كأنّهَا بَعْدَما أفْنَيْتُ جُبْلتها ... خَنْساءُ مَسْبُوعَة ٌ قَد فاتَها بَقَرُ (١)
تَنْجُو نَجَاءَ ظَلِيمِ الجَوِّ أفْزَعَهُ ... ريحُ الشَّمَالِ وشَفّانٌ لها دِرَرُ (٢)
باتَت إلى دَفِّ أرْطاةٍ تحفِّرهُ ... في نَفْسِها مِنْ حَبيبٍ فاقِدٍ ذِكَرُ (٣)
إذا اطمَأنَّتْ قَليلًا بَعدَما حَفَرَتْ ... لا تَطْمَئِنُّ إلى أرطاتِها الحُفَرُ
تَبْني بُيُوتًا على قَفْرٍ يُهَدِّمُها ... جَعْدُ الثّرَى [مُصْعَبٌ] في دَفّه زَوَرُ (٤)
لَيْلَتَها كُلَّها حتى إذا حَسَرَتْ ... عَنها النّجومُ، وكادَ الصُّبحُ يَنسَفِرُ
غَدَتْ على عَجَلٍ، والنّفسُ خائفَة ٌ ... وآيَة ٌ مِنْ غُدُوٍّ الخائِفِ البُكَرُ
لاقَتْ أخَا [قَنَصٍ] يَسْعَى بأكْلُبِهِ ... شَئْنَ البَنانِ لدَيْهِ أكلُبٌ جُسُرُ (٥)
وَلَّتْ فَأدْرَكَها أُولَى سَوَابِقِها ... فأقْبَلَتْ ما بِها رَوْعٌ وَلا بَهَرُ (٦)
فقاتَلَتْ في ظِلالِ الرَّوْعِ واعتكَرَتْ ... إنَّ المُحاميَ بَعدَ الرَّوْعِ يَعْتَكِرُ
قد يقبلُ الضَيمَ الذليلُ المَسيَّرُ [الطويل]
أنشد ذات مرة يعنف بعض قبائل بني عامر ويعيرهم بعدم الحفاظ وقبول الدية:
وَلمْ تَحْمَ عَبدُ اللّهِ، لا درَّ دَرُّها، ... على خيرِ قَتْلاها، ولم تَحْمَ جَعفرُ
_________
(١) الخنساء: البقرة الوحشية ذات الأنف القصير. مسبوعة: التي أكب السبع ولدها.
(٢) الجو: ما اطمأنّ من الأرض. الشفّان: الريح الباردة. الدرر: جمع: درة، وهي الدفقة من المطر.
(٣) الدف: الجانب. الأرطأة: الواحدة من الألاطى، وهي نبتة شجيرية من الفصيلة البطاطية تنبت في الرمل. ويخرج من أصل واحد كالعِصِي، ورقه دقيق وثمره كالعُنّاب.
(٤) مصعب: أي صعب شديد. زور: أي ميل وما بين قوسين يروى بلفظ: [مائل]
(٥) شئن: ذو الأصابع الغليظة. وما بين قوسين يروى بلفظ: [جشر]
(٦) الروع: الهلع والفزع. البهر: انقطاع النفس بسبب العدو الكثير.
1 / 40