Batı Felsefesi Üzerine Felsefi Çalışmalar (İkinci Kısım): Modern ve Çağdaş Batı Felsefesi
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Türler
تعتمد حقائق الفلسفة إذن على العقل وحده، وليس على سلطة الدولة أو الحكومة. وتكون وظيفتها الرقابة على الكليات الثلاث الأخرى، وأن تقدم لها خدمة جليلة؛ لأنها لا تبغي إلا الحقيقة، وهو الشرط الأول للعلم. أما المنفعة التي تقدمها الكليات العليا للدولة، فتأتي في المحل الثاني. ويمكننا أن نترك لكلية اللاهوت هذا الفخر بأنها قد اتخذت كلية الفلسفة خادمة لها، طالما أنها لم تستبعدها، أو تتحكم فيها. إنما المهم أن نعرف هل تسير كلية الفلسفة في المقدمة حاملة المشعل، أم أن كلية اللاهوت تجرها وراءها، فتخفي نورها! ويضاف إلى هذا التواضع الذي تمثله كلية الفلسفة الحرية في فحص الحقائق، ثم إعطاء نتائج هذا الفحص الكليات العليا، وتوصية الحكومة بها، وبأن الفلسفة ليست موضع ريب أو تهمة، وأنه لا يمكن الاستغناء عنها. وتشمل كلية الفلسفة قسمين: العلوم التاريخية التي تعتمد على التاريخ (مثل: التاريخ، والجغرافيا، واللغة، والعلوم الإنسانية، وكل ما يقدمه علم الطبيعة)، والعلوم العقلية الخالصة التي تعتمد على العقل (مثل: الرياضة، والفلسفة، وميتافيزيقا الطبيعة، والأخلاق). ويدخل ضمنها بحث العلاقة بين القسمين من العلوم، وكل أجزاء المعرفة الإنسانية، من حيث إنها موضوع للبحث والفحص والنقد والتمحيص. تطالب كلية الفلسفة إذن بفحص كل العلوم، ولا يمكن للحكومة منعها من ذلك. ويجب أن تقبل الكليات العليا اعتراضها وشكوكها وتساؤلاتها. ومن المؤسف والمحزن حقا أن يسبب نقد الفلسفة هز الكليات العليا، وزعزعة استقرارها وأركانها، والنيل من مكاسبها؛ لذلك فمن الطبيعي أن يعارض رجال الكليات العليا نقد الفلسفة؛ لأنهم يمثلون جهاز الدولة ونظامها وسلطتها. ويمكن للأساتذة العلماء فقط معارضة نقد الفلسفة لأنهم مثل الفلاسفة، ولكن لا يسمح بذلك لعملاء الدولة أساتذة الكليات المتواطئين مع نظام الدولة والداعمين له على حساب الحقيقة. ومن الطبيعي أن يحدث ذلك؛ لأنه لو نقد رجال القانون القانون لحثوا الشعب على العصيان والتمرد، ولو نقد رجال الدين اللاهوت لرفض الناس سلطة الكنيسة، ولو نقد الأطباء قواعد الطب لما وثق المرضى في علاجهم. إنما يمكن للأساتذة العلماء وحدهم النقاش في اعتراضات الفلسفة فيما بينهم، باسم العلم والعقل، من أجل الوصول إلى الحقيقة. وكثيرا ما تسبب هذه المناقشات أن يرجع بعض الأساتذة والطلاب في نهاية الأمر إلى الحقيقة صاغرين؛ فليس هناك أفضل من العقل المستنير، والتسليم بالحق فضيلة.
