ملحوظات على الناس في الإحرام
الآن ننطلق إلى الملحوظات على الناس في الإحرام، وهذه الملحوظات كانت تُلْقى سابقًا في ثلاثة دروس أو أربع محاضرات، إذْ لا تكفي محاضرة واحدة؛ لكن نسرع بعض الشيء.
الملحوظة الأولى: عند الإحرام حيث يعتقد بعض الناس وجوب الاستحمام، فتجد بعض الناس -هداهم الله- ينطلقون أيام الشتاء إلى الاغتسال، ومعروف أن منطقة الطائف باردة، فإذا دخلت دورات المياه سمعتَ الشهيق، كأنَّ إنسانًا سيموت، وماذا تجد؟! ما الذي حصل؟! الحاصل أنهم يستحمون! فنقول: الاستحمام ليس للوجوب، بل يكفي المسلم أن يتوضأ، فلا حاجة لقضية الشهيق والزفير، فإن المسلم ما جعل الله عليه في الدين من حرج.
إن كانت ثَمَّة مشقة عليه فليتوضأ والحمد لله، فإن الاستحمام ليس من الواجبات.
الملحوظة الثانية: إحرام بعض الحجاج والمعتمرين من مطار جدة، فهو يستحيي أن يخلع ملابسه أمام الناس؛ لأن ذلك عنده عيب! فنقول: يمكن للمسلم أن يلبس إحرامه في الطائرة، أو قبل ذلك في أهله، يلبس الإزار ويترك الرداء، ويلبس عليه ثوبه، وإذا أُخْبِر بأنه وصل إلى الميقات ماذا يعمل؟ يخلع ثيابَه وإزارَه عليه، وليس عليه سراويل، ثم يلبس الرداء عليه، ثم يكمل.
كنتُ وجدتُ من اللطائف أن رجلًا من البادية -هداه الله- كان يسعى معنا في المسعى، وعليه إحرام خفيف، فوجدتُ عليه سروالًا ذا خط أخضر، فعجبتُ لهذا، فقلت له: جزاك الله خيرًا، اخلع سراويلك.
قال: (وَخِّرْ بَسْ وَخِّرْ إِنْتْ) كأنه يقول: أنا أخلع سراويلي؟! كيف هذا؟! وهذا من الجهل.
فالإنسان ينبغي له أن يتأدب بآداب هذا الدين، ويلتزم به، فنحن نتجرد من المخيط سمعًا وطاعة، فلو قيل لواحد منا الآن: والله لَتَخْلَعَنَّ سروالَك أو لَتُقْطَعَنَّ رقبتُك! فإنه لن يخلعه، لا يمكن له ذلك، بل يقاتل أمامه، حتى ولو كان عليه الثوب، أو عليه الإزار، فإنه لا يستطيع؛ لكنه لما جاء الميقات قال: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله.
وهذا يدل على الاستجابة لله وللرسول، ونسأل الله أن نكون من الذين يستجيبون لله ولرسوله.
الملحوظة الثالثة: بعض النساء -هداهن الله- تعتقد أنه لا بد أن تفصل لها إحرامًا أخضر، وإذا لم تلبس الإحرام الأخضر أو الأسود فإنها تعتقد أنها لم تعتمر، فتعتقد أن كل عمرة لا بد لها من تفصيل جديد، فتذهب إلى الخياط ليخيط لها إحرامًا، رغم وجود الإحرام السابق من العام الماضي والذي قبله، وهذا من الجهل، فيمكن للمرأة أن تلبس أي ثوب من ثيابها بشرط ألا يكون فيه زينة، فتوجَدُ قمصانٌ طويلة بعشرين ريالًا أو بثلاثين ريالًا، يمكن للمرأة أن تلبسها.
