ويوصف تعالى بأنه راحم لعباده، ومعنى راحم أنه منعم وأنه ناظر لعباده، /10/ وأنه محسن إليهم. وقد بين الله تعالى ذلك فقال: {ومآ أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (¬1) ، فإرساله النبي j هو نعمة منه تعالى على عباده، وهو رحمة منه لهم، كقوله تعالى في وصف القرآن: إنه هدى ورحمة لقوم يؤمنون (¬2) . والقرآن نعمة من الله تعالى على عباده، فسماه رحمة لهم. وقد أجمع أهل اللغة والمسلمون على أن الغيث رحمة، والغيث أيضا هو نعمة من الله تعالى، فعلمنا بهذا أن معنى الرحمة من الله عز وجل معنى النعمة.
* مسألة [اختلاف رحمة الله عن رحمة العباد]:
فإن قال قائل: أفليس الرحمة من الله عز وجل معنى النعمة منا هي رقة القلب؟ قيل: لا؛ لأن رقة القلب ليست هي فعل الراحم، والرحمة هي فعل الراحم منا. وذلك أن الرقيق القلب ربما حمل نفسه على قتل من يرق له قلبه، فلا يكون راحما له إذا قتله، وإن كان قلبه رقيقا عليه، وإنما الرحمة له تخليته له، وإرادته له الصلاح والنجاة. وإنما توهم قوم أن الرحمة هي رقة القلب، وسموا من كان رقيق القلب رحيما لكثرة ما توجد الرحمة من الرقيق القلب. كما سمى قوم الشهوة محبة لكثرة ما توجد المحبة مع الشهوة، والشهوة في الحقيقة خلاف المحبة.
فصل [وصف الله تعالى بأنه مصلح وخير]:
ويوصف الله تعالى بأنه مصلح؛ لأن فاعل الصلاح يسمى مصلحا.
ويوصف بأنه خير؛ لأن فاعل الخير إذا كثر ذلك منه استحق أن يقال له: "خير"، فلما كان فعل الخير من الله تعالى موجودا وجب أن يسمى خيرا.
Sayfa 17