ويقسم كانط الصراع بين الكليات العليا والكلية الدنيا إلى قسمين؛ صراع غير مشروع، وصراع مشروع. ومن غير المشروع: الصراع العلني بين الآراء والنظريات، سواء أكان صراعا علميا في المضمون (لأن العلم ليس مطلبا للجمهور)، أم في الشكل (لأن النقاش لا يقوم على قواعد موضوعية موجهة إلى عقل الخصم، بل على دوافع شخصية وعواطف وانفعالات، بل وباستعمال الحيل، أو وسائل الترغيب غير المشروعة، مثل : الرشوة، والفساد؛ أو أساليب الإرهاب، مثل: العنف). والخطورة أن يحدث مثل هذا الصراع علنيا أمام الشعب؛ مما يسمح للكليات العليا بتملق أذواق الجماهير والاعتماد على جهلها. فتحاول كل منها أن تقنع الشعب بأنها هي الوحيدة التي تعمل على سعادته. الغاية واحدة، ولكن الأسلوب مختلف، ولما كان الشعب لا يضع هناءه وسعادته في الحرية، بل في غاياته الطبيعية، وهي أن يكون سعيدا بعد الموت، وأن تكون ممتلكاته في الدنيا محفوظة بالقوانين المدنية من طمع الآخرين فيها، وأن يتمتع ببدنه في الحياة بالصحة الوافرة والعمر الطويل، فإن كلية الفلسفة لا تستطيع المشاركة في هذه الأهداف إلا بقدر اعتمادها على العقل، وعلى مبدأ الحرية، وعلى ما يستطيع الإنسان أن يقدمه لنفسه بجهده الخاص، وليس بوعود الآخرين: أن يعيش شريفا، وألا يؤذي الآخرين، وأن يكون معتدلا في صحته، صابرا في مرضه، معتمدا على تلقائية الطبيعة. ولتحقيق ذلك، فإنه لا يحتاج إلى علوم عميقة، بل عليه فقط أن يضبط انفعالاته، ويتبع العقل، ولكن الشعب لا يهتم بهذا الجهد الفردي؛ لأنه يريد حلولا أسهل ووعودا أكبر. فيطالب الكليات العليا أن تقدم له مقترحات أكثر قبولا نظرا لأنه يرفض القوانين التي تحد من حريته أو التي تطالبه بالإصلاح والتغيير. ويقول للفلاسفة: كل ذلك أيها العلماء الفلاسفة ثرثرة معروفة منذ زمان طويل، إنما يريد كل منا أن يعرف ثلاثة أشياء؛ الأول: كيف أنال تذكرة إلى الآخرة، وأنا آثم جاحد؟ والثاني: كيف أكسب القضية وأنا مخطئ؟ والثالث: كيف أكون ذا صحة جيدة وأعيش عمرا طويلا، وأن أتمتع بالحياة بطولها وعرضها؟ لقد درستم طويلا، ولكن المهم هو الحس السليم! يتصور الشعب إذن العلماء كأنهم منجمون أو سحرة ينتظرون منهم خوارق العادات! فإذا ما استطاع أحد أن يعطي الشعب ما يطلب، فإنه سيحتقر كلية الفلسفة، ويوقن بعجزها عن أن توفر له احتياجاته. ويكون رجال الأعمال من خريجي الكليات العليا سحرة بالفعل إن لم يتركوا الفلاسفة يعملون ضدهم، ليس من أجل قلب نظرياتهم أو دحضها، بل لكشف هذه القدرة السحرية التي يعزوها الشعب لهم. هذا هو الصراع غير المشروع عندما يتعدى رجال الكليات الثلاث العليا على القوانين متعمدين ذلك، وكفرصة مؤاتية لهم لإظهار مهاراتهم أمام الشعب. إن الشعب يحتاج إلى قيادة، ولكنه يخطئ في تصور قادته عملاء للكليات العليا، وليس علماءها، هؤلاء العملاء الذين يعرفون كيف يدبرون حياتهم، وكيف يعيشون
Savoir faire ، وهم رجال الدين ورجال القضاء والأدباء؛ لذلك تستعملهم الدولة، بعد أن حازوا ثقة الشعب بهم؛ نظرا للوعود التي يلقونها إليهم لفرض نظرية معينة عليه، لا تتفق مع الحكمة، بل تهدف إلى السيطرة عليه. ففي اللاهوت مثلا من الأفضل الاعتقاد بحرفية النصوص، دون فحص ما ينبغي اعتقاده بالعقل، وأن الإتيان ببعض الطقوس وإقامة بعض الشعائر يمكن أن يمحو بعض الجرائم المرتكبة. وفي القانون تهدف طاعة القانون حرفيا إلى منع المواطن من معرفة قصد الشارع. هذا هو الصراع غير المشروع الذي لا يمكن حسمه بين الكليات العليا والكلية الدنيا لأن المبدأ الذي تقوم عليه الأولى هو مبدأ الحكومة، حتى ولو كان الفوضوية ورغبة كل فرد في اتباع ميوله الخاصة. ولو أرادت الحكومة إيقاع الكليات العليا في صراع مع كلية الفلسفة، فإنه سيؤدي، لا محالة، إلى موت الفلسفة كلية. وهي طريقة بطولية لحل الصراع.
