Edebi ve Sosyal Mezhepler Üzerine Çalışmalar
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Türler
لا نعتقد أن فاروقا كان يعقل أن يضع لنفسه سياسة يحمي بها عرشه ويوطد عليها دعائم ملكه، ولكنني أرجح أنه تلقى من أبيه وصية مكتوبة أو محفوظة تلخص له قواعد السياسة التي يعتمد عليها لحماية العرش وتوطيد دعائم الملك، ومنها الاحتفاظ بولاء الجيش وولاء الأزهر، وقد كان أبوه يحاول الاحتفاظ بولائهما غاية ما وسعه، ولم يكن وسعه بالقليل.
هذه السياسة - ولا شك - أصح سياسة يوصي بها الملك من يخلفه على عرشه، فليس أنفع للعروش من ولاء القوة والعقيدة، وهما متمثلتان في رجال الجيش ورجال الدين.
ولكنها منفعة لا تتأتى إلا للملك النافع، فإن كان ملكا غير نافع فأخطر الخطر عليه من حيث يقدر الحماية والأمان.
ولهذا كنت أقول وأكرر القول لصاحبي في السنوات الأخيرة على الخصوص: إذا خلع فاروق، فلن يتم خلعه بمعزل عن الجيش أو الأزهر، وقد يخلعانه متفقين.
إن الفاسد يفسد على نفسه كما يفسد على غيره، ولن يكون الملك فاسدا حيث تصلح سياسته لكسب الأنصار والاحتفاظ بولاء أنصاره، فإذا فاته أن يكسب الأنصار المحافظين على ولائه فلا حماية له ولا لعرشه من أحد، وجاءته الرزايا من وجوه المطالب كما قال الشاعر الحكيم.
كل ما فهمه فاروق من الاحتفاظ بولاء الجيش وولاء الأزهر أن يفرض على كل منهما أعوانا وأذنابا يخدمونه ويخدمون مصالحهم في وقت واحد، ووقع في خلده أنهم يخشونه لا محالة ما دامت مصلحتهم مقرونة بمصلحته وما دامت مناصبهم موقوفة على مشيئته، فما زال على هذا الجهل حتى انتهى الأمر إلى موقف لا لبس فيه بينه وبين جيشه؛ إن هؤلاء الخدم الذين فرضهم على الجيش قد أصبحوا لازمين له لحمايته هو من الجيش، ولو وقف الأمر عند هذا لكان الخطب أعظم من أن يستدرك، ولكنه كان أخطر وأفدح من ذلك بكثير؛ كان هؤلاء الخدم يحتاجون إلى من يحميهم هم من الجيش أيضا ولم يكن لهم تعويل على غير مرجع واحد، فمن هو هذا المرجع؟
فاروق!
لقد كانت السياسة الرشيدة أن يحتفظ الملك بولاء الجيش؛ لأن الأمة كلها تدين له بالولاء وتحميه بكل قوة وفي طليعتها القوة العسكرية.
فما زال به الجهل حتى أصبح أذنابه وأعوانه حمى له من الجيش، وهم أعجز من أن يحموا أنفسهم، لو لم يعتمدوا عليه ...!
وصل فاروق إلى هذا الموقف قبل حرب فلسطين، فلما تكشفت تلك الحرب عن فضائح السلاح «لم يبق في الجيش المصري ضابط، ولا جندي يضمر الولاء للملك المجرم الذي بلغت به الضعة - والعياذ بالله - أن يتجر بأرواح جنده وهم في ساحة القتال»، وشملت الريبة كل عامل في القوى العسكرية من المقربين إليه والمقصيين عنه على السواء، وغاية ما بينهما من الاختلاف أن أذنابه المقربين كانوا ينظرون إلى منافعهم ويخشون على مراكزهم، ويحسبون حساب العقاب، ولا يعرفون سبيلا إلى المخرج من المأزق الذي انحصروا فيه ... فيودون لو بقي فاروق حماية لهم، وهم على هذا متوجسون غير مطمئنين إليه.
Bilinmeyen sayfa