٨/ ١ / ١٤١٤
وكتبه
حسن عبجي
1 / 6
ترجمة المؤلف
- اسمه ونسبه
- مولده
- طلبه للعلم
- شيوخه
- تدريسه
- تلاميذه
- تصانيفه
- وفاته
1 / 8
ترجمة الحافظ مُغْلَطاي (١)
اسمه ونسبه:
هو الإمامُ العلاّمةُ المحدِّثُ، الحافظُ المُفْتَن، النْسَّابهُ المؤرخُ، علاءُ
_________
(١) من مصادر ترجمته: "البداية" لابن كثير ١٤: ٢٩٦، و"الوفيات" لمحمد بن رافع السَّلامي ٢: ٢٤٣ - ٢٤٤ و"الذيل على العبر" لأبي زرعة العراقي ١: ٧٠ - ٧٣، و"التبيان شرح بديعة البيان" لابن ناصر الدين الدمشقي مخطوط ١٥٦/ ب، و"الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٢ - ٣٥٤، و"لسان الميزان" ٦: ٧٢ - ٧٤ كلاهما لابن حجر، و"لحظ الألحاظ" لابن فهد: ١٣٣ - ١٤٢، و"النجوم الزاهرة" لابن تَغْرِى بَرْدِي ١١: ٨، و"تاج التراجم" لابن قطلوبغا: ٣٠٤ - ٣٠٦ و"حسن المحاضرة" ١: ٣٥٩، و"ذيل تذكرة الحفاظ" ٣٦٥ - ٣٦٦ و"طبقات الحفاظ": ٥٣٨ جميعها للسيوطي، و"مفتاح السعادة" لطاش كبري زاده ١: ٢٦٠، و"كشف الظنون" لحاجى خليفة ١: ٩٨، ٥٤٦، ٢: ٩٥٨، ١٠٠٤، ١٠٠٥، ١٠٨٧، ١١٦٣، ١٥١٠، ١٦٣٧، ١٨٢٣، ١٩١٥، ١٩٩٥، و"شذرات الذهب" لابن العماد ٦: ١٩٧، و"البدر الطالع" للشوكانى ٢: ٣١٢ - ٣١٣، و"إيضاح المكنون" ١: ١٠٣، ٢٤٥، و"هدية العارفين" كلاهما للبغدادي ٢: ٤٦٧ - ٤٦٨، و"الرسالة المستطرفة" للسيد محمد بن جعفر الكتانى: ١١٧ - ١١٨، ١٩٧، ٢٠٨، ٢٠٩، و"الأعلام" للزَّرِكْلي ٧: ٢٧٥، و"معجم المؤلفين" لكحَّالة ١٢: ٣١٣.
1 / 9
الدين، أبو عبد الله، مُغْلَطايُ (١)
_________
(١) "مُغْلَطاي": بضم الميم، وسكون الغين المعجمة، كذا ضبطه الحافظ ابن حجر بالقلم، ونقله عنه الشيخ أحمد العجمي في حواشيه القيمة على "تدريب الراوي" للسيوطي ١١/ أ، وبمثله ضبطه العلامة الزرقاني في شرحه على "المواهب اللدنية" ١: ١٢٧.
وفي ضبطه أوجه أخرى:
- قال أحمد العجمي: "وضبطه الحافظ ابن ناصر بالقلم بفتحها -أي: الغينِ- في منظومته "بديعة البيان" حيث قال:
. . . . . . . ... ذاك مغَلْطايُ فتى قِليج
فيحتمل أن ذلك لضرورة النّظْم" لكنه استدرك قائلًا: "ثم رأيته في غير المنظومة ضبطه كذلك بالفتح".
وعندي صورة من كتاب "بديعة البيان" مع شرحه "التبيان" عن نسخة خطية محفوظة في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت ﵀ بالمدينة المنورة، وفيها الشطر الذي ذكره أحمد العجمي ١٥٦/ ب لكن النسخة غير مضبوطة.
- وذكر أحمد العجمي ﵀ في "حواشيه" ضبطًا ثالثًا: بضم الميم والغين المعجمة: مُغلْطاي، ولم يعزه لأحد، وفي تعليق للأستاذ الزِّرِكْلي في "الأعلام" ٧: ٢٧٦ حول ضبط "مغلطاي" قال: "وفي المتأخرين من جعل حركة الغين ضمة، وجزم بهذا جان سوفاجيه".
- وفي آخر النسخة الخطية من كتابنا هذا ص ٧٢ نقل الأستاذ أحمد خيري =
1 / 10
ابنُ قِلِيجَ (١)
_________
= ﵀ ضبط هذه الكلمات "مغلطاي" و"قليج" و"البكجري" عن أستاذه الشيخ محمد زاهد الكوثري ﵀ إملاء، فقال: "مَغُلْطاي بفتح الميم، وضم الغين المعجمة، وسكون اللام، وفتح الطاء المهملة بعدها ألف، ثم ياء آخر الحروف".
فتحصل مما تقدم أربعة أوجه: مُغْلَطَاي، ومُغَلْطَاي، ومُغُلْطَاي، ومَغُلْطَاي، وفيها وفي مثلها كان يقول العلامة الكوثري: أعجمية فالْعَب بها كيف شئت، إذ لا ضابط فيها إلا نطق أهلها، وكم من حروف وحركات أعجمية تغيرت في العربية.
ومعنى "مُغْلَطاي":
قال الشيخ أحمد العجمي في حواشيه على "تدريب الراوي" ١١/ أ:
"مُغُل: بضمتين، جيل من الناس، وطاي: بمعنى الفرخ، في اللغة التركية القديمة، كذا قيل"، وفي تعليقة الأستاذ أحمد خيري عن شيخه الكوثري: "ومعنى "طاي" بلغة الترك: المُهْرُ".
قلت: وهما متقاربان، فالمُهْرُ: ولد الخيل، والفَرْخُ: ولد الطير، ويكون المعنى: ولد جيل من الناس.
(١) "قِلِيج": "بكسر القاف واللام، وسكون الجيم، علم تركي" نقله الأستاذ أحمد خيري، عن شيخه الكوثري، وأفاد أحمد العجمي في حواشيه على "التدريب" أن الياء ترسم ولا ينطق بها. =
1 / 11
ابن عبد الله البَكْجَريُّ (١)، الحنفيُّ، المصريُّ من أصل تركي، الحِكْريُّ (٢).
_________
= وضبطه الزركلي في "الأعلام" بفتح القاف وكسر اللام: قَلِيج، وذكر في التعليق أنه رآه كذلك مشكولًا في نسخة ابن حجر من "التبيان شرح بديعة البيان".
وما ذكره الزِّرِكْلي عن مطبوعة "النجوم الزاهرة": قليح، بالحاء المهملة: فليس بوجه بل هو من التصحيفات المطبعية، ومثله ما جاء في "لسان الميزان": فليح، بالفاء.
ومعنى "قِلِيج": السيف باللغة التركية، ذكره أحمد العجمي والكوثري، وزاد الثاني: "وتمنع من الصرف للعجمة والعلمية".
(١) "البَكْجَرِي": جاء في تعليقات العلامة الكوثري ﵀ على "لحظ الألحاظ": ١٣٣ نقلًا عن الداودي كما في "ذيل لب اللباب": "بفتح الموحدة وسكون الكاف، وفتح الجيم، ثم راء"، وزاد الأستاذ أحمد خيري عنه: "ويلاحظ نطق الجيم قريبة من الشين المدغم فيها تاء".
ثم قال: "وهي مركبة من "بَكْ". بمعنى: الصُّلْب بالتركية، و"جري" بمعنى: الجندي، فيكون معناها: الجندي الصُّلْب، وربما كان هذا لقبًا لوالده قِلِج -هكذا بدون ياء كما تلفظ-، أو اسمًا لجده".
وما جاء في "لسان الميزان": الكنجري، فهو تصحيف، والله أعلم.
(٢) جاء في "لب اللباب" للسيوطي: "الحِكْري بالكسر والسكون، إلى. . ." وانقطع الكلام. =
1 / 12
إمامُ وقته، وحافظُ عصره، من انتَهتْ رياسةُ الحديث في زمانه إليه رحمه الله تعالى وسائرَ علماء المسلمين.
