فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم عنه، فكتموه، فقال: والله لا حفظت لكم متاعًا، ولا سرّحت لهم لعيرًا أو تخبروني فيم أنتم؟
وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصدّ عنا وجهه.
فقال لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول محضّ لا يلتفت إليه النعمان أبدًا؟ فقالوا: وهل عندك شيء؟ قال: نعم. قالوا: فإنا نبلوك.
قال: وما ذاك؟ قالوا: تشتم هذه البقلة؟ فقال: هذه التربة التي لا تذكي نارًا، ولا تؤهل دارًا، ولا تسرّ جارًا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، وأقبح البقول مرعىً، وأقصرعا فرعًا، وأشدّها قلعًا، بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فالقوا بي أخا عَبْس، أردّه عنك بتعس، وأتركه من أمره في لَبْس.
قالوا: نصبح ونرى فيك رأينا.
فقال عامر: انظرو إلى غلامكم هذه –يريد لبيدًا- فإن رأيتموه نائمًا فليس أمره شيء، إنما هو يتكلم بما جاء على لسانع، وإن رأيتموه ساهرًا، فهو صاحبه.
فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلًا، وهو يكرم وسطه حتى أصبح، فقالو: أنت والله صاحبه.
فعمدوا إليه فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابته، وألبسوه حلّة ثم إذا معهم وأدخلوه على النعمان، فوجوده يتغذّى ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان لا ثالث لهما والدار والمجالس مملوءة من الوفود، فلما فرغ من الغداء أذِن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان أمرهم تقارب، فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم، فقال لبيد في ذلك:
أكلّ يوم هامتي مقزّعه
1 / 7