الملحوظة الرابعة: أن بعض النساء من البادية تحرم وتلبس البرقع في نفس الوقت، فالمرأة المحرمة لا يجوز لها أن تلبس البرقع، فماذا تفعل؟! تغطي وجهها إذا كان ثَمَّ رجال، أما إذا لم يكن هناك رجال فإنها تكشف وجهها، وما دام أن الناس الآن كثير، فيمكنها أن تسدل على وجهها شيئًا، ولا حاجة لِأَنْ تلبس البرقع.
الملحوظة الخامسة: بعض الشابات اللاتي يُسَمَّيْن (مُطَوِّعات) -كما يُسَمَّى الشبابُ الملتزمُ (مُطَوِّعِين) - بعضهن يلبسن مع الإحرام القُفَّازَين، فإني أنُبِّه على هذا! وهذا من الخطأ، فإن المرأة لا تلبس البرقع ولا القُفَّازين.
فنقول للأخت المسلمة: ما دمتِ تَرَين أن هذا دين فماذا تعملين؟ تغطي يدَيكِ بعباءتكِ فيَسْتَتِران.
أما أن تلبس المرأةُ القُفَّازين وتصبح كبعض النساء -هداهن الله- اللاتي يلبسن القفازين، فتمشي كأنها رجل، فاتحةً ورافعةً لصدرها، وكأن الأمر ليس فيه شيء، فلا.
فكان الأولى للمرأة أن تمشي بسَمْتِ المرأة لا بسَمْتِ الرجل، فتُرَى عليها آثار الأنوثة، لا آثار الرجولة.
الملحوظة السادسة: دخول بعض النساء إلى الحرم وهي حائض، بعض النساء تستحي أن تخبر بذلك، فتطوف وتسعى، ثم إذا وصلت إلى الرياض قالت: أنا ما طفتُ ولا سعيتُ؛ ولكني كنتُ حائضًا.
كان الأولى بها ألا تطوف ولا تدخل الحرم، فلا يجوز لها أن تدخل المسجد الحرام وهي حائض، فماذا تعمل؟! تجلس في السيارة حتى تعتمر صُوَيْحِباتِها، ثم إذا انقضى حيضها اغتسلت مرة أخرى، ثم بعد ذلك تطوف وتسعى وتقضي عمرتها.
الملحوظة السابعة: بعض النساء ما دامت حائضة فإنها تقول: والله لن أحرم، ولن أدخل الحرم؛ ولكنها تذهب إلى مكة! وهذا من الجهل.
فنقول لها: أحرمي كما فعلت نساء الصحابة ﵅ بل كما فعلت عائشة ﵂ وأرضاها، فإن النبي ﷺ أمر أسماء بنت عميس فقال: (استثفري.
ثم أمرها أن تغتسل، ثم أمرها أن تحرم وتلبي؛ وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت) .
إذًا لا طواف بالبيت فقط، فتحرم وتبقى في الشقة أو في الفندق الذي جلست فيه حتى إذا قضت من حيضها اغتسلت، ثم دخلت المسجد الحرام للطواف.
الملحوظة الثامنة: عدم حرص المسلم على النظافة، سواء في الإبطَين أو في العانة أو في غير ذلك فينبغي للمسلم أن يكون حريصًا على التنظُّف.
الملحوظة التاسعة: اعتقاد بعض الناس أن هناك سنة للإحرام، وليس ثمة سنة، وإنما إذا وُجِدت فريضة فهذا فِعْل المصطفى ﷺ، وإن وُجِدَت سنةٌ ذاتُ سبب جاز ذلك.
الملحوظة العاشرة: التلفظ بالنية، فبعض الناس يقول: اللهم إني نويت أن أعتمر.
فنقول: النية محلها القلب، والتلفظ بالنية بدعة، فلا حاجة لذلك.
الملحوظة الحادية عشرة: بعض الناس يلبي عند بدء الإحرام فقط، وأما في أثناء الطريق فيتكلمون، وبعض الناس ينام أو يكسل عن التلبية، وهذا من الخطأ، فإن الصحابة كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية، حتى قال النبي ﷺ: (أربَعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عُنُق راحلته)، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:١٨٦] .
