117

Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali

دروس للشيخ عبد الله الجلالي

Türler

العقوبة أنواع وأعظمها الانحراف عن الدين يعرف الناس أشد الغفلة، وهي: يظن الناس أن العقوبة تكون عقوبة حسية: زلازل براكين تتفتح في الأرض صواعق تنزل من السماء رياحًا وعواصف جدبًا، فتنًا وحروبًا داخلية بين الناس، اضطرابات، وهذه كلها أنواع من العقوبة، لكن هناك نوع من العقوبة لا يعرفه كثير من الناس وهو ما أشار الله ﷿ إليه بقوله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، قد يكون الناس في نعيم ورغد من العيش، ورخاء وطمأنينة، وتفجر لهم الخيرات من وراء آلاف الأقدام في جوف الأرض، ويعيشون في قصور مترفة، لكن الفتنة موجودة، وهي الانحراف عن الدين. فالانحراف عن الدين عقوبة، يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، إذًا: احذروا أن تصيبكم هذه العقوبة التي تختلف عن العقوبات التي أصابت الأمم السابقة، فالذي أهلك أممًا بالغرق، وأهلك أممًا بالصاعقة، وأهلك أممًا بالريح وأهلك وأهلك، قد يهلككم بالفتنة، وهي الانحراف عن الدين، وهذا هو الشيء الذي لا يدركه كثير من الناس؛ لأن العقوبة لو نزلت على أساس أمر مادي يهلك الأجسام كما نزل على الأمم السابقة لكانت الأمم تدرك مقدار هذه العقوبة، لكن تجد أمة يعطيها الله من الخيرات والنعيم، وهي تبتعد عن الله بمقدار ما يأتيها من النعيم، فهذه قد أصيبت بعقوبة ليس لها نظير من العقوبات في الأمم السابقة، وهي التي أشار الله ﷿ إليها بقوله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً). وهي التي أشار الله ﷿ إليها بقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:٥]، وهي التي أشار الله تعالى إليها بقوله: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء:٧٩]، أي: العقوبة، فالمعصية تجر معصية وراءها، وتكون الثانية عقوبة على الأولى، وكل معصية تجر وراءها معصية أكبر منها إلى أن يمرق هذا الإنسان من دين الله تعالى، فلا يبقى عنده أي شيء من دين الله. فهذا هو معنى قوله تعالى: (واتقوا فتنة)، وهو الذي أشار الله تعالى إليه بقوله في آخر سورة النور: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:٦٣]، لماذا أتى بـ (أو)؟ لأن العذاب الأليم غير الفتنة، فإن العذاب الأليم يصيب الجسد، والفتنة تصيب القلب والروح والمعنى، والأولى المذكورة في الآية أخطر من الثانية، لأن عقوبة الجسد تنتهي في هذا الإنسان بأجله الذي كتبه الله تعالى عليه، ولربما يتجاوز الله عنه، لكن حينما يصاب بالكفر والانحراف عن الدين، فهذه فتنة لا تساويها فتنة أخرى. ولذلك أقول: إنني ألاحظ في عالمنا اليوم، وفي دنيا الناس اليوم: أن كثيرًا منهم أصيب بهذا النوع من هذا العذاب، وبهذه الفتنة العمياء، فأصبحنا نشاهد كثيرًا من الذين انحرفوا عن دين الله يصابون في عقيدتهم وفي دينهم حتى خرجوا عن الإسلام دون أن يجدوا رادعًا، بل منهم من أعلن عن كفره وردته، ومنهم من غطى كفره وردته بغطاء شفاف يشف عما تحته، وبعضهم يتكتم كما يتكتم المنافقون قال تعالى: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة:٥٢]. إذًا: معنى قوله تعالى: (واتقوا)، أي: احذروا، (فتنة)، أي: عقوبة ليست كالعقوبات السابقة التي أصابت قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، لكنها فتنة من نوع آخر تصيب القلب والروح، ويصعب على هذا الإنسان أن يحدد مقدار هذه الفتنة، وموقعها من القلب.

4 / 10