مولده:
ولد مُغْلَطاي سنة تسع وثمانين وست مئة، وهذا منقول عنه، فقد كان يذكر هذا التاريخ لما يُسأل عن مولده (١).
وذهب السَّلامي إلى أن مولده سنة تسعين وست مئة (٢)، وقارب بين القولين ابن ناصر الدين فقال: "في أواخر سنة تسع وثمانين" (٣).
وبالنظر إلى هذه الأقوال نجدها متقاربة جدًا، ويكون مولده سنة ٦٨٩ هـ كما ذكر هو عن نفسه، لكن ليس أول السنة ولا أثناءها، بل آخرها بحيث لم يبق منها إلا أيامٌ يسيرة فلم يحسُبْها من قال: ولد سنة تسعين، والله أعلم.
_________
= وفي "القاموس" مادة (ح ك ر): "الحُكْرة بالضم: مِخْلاف بالطائف"، والمِخْلاف: الناحية، ونحوه في "مراصد الاطلاع" ١: ٤١٦، ويبعد أن تكون نسبة المترجم إليها، والله أعلم.
(١) "ذيل العبر" ١: ٧١، و"الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٢، و"لسان الميزان" ٦: ٧٢، و"لحظ الألحاظ": ١٣٣، و"النجوم الزاهرة" ١١: ٨، و"تاج التراجم": ٣٠٤، وغيرها.
(٢) "الوفيات" ٢: ٢٤٤.
(٣) "التبيان شرح بديعة البيان" ١٠٦ / ب.
1 / 13
وأبعد الصَّفَديُّ فقال: "ولد بعد التسعين وستِّ مئة" (١).
والأول هو الراجح.
طلبه للعلم:
اختصت العناية الإلهية هذا الغلام اليافع، بأن يكون من خدام هذا الدين، ومن وُرَّاث هذا العلم العظيم.
فصرف الله قلبَه عن لعب الصِّبا، ولهو الشباب، حتى صار لا يميل وهو في سن الصبا لأن يلهو مع أقرانه.
وحَبَّب الله إلى قلبه العلمَ الشريف، فصار يستحسنه ويُفَضِّله على كل ما عداه.
ذكر لنا ابن فهد (٢): أن مُغْلَطاي وهو في صِباه، كان أبوه يرسله ليرمي بالنشاب، فيخالفه ويذهب إلى حِلَق أهل العلم فيحضرها.
فكان مخالطةُ حُبِّ العلم لقلبه، وشَغَفُه به، وإخلاصه فيه، من دواعي جِده ودَأبِه.
قال تلميذه الحافظ العراقي: "وكان دائم الاشتغال، منجمعًا عن الناس" (٣).
_________
(١) نقله عنه الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٢، وابن فهد في "لحظ الألحاظ": ١٣٣، وغيرهما.
(٢) "لحظ الألحاظ": ١٣٣.
(٣) "الذيل على العبر" ١: ٧٣.
1 / 14
ونقل الحافظ ابن حجر عن الصَّفَدى: "كان ساكنًا، جامد الحركة، كثير المطالعة والكتابة والدَّأب" (١).
وجمود الحركة هنا مدح وليس بذم، فليس عنده طيش ولا خفة، بل ثبات أهل العزائم، وإصرار العلماء، حتى علا كعبه، وحاز قصب السبق على منافسيه، في الحديث وعلومه، واللغة، وفنون كثيرة.
فأما في الحديث وعلومه:
فقال ابن تَغْرِي بَردِي: "كان له اطِّلاعٌ كبير، وباغٌ واسع، في الحديث وعلومه" (٢).
وقال السيوطي: "كان حافظًا عارفًا بفنون الحديث" (٣).
حتى انتهت رياسة الحديث في زمانه إليه (٤)، وصار يلقب بـ: "الشيخ الإمام شيخ المحدثين" (٥).