الملحوظة الثانية عشرة: التلبية الجماعية، فتجد أن مَن كان في سيارة (الجيمس) أو حافلة (الأوتوبيس) أو غيرهما، والسائق معهم، كلهم يلبون بصوت واحد: لبيك اللهم لبيك، وهم يدوُّون بتلك التلبية.
نقول: إن هذا ليس على هدي المصطفى ﷺ، فلْيُلَبِّ كلُّ واحد بمفرده، ولا يلبِّ تلبيةً يزعج بها إخوانه أو يشغلهم بها، فيمكنه أن يلبي على أي حال، وكل إنسان يلبي منفردًا، ولا حاجة للتلبية الجماعية.
الملحوظة الثالثة عشرة: شراء كتاب الأدعية وقد نبهنا عليه.
الملحوظة الرابعة عشرة: الإسراف في الماء:- نقول: الحمد لله أن الدولة يسرت الأمر؛ ولكن هذا يقول: الحمد لله، الخسارة على وزارة المالية، وليس علينا شيء!! وهذا من الجهل، فينبغي للمسلم ألا يسرف، والرسول ﷺ قال: (لا تسرف ولو كنت على نهرٍ جارٍ)، كما رُوِي في الأثر.
والإسراف على وجه العموم مَنْهِيٌّ عنه، فتجد بعض الناس ساكنًا في الحمام، جالسًا ساعةً أو ساعةً ونصف الساعة ليتنظف، وكأنه جاء مِن أماكنَ مُوْحِلة، أو مِن قفار، وكأن كلَّ جسده قذَرٌ ووسَخ.
فكلنا نتنظف يوميًا تقريبًا، فالحمد لله تيسرت الأمور، ولم يَعُد الناس كالسابق، يمضي على أحدهم الأسبوع والأسبوعان دون أن يستحم، بل إن الإنسان يستحم في الأسبوع مرتين أو ثلاث مرات، والحمد لله الذي يَسَّر.
فيكفي الإنسان أن يفيض الماء، بدلًا من أن يحبس إخوانه، ويحجز الحمام ويجلس، ويَحدُثُ مِن ثَمَّ الخصام، فهذا يقرع، وهذا يتهجَّم، وهذا ربما يفتح عليه الباب، وهذا يدخل.
فكان الأولى أن يجلس الإنسان قليلًا من الوقت، ثم يخرج ليفسح المجال لإخوانه.
الملحوظة الخامسة عشرة: السنَّة أن يستقبل الإنسان القبلة، ثم يلبي فيقول: اللهم هذه حجة، أو اللهم هذه عمرة ولا رياء فيها ولا سمعة.
الملحوظة السادسة عشرة: أن يكثر الملبِّي من التلبية، فإنه قد ورد عن النبي ﷺ: (ما من أحدٍ يُلَبِّي إلا لَبَّى ما عن يمينه وعن شماله من شجر أو حَجَر، حتى تنقطع الأرض من هنا ومن هنا) فيسمعون تلك التلبية ويشهدون، وتلك التلبية العظيمة تذكِّر بالاستجابة لله ولرسوله.
الملحوظة السابعة عشرة: أن الإنسان إذا دخل الحرم ينسى دعاء دخول المسجد، فهمُّه أن يدخل إلى الحرم فقط، ودعاء دخول المسجد يسبقه تقديم رجله اليمنى، هذه كلها ينساها، وبعض الناس قبل أن يدخل ينظر هل بدأ برجله اليمنى أم باليسرى؛ لأنه لم يتعود على هذه السنة، فقد كان الصحابةُ جوارحُهم تعمل تلقائيًا، ويطبقون تطبيقًا كاملًا ﵃ وأرضاهم.
وكذلك تجد بعض الناس إذا دخل ينسى أن يدعو بدعاء الدخول، وهو: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم) .
ثم بعد ذلك يجوز له أن يدعو دعاء المسجد المعروف، كما ثبت عن عمر بن الخطاب قوله: [اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحَيِّنا ربَّنا بالسلام] .
3 / 48