187

Dr. Ragheb El-Sergany's Lessons

دروس الدكتور راغب السرجاني

Türler

سنة الله في إهلاك المكذبين من الأمم السابقة
وكانت سنة الله ﷿ في إهلاك الظالمين السابقين قبل رسول الله ﷺ أن يهلكهم بخارقة، وكان المؤمنون لا يرفعون سيفًا ولا يشتبكون في قتال، فلما حدثت هذه الخطورة على بيت الله الحرام طبقت هذه السنة الإلهية حتى في غياب المؤمنين.
وهذا ما كان يحدث أيضًا مع الأنبياء السابقين قبل رسول الله ﷺ، فنوح ﵇ -على سبيل المثال- لما كذبه قومه وشعر أنه لا أمل في إيمانهم دعا الله ﷿ عليهم، كما صور الله ﷿ ذلك في كتابه الكريم فقال: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر:١٠]، قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر:١١ - ١٣]، فلم يحدث لقاء بين المؤمنين وبين الكافرين، وإنما جاء الطوفان وحمل الله ﷿ المؤمنين في السفينة، وكانت النجاة بهذه الخارقة.
ولوط ﵇ أيضًا لما كذبه قومه قال: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء:١٦٩]، فجاءت الأوامر من الله ﷿: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [الحجر:٦٥].
ثم بعد أن خرج لوط ﵇ من القرية الظالمة قال الله ﷿: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الحجر:٧٤].
وحتى بنو إسرائيل الذين حملهم الله ﷿ أمانة إقامة دولة وإنشاء أمة لما أحيط بهم في أرض مصر وانقطع أمل موسى ﵇ في إيمان فرعون وقومه قال موسى ﵇ كما قال الله ﷿ في كتابه: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس:٨٨]، فجاء الأمر الإلهي: ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ [الدخان:٢٣]، ولم يحدث لقاء بين قوم موسى وبين فرعون، ولم يؤمر قوم موسى بقتال فرعون وجنوده، وإنما أمروا بالخروج من مصر إلى غيرها، فانطلق موسى ﵇ ومن معه من بني إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، فلما وصلوا إلى هناك فقد بنو إسرائيل الأمل في النجاة؛ لأنهم رأوا جيوش فرعون من ورائهم، والله ﷿ يصور هذا الموقف في كتابه الكريم فيقول: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء:٦١ - ٦٢]، فالكلمة الوحيدة المؤمنة التي قيلت في مثل هذا الموقف هي كلمة موسى ﵇، ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء:٦٢]، وأما بقية القوم فإنهم اضطربوا اضطرابًا شديدًا لما رأوا جيش فرعون، ومع ذلك قال الله ﷿: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ﴾ [الشعراء:٦٣ - ٦٥]، ولم يكن هناك ضحايا ولا شهداء، وكل بني إسرائيل نجوا مع كونهم قالوا: (إنا لمدركون)، ثم قال ﷿: ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾ [الشعراء:٦٦]، فشق البحر وأهلك فرعون عليه لعنة الله ومن معه من الجنود.
وكانت حادثة الفيل هي آخر الحوادث التي نصر فيها الدين بخارقة، وما زالت سنة إهلاك الظالمين باقية: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم:١٣]، وهذا الكلام ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [إبراهيم:١٣] مطلق، ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم:١٤]، فأي أمة تخاف مقام الله ﷿ وتخاف وعيده ﷿ فلا بد أن تمكن في النهاية، ولا بد أن يهلك الظالمون لها، فهي سنة ماضية إلى يوم القيامة.

8 / 3