أما الصراع المشروع، فإنه ينشأ من ارتباط النظريات التي تسمح بها الحكومة للكليات العليا، للإعلان عنها بإرادة المشرع؛ وبالتالي كانت عرضة للخطأ، وفي الوقت نفسه من مهمة كلية الفلسفة التحقق من صدق هذه النظريات. ويحدث صراع مشروع؛ لأن هذه النظريات تعارض العقل، وهو صراع مشروع، ليس فقط من حيث الحق والقانون، ولكن أيضا من حيث ما ينبغي أن يكون. فإذا كانت هناك بعض النظريات مستمدة من التاريخ، وتوحي بتصديقها، فإن من واجبات كلية الفلسفة فحصها. فإذا اتفقت مع العقل تم قبولها، أما إذا كانت معتمدة على الحس أو العاطفة، فإن من حق كلية الفلسفة إعلان ذلك، بعد فحصها بالعقل الهادئ، وتحويل العاطفة إلى تصور، دون أن ينال ذلك من قدسيتها. ويضع كانط أربعة مبادئ صورية لإدارة مثل هذا الصراع المشروع وهي : (1)
لا يمكن حل هذا الصراع باتفاق ودي، بل يتطلب إصدار حكم، أي قرار له قوة القانون الذي يصدره القاضي، وهو العقل. وهنا يرفض كانط أي مساومة بين العقل وما سواه، أو استعمال العقل في وظيفة التبرير، خادما لشيء آخر، كما هو الحال في اللاهوت. (2)
لا يمكن إنهاء الصراع مرة واحدة وإلى الأبد لأنه سيكون هناك دائما نظريات تعرضها الحكومة، وتدافع عنها الكليات العليا وفي حاجة إلى بحث وتحقيق وتمحيص. إن كلية الفلسفة تدافع عن بقاء هذا الصراع طالما أن هناك عقلا بشريا في مواجهة نظام وضعي متمثل في السلطة السياسية ووكلائها من رجال الدين، ورجال القضاء، ورجال الأعمال. (3)
لا يمكن أن يتضمن هذا الصراع أي إدانة للحكومة، أو اتهامها بالخطأ، فالصراع بين الكليات ليس صراعا مع الحكومة، ولكنه صراع بين كلية وباقي الكليات التي تستخدمها الحكومة بوقا لها. وهو نقاش يدور بين جماعة العلماء، وليس بين الجماعة السياسية. ولا شأن للحكومة بالخلاف بين العلماء. إن الكليات العليا تمثل اليمين في البرلمان، وكلية الفلسفة تمثل اليسار. الأولى تدافع عن الحكومة، والثانية تفحص بحرية وبموضوعية. ولا يجب أن تتدخل الحكومة في هذا الصراع وإلا نصرت الكليات العليا ضد كلية الفلسفة، والتي ما زالت الحكومة تعتبرها بدعة. وهنا تبدو جرأة كانط في اعتبار المعارضة الفكرية يسارا والموافقة يمينا. ويبدو كأحد المناضلين الكبار، دفاعا عن حرية الفكر ضد الوضع القائم. (4)
يدور هذا الصراع إذا كان هناك اتفاق بين جماعة العلماء وجماعة المواطنين فيما يتعلق بالقواعد التي يمكن مراعاتها لصالح التقدم الدائم والمستمر للكليات بنوعيها، نحو كمال أعظم، لاغية بذلك كل الحدود والقيود على حرية الفكر والرأي والتعبير التي تضعها الحكومة. وعلى هذا النحو تصبح الكليات العليا هي الدنيا والكلية الدنيا هي العليا. ولا يحدث هذا التحول بالحصول على سلطة، أو بتغيير الحكومة حلفاءها وعملاءها، ولكن عن طريق إسداء النصح لمن بيدهم السلطة، حتى تجد السلطة في هذه الفكرة أنجح وسيلة لتحقيق غاياتها دون الاعتماد على السلطان.
إن هذا الصراع بين الكليات يهدف أساسا إلى تحقيق غايات قصوى للبشرية وأهداف سامية للإنسانية، وليس حربا أو نزاعا تتباين فيه المقاصد، وخلافا بين ما للأنا وما للآخر من حق وعلم. إن الحرية فوق كل شيء، والحرية فوق الملكية. ومهمة كلية الفلسفة هي توعية الشعب بحقوقه وخلق مجتمع مستنير.
وبعد هذه المبادئ العامة يعطي كانط نماذج عملية لمواطن هذا الصراع وموضوعاته، وطرق حله، بعد أن بين موقع هذا الصراع بين الحكومة والشعب. فموضوع الصراع الأول هو تفسير الكتاب: هل النقل أساس العقل أم أن العقل أساس النقل، كما يقول المسلمون القدماء؟ يدافع عن الموقف الأول اللاهوتي الكتابي، وهو العالم فيما يتعلق بإيمان الكنيسة الذي يقوم على قواعد أي قوانين مستنبطة من إرادة شخص آخر. ويدافع عن الموقف الثاني اللاهوتي العقلي وهو العالم بالعقل فيما يتعلق بالإيمان الديني الذي يقوم على قوانين باطنية، يمكن استنباطها من عقل أي إنسان. ولا يمكن أن يتأسس الدين على مجرد أوامر ونواهي وطقوس، كما أنه ليس عقائد يقال إنها وحي من عند الله، بل يشمل مجموع واجباتنا بوجه عام، باعتبارها أوامر إلهية. فالدين على هذا النحو لا يختلف عن الأخلاق في مادته، أي في موضوعه لأنه يتعلق بالواجبات، ولكنه يختلف فقط في الصورة. أي في تشريع العقل المستنبط من فكرة الله، باعتباره فكرة خلