بكل أرض وطئتها أمم
ترعى بعبد كأنها غنم!
يستخشن الخز حين يلمسه
وكان يبرى بظفره القلم! •••
والآن نعرض للأشكال المختلفة التي حارب بها الشعوبية العرب:
فقد عمدوا إلى مزية العرب الظاهرة التي يعتزون بها ، وهي البلاغة، وقوة الخطابة، وحضور البديهة، فأخذوا ينتقصونهم في ذلك من نواح مختلفة:
كان العرب إذا خطبوا أكثروا من الإشارة بأيديهم، يمثلون بها أغراضهم، ويستعينون بذلك على إيضاح المعنى، وقوة التأثير في السامعين، وكثيرا ما يستعملون في إشاراتهم المخصرة (وهي ما يمسكه الإنسان بيده من عصا، أو مقرعة أو عكازة أو قضيب)، وكثيرا ما كانوا يشيرون في خطب السلم بالمخصرة، وفي خطب الحرب بالقسي، وأحيانا كانوا يتكئون أثناء خطبهم على القسي، وكثيرا ما يلبسون للخطابة زيا خاصا؛ فيضعون العمامة وضعا يدل على تأهبهم للخطابة، فجاءت الشعوبية تهزأ بهم في ذلك، وتقول: أي ارتباط بين الكلام والعصا، وبين الخطبة والقوس، وهما إلى أن يشغلا العقل، ويصرفا الخواطر، ويعترضا الذهن أشبه، وليس في حملهما ما يشحذ الذهن، ولا في الإشارة بهما ما يجلب اللفظ. وقد زعم أصحاب الغناء أن المغني إذا ضرب على غنائه قصر عن المغني الذي لا يضرب على غنائه، وحمل العصا بأخلاق الفدادين أشبه، وهو بجفاة الأعراب وعنجهية أهل البدو، ومزاولة إقامة الإبل على الطرق أشكل، وبه أشبه.
23
وقد رد عليهم الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، وأفرد لذلك بابا خاصا سماه «كتاب العصا» من أجل ذلك، كما عابوهم في جوهر الموضوع، فقالوا: ليست الخطابة ميزة امتزتم بها وحدكم؛ فهي شيء في جميع الأمم، حتى إن الزنج مع غباوتها، وفساد مزاجها لتطيل الخطب. وأخطب الناس الفرس لا العرب، ولهم فوق خطبهم التأليف في صناعة البلاغة، ومعرفة الغريب ككتاب «كازوند»، ومن احتاج إلى العقل والأدب والعلم بالمراتب والعبر والمثلات، والألفاظ الكريمة والمعاني الشريفة؛ فلينظر إلى سير الملوك (ملوك الفرس).
24
Bilinmeyen sayfa