وتبحر في علم الأنساب الذي هو أحد علوم الحديث، وتمكن في ذاك العلم، حتى قال مترجموه: "كان عَلَّامة في الأنساب" (٣)، وترجمه الحافظ ابن ناصر الدين فقال: "هو. . . أبو عبد الله النسَّابة" (٦).
_________
(١) "الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٣.
(٢) "النجوم الزاهرة" ١١: ٨.
(٣) "حسن المحاضرة" ١: ٣٥٩.
(٤) "الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٣ تعليقًا عن حاشية النسخ الخطية.
(٥) "الذيل على العبر" ١: ٧٠.
(٦) "التبيان شرح بديعة البيان" ١٥٦ / ب.
1 / 15
وقال الحافظ ابن حجر: "كان عارفًا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من مُتَعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة" (١).
وتعبيره -وكذا من جاء بعده- بـ"خبرة متوسطة" لا يفيد عدم تمكن المترجم في العلوم الحديثيةِ سوى الأنساب، بل يريد خِبرة متوسطة بالنسبة لتبحره في علم الأنساب، وإتقانه له، وإمامتِه فيه، فالحكم نسبي لا على إطلاقه.
وإلا فكيف يتمكن ذو الخبرة المتوسطة بالحديث من شرح البخاري في عشرين مجلدًا مخطوطًا، وغيرِه، وغيرِه من المؤلفات الحديثية القيمة، التي ستراها في مبحث مُؤلَّفاته، وتلك خير شاهد على إمامته في الحديث.
ويدل على سَعَةِ إطِّلاعه وتمكنِه في الأنساب شهادة تلميذه شيخ الإِسلام أبي الفضل العراقي:
ذكر السيوطي في "التدريب" (٢) أن الحافظ ابن حجر سأل شيخه العراقي رحمهما الله تعالى عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ: مُغلطاي، وابن كثير، وابن رافع، والحسيني؟
_________
(١) "الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٣، ونحوه في "لحظ الألحاظ": ١٣٣ عن زين الدين ابن رجب، و"شذرات الذهب" ٦: ١٩٧، وغيرهما.
(٢) "تدريب الراوي" ٢: ٤٠٥.
1 / 16
قال: "فأجاب -ومن خطه نقلت-:
أن أوسعَهُم إطلاعًا، وأعلمهم بالأنساب: مُغْلَطاي، على أغلاط تقع منه في تصانيفه.
وأحفظهم للمتون والتواريخ: ابن كثير.
وأقعدهم بطلب الحديث، وأعلمهم بالمُؤتَلِف والمختلف: ابن رافع.
وأعرَفَهُم بشيوخ المتأخرين وبالتاريخ: الحسيني، وهو دونهم في الحفظ".
فأوسَعُهم إطّلاعًا وأعْلَمُهم بالأنساب هو الإمام مُغْلَطاي، ولا يضيره أن يكون له بعض الأغلاط في تصانيفه، فمن ذا الذي لا يغلط من هؤلاء الأئمة المكثرين أمثاله؟!.
وأما في اللغة: فقد حفظ في صباه "كفاية المتحفظ" (١)، وكذلك حفظ "الفصيح" (٢)، وكان على معرفة جيدة باللغة، مستحضرًا لها.
_________
(١) لابن الأجدابي: إبراهيم بن إسماعيل، المتوفى في حدود سنة ٤٧٠ هـ، قال في "إنباه الرواة" ١: ١٩٣: "وصنف في اللغة مقدمة لطيفة، سماها كفاية المتحفظ يشتغل بها الناس في الغرب ومصر"، والرسالة طبعها قديما بحلب فضيلة العلامة الفقيه اللغوي مصطفى الزرقاء حفظه الله، وأمتع المسلمين بحياته، وأعاد طبعها من جديد محققة.
(٢) لأحمد بن يحيى المعروف بـ"ثعلب" إمام الكوفيين في النحو واللغة، المتوفى سنة ٢٩١ هـ، وهو كتاب "صغير الحجم، كثير الفائدة، اعتنى به الأئمه". "كشف الظنون" ٢: ١٢٧٢، وهو مطبوع قديمًا.
1 / 17
قال الحافظ ابن حجر: "كان كثيرَ الاستحضار لها، متسع المعرفة فيها" (١)، وقال ابن فهد: "له اتساع في نقل اللغة" (٢).
وتصنيفه في اللغة يدل على تمكنه وإمامته فيها.
ولم يقتصر ﵀ على هذه العلوم فحسب، بل دَرَس علومًا شتى، وكان يكثر جدًا من القراءة بنفسه، حتى قيل: أكثرُ طَلَبِه بنفسه وبقراءته، قال الحافظ ابن حجر: "أكثرَ جدًا من القراءة بنفسه والسماع وكتب الطباق" (٣)، فكان ﵀ واسع الاطلاع، مشاركًا في فنون عديدة.
قال الحافظ ابن حجر: "حصَّل من المسموعات ما يطول عدُّه" (٤).
وقال ابن فهد: "انتقى، وخرَّج، وأفاد، وكتب الطباق" (٥).
وقال ابن تَغْري بردي: "رحل، وكتب، وصنَّف. . . وله مشاركة في فنون عديدة" (٦).
_________
(١) "لسان الميزان" ٦: ٧٤.
(٢) "لحظ الألحاظ": ١٤٠.
(٣) "الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٢، وكتابة الطباق: معناها كتابة أسماء السامعين والحاضرين لقراءة كتابٍ ما على أحد الشيوخ، كما يرى في آخر الكتب الحديثية وغيرها، وهذا يكون ممن يثق به الشيخ المقروء عليه، ويَكِلُ إليه هذا الأمر.
(٤) "لسان الميزان" ٦: ٧٢.
(٥) "لحظ الألحاظ": ١٣٨.
(٦) "النجوم الزاهرة" ١١: ٨.
1 / 18
ولم يكن موصوفًا بجمود النَّقَلة، بل كان ذا دراية، ونقد عن بصيرة ومعرفة، وله مآخذ على أهل اللغة، وعلى كثير من المحدثين (١).
وفي كتابنا هذا سوف ترى كيف حكم على بعض الأحاديث بالضعف وإن كانت من أدلة مذهبه، شأنه شأن كل إمام منصف يدور مع الحق حيث دار.
شيوخه:
قبل الشروع في ذكر شيوخ مُغْلَطاي، أشير إلى أن بعض معاصريه تكلم في أخذه عن بعض شيوخه، وشكك في سماعه منهم، أو إجازتهم له؛ والعمدة في ذلك قوله، فهم شيوخه وهر أدرى بهم: من هم؟ ومتى سمع منهم؟ فإن قال: حدثني فلان، أو أجازني فلان، مع معاصرته لذلك الشيخ وإمكان اللقاء بينهما فبقوله نأخذ.
كيف لا، وهو أمين لدينا في دين الله، ومُصَدَّق عندنا في النقل عن الله ورسوله، فلأن يكون مُصدقًا في مثل هذه الأمرر أحرى وأجدر.
إذا ثبت هذا فإني ذاكرٌ شيوخَ مُغْلَطاي جميعَهم، مُتَرجمًا لكل شيخ بترجمة مختصرة، مُرتِّبا لهم على سني الوفاة، فأقدم من تقدَّت وفاتُه على من تُوفِّي بعد ذلك، ثم من توفي بعده، وهكذا، ذاكرًا أهمَّ مصادر ترجمته، والمصدرَ الذي عدَّ المترجمَ من شيوخ مُغلَطاي، فأقول -ومن الله أستمد العون والتوفيق-:
_________
(١) "الدرر الكامنة" ٣٥٣: ٤، و"ذيل طبقات الحفاظ" للسيوطي: ٣٦٥، و"شذرات الذهب" ١٩٧: ٦.
1 / 19
١ - علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن، السَّعدي، المَقْدِسي، الصالحي، الحنبلي، الفَخْرُ ابنُ البخاري، أبو الحسن، مُسْنِد الدنيا، الرُّحْلة.
ولد سنة ٥٩٥ هـ، وتوفي سنة ٦٩٠ هـ، عن خمس وتسعين سنة.
