Doroos Al-Sheikh Hassan Abu Al-Ashbal
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
Türler
شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يشترط فيه شروط: الشرط الأول: أن يكون عالمًا بالمعروف، عالمًا بالمنكر، لا يدعو بجهل وعلى جهل فيفسد أكثر مما يصلح، فربما ظن أن المعروف منكرًا، أو أن المنكر معروفًا، فذهب يأمر بالمعروف وهو في حقيقته منكر، فيكون قد أمر بالإفساد في الأرض من حيث لا يدري.
أو يذهب لينهى عن المنكر في ظنه وزعمه، وهو في حقيقة أمره معروف، فيكون قد عطل شرع الله، ظنًا منه أنه ليس من دين الله ولا من شرعه.
ولما كان الآمر والناهي لابد أن يكون عالمًا بما يأمر وينهى كان هذا الواجب العظيم لا يقوم به إلا طالب العلم.
الشرط الثاني: أن يبلغك العلم الجازم أن فلانًا قد فرط في المعروف، أو أنه قد اقترف المنكر، ولا يكفي في ذلك الظن؛ لأن الظن لا يغني من الحق شيئًا، والله ﵎ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات:١٢].
فلا يكفي أن تعتقد أن هذا الرجل يركب سيارة مع امرأة، فتذهب تشنع عليه أنه قد ركب مع امرأة أجنبية، فربما كانت أمه، أو زوجه، أو أخته أو محرمًا له، ولابد أن تتأكد أنها امرأة أجنبية إذا دعت الحاجة لبحث ذلك والتفحص عنه، وأنت غير مطالب بأن تذهب وتسأله: من التي كانت معك في يوم كذا في سيارة كذا؟ ومن هي التي كانت تجلس معك على الطريق الفلاني في المكان الفلاني؟ ولكن إذا وقع لك ذلك اتفاقًا فحينئذ يجب عليك أن تنهاه عن هذا المنكر.
وإذا لم تر فلانًا يصلي معك في المسجد فلا يعني بالضرورة أنه تارك للصلاة، فربما يصلي في مسجد آخر، أو يصلي في بيته، أو له عذر يمنعه، لابد أن تتيقن أنه تارك للصلاة حتى يتسنى لك أن تنهاه عن هذا المنكر.
أما أن يغلب على ظنك، أو أن تظن فيه ظن السوء، ثم تذهب فتنكر عليه وربما تغلظ له في الإنكار بأن تسب أو تضرب أو تشتم، أو تلعن، ثم يتبين لك بعد ذلك أنه أحسن منك خلقًا، وأنه يصلي أكثر منك، وأنه يقوم الليل، وما منعه عن جماعة المسجد إلا العذر، فماذا يكون موقفك؟ لابد من معرفة أن المنكَر عليه قد أتى المنكر حقًا، أو فرط في المعروف حقًا.
الشرط الثالث: ألا يُحدث تغييرك للمنكر منكرًا أعظم منه.
هذا هو المدرج في قواعد الفقهاء: أن دفع أكبر المفسدتين بأصغرهما من أوجب واجبات الفقه.
رجل يشرب الخمر، ولكنه تركها وترك أهلها وصحبتها، ثم أقبل على التدخين وكله محرم، ولكن حرمة التدخين بالقياس، وحرمة الخمر بالنص، وما كان حرامًا بالنص يقدم على ما كان حرامًا بالقياس.
ولذلك النظر إلى المرأة الأجنبية حرام، والزنا بها أشد حرمة، لكن شتان ما بين هذا وذاك، ولذلك دفع أكبر المفسدتين بأقلهما لا يعلمه إلا العالمون وأصحاب العقول السليمة، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام:١٠٨].
فالله ﵎ ما حرم سب المشركين مطلقًا، وإنما حرم سب المشركين في وجوههم مخافة أن يسبوا الله ﷿ عدوًا بغير علم؛ فترك مسبتهم وشتمهم ولعنهم في وجوههم هو من باب المحافظة على جناب الله، وعلى جلاله وكماله من أن ينتهكها هؤلاء المشركون.
لو أن رجلًا ترك الخمر، وأقبل على التدخين، فنهرته كما كنت تنهر شارب الخمر، ثم أنت تعلم أنه لو ترك الدخان سيذهب إلى هذه الخمارات وإلى صحبته الأولى، فهل يجوز لك حينئذ أن تنهاه عن الدخان؟
الجواب
لا يجوز بإجماع العلماء؛ لأنه يغلب على الظن، أو على اليقين أنه يتركني والحالة هذه، ثم يذهب إلى المعصية الكبرى وهي شرب الخمر.
ولذلك يروض العاصي برفق وبحنان، خصوصًا إذا كان من النوع الذي إذا نصحته: يا فلان لم تغضب؟ ولم تسب؟ ولم تلعن؟ ولم قلت كذا وكذا؟ فإن النبي ﷺ قال: (ليس المسلم بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء)، ثم أتيت له بأدلة من الكتاب والسنة، اعتدى عليك وعلى الكتاب والسنة، وعلى رسولك وعلى دينك وشرعك، دعه حتى تهدأ ثورته، ثم تخير الوقت المناسب وانصحه فيه.
وهذا فقه عظيم جدًا ينبغي أن يتمثله جميع المسلمين وخاصة طلاب العلم.
الشرط الرابع: هل يشترط في الآمر والناهي أن يكون عاملًا بما يأمر منتهيًا عما ينهى؟ هذا شرط محل خلاف بين أهل العلم، الراجح: أنه لا يلزم ذلك، ولا يشترط، ولذلك قيل للحسن البصري وهو من هو في العلم والورع والإمامة والعدالة، قيل له: يا إمام أكل ما تأمرنا به تعمله؟ قال الحسن البصري: ومن يطيق ذلك.
و(ذهب أبو الدرداء إلى عائشة ﵄ وقال لها: يا أم المؤمنين! هل سمعت النبي ﷺ يقول في كيت وكيت بشيء؟ فقالت: يا أبا الدرداء! أعملت بما علمت؟ قال: لا، قال: فماذا تفعل بازدياد حجة الله عز
6 / 9