سمع من حنبل، وابن طَبَرْزَد، وخلق. وأجاز له أبو المكارم اللبان، وابن الجوزى، وخلق كثير.
رحل الطلبة إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد، في علو الإسناد (١). ولمغلطاي إجازة منه (٢).
٢ - محمد بن علي بن وَهْب بن مُطِيع بنِ أبي الطّاعة، أبو الفتح، تَقِيُّ الدين، ابنُ دَقِيق العِيد، القُشَيريُّ، القُوصيُّ، قاضي قُضاةِ الشافعية، حاكمُ الحُكَّامِ، حُجَّةَ الإسلام، مفتي الأنام، شيخُ الإسلام، الفقيهُ المالكيُّ ثم الشافعيُّ.
ولد بالبحر سنه ٦٢٥ هـ، وتوفي بالقاهرة سنه ٧٠٢ هـ، عن سبع وسبعين سنة.
_________
(١) ترجمه: الذهبي في "العبر" ٣: ٣٧٣، وابن كثير في "البداية" ٣٤٣: ١٣، وابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" ٢٨: ٨، وابن العماد في "شذرات الذهب" ٥: ٤١٤.
(٢) "ذيل العبر"، للعراقي ١: ٧٢، "لسان الميزان" ٧٣: ٦، "لحظ الألحاظ": ١٣٣.
1 / 20
سمع الكثير، ورحل، وخرَّج، وصنّف مُصنَّفاتٍ عديدةً، فريدةً مفيدةً، منها: "إحكام الأحكام"، و"الاقتراح"، و"الإلمام بأحاديث الأحكام" وكلُّها مطبوع و"الإمام" وهو كاسمه، وله غير ذلك، وكان رأسًا في العلم والعمل (١).
سمع منه مغلطاي (٢).
٣ - أحمد بن رجب بن الحسن بن محمد، أبو العباس، السَّلامي، البغدادي نزيل دمشق، والدُ المحدث المشهور، الإمامِ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلى.
ولد سنة ٦٤٤ هـ ببغداد، ونشأ بها، وتوفي بدمشق سنة ٧٠٥ هـ.
قرأ بالروايات، وطلب الحديث، ورحل إلى مصر وغيرها، وكان دَيِّنًا، خَيِّرًا، عفيفًا (٣).
_________
(١) ترجمه: السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" ٢٠٧: ٩ - ٢٤٩، والذهبي في "ذيل العبر": ٦، وابن كثير في "البداية" ٢٨: ١٤ - ٢٩، والمقريزي في "المُقَفَّى الكبير" ٣٦٧: ٦ - ٣٨٧، وابن حجر في "الدرر الكامنة" ٤: ٩١ - ٩٦ وابن تغرى بردي في "النجرم الزاهرة" ٨: ١٦٤، وغيرهم.
(٢) "التبيان لبديعة البيان" لابن ناصر الدين الدمشقي، و"ذيل العبر" للعراقي ١: ٧١، و"الدرر الكامنة" ٣٥٣: ٤، و"لسان الميزان" ٧٣: ٦ و"لحظ الألحاظ": ١٣٦.
(٣) ترجمه: ابن الجَزَري في "غاية النهاية" ١: ٥٣ (٢٢٩)، وابن حجر في "الدرر الكامنة" ١: ١٣٠ - ١٣١.
1 / 21
حدَّث عنه مغلطاي (١).
٤ - عبد المؤمن بن خلف بن أبى الحسن، أبو محمد، شرف الدين الدِّمْياطى الشافعي، الإمام، الحافظ، الحجة، الفقيه، النّسَّابة، شيخ المحدثين، صاحب التصانيف.
ولد آخر سنة ٦١٣ هـ، وتوفي سنة ٧٠٥ هـ، وكانت جنازته مشهودة. سمع منه خلائق مثل: اليُونِيني، والمزِّي، والذَّهَبي، وخلق سواهم (٢).
ومن تصانيفه: "المتجر الرابح"، و"فضل الخيل" وهما مطبوعان، وله "المختصر في سيرة خير البشر"، وغير ذلك.
روى عنه مغلطاي (٣).
_________
(١) "التبيان لبديعة البيان" ١٥٦ / ب.
(٢) ترجمه: الذهبي في "المعجم الكبير" ١: ٤٢٤، و"المعجم المختص": ٩٥ - ٩٦ و"تذكرة الحفاظ" ٤: ١٤٧٧ - ١٤٧٩، والإسنوي في "طبقات الشافعية" ١: ٢٧٠، وابن كثير في "البداية" ١٤: ٤٢، وابن الجزري في "غاية النهاية" ١: ٤٧٢ (١٩٧٢)، وابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية" ٢: ٧٥، وابن حجر في "الدرر الكامنة" ٤١٧: ٢، وابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" ٨: ١٧١ - ١٧٢، والزركلي في "الأعلام" ٤: ١٦٩، وغيرهم.
(٣) "الذيل على العبر" لأبي زرعة العراقي ١: ٧١، و"التبيان" لابن ناصر الدين ١٥٦ / ب، و"الدرر الكامنة" ٤: ٣٥٣، و"لحظ الألحاظ": ١٣٦.
1 / 22
٥ - علي بن نصر الله بن عمر، أبو الحسن القرشي، المصري، ابن الصواف، المُسْنِد، الشافعى.
توفي سنه ٧١٢ هـ وقد جاوز التسعين.
سمع أكثر النسائي عن ابن باقا، وتفرَّد واشتهر، وسمع أيضًا من جعفر الهمذاني، والعلمِ ابن الصابوني، وغيرهما، ورحل الناس إليه وأكثروا عنه (١).
سمع منه مغلطاي (٢).
٦ - ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المُنَجَّى، أم عبد الله التنوخية، الدمشقية، الحنبلية.
وتدعى: وزيرة بنت القاضي شمس الدين عمر، بن شيخ الحنابلة وجيه الدين، مُسْنِدَةُ الوقتِ، رُحْلَةُ زمانها.
ولدت سنة ٦٢٤ هـ، وتوفيت فجأة سنة ٧١٦ هـ.
_________
(١) ترجمه: الذهبي في "ذيل العبر": ٣٥، وابن حجر في "الدرر الكامنة" ٣: ١٣٦، وابن العماد في "شذرات الذهب" ٦: ٣١.
(٢) "الذيل على العبر" للعراقي ١: ٧١، و"لسان الميزان" ٧٣: ٦، و"لحظ الألحاظ": ١٣٥.
1 / 23
روت عن أبيها، وابن الزُّبَيري، وحَدَّثَتْ بدمشق ومصر، وكانت طويلةَ الرُّوح على سماع الحديث، وكانت على خيرٍ عظيم (١).
روى عنها مغلطاي (٢).
٧ - محمد بن محمد بن عيسى بن الحسن، الجلال، القاهرى، طباخ الصوفية.
توفي سنة ثماني عشرة وسبع مائة.
حدث عن ابن قُمَيرة، وابنِ الجُمَّيْزيِّ، والسَّاوِيِّ، وطائفة (٣).
سمع منه مغلطاي (٤).
٨ - الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل، الكُرْدي، أبو علي وأبو محمد، الدِّمَشْقيُّ، المقرئ، الرُّحْلة.
_________
(١) ترجمها: الذهبي في "ذيل العبر": ٤٤، وابن حجر في "الدرر الكامنة" ٢: ١٢٩، وابن تغري بردي في "النحرم الزاهرة" ٩: ١٦٩، وكناها بأم محمد، وابن العماد في "الشذرات" ٦: ٤٠.
(٢) "التبيان لبديعة البيان" ١٥٦ / ب، و"لسان الميزان"، ٦: ٧٢، و"لحظ الألحاظ": ١٣٦.
(٣) ترجمه: الذهبي في "ذيل العبر": ٤٩، وعنه ابن العماد في "الشذرات" ٦: ٥١.
(٤) "الدرر الكامنة"٤: ٣٥٢، و"لحظ الألحاظ ": ١٣٤، و"النجوم الزاهرة" ٨: ١١، وعنده وعند ابن فهد: "ابن الطباخ".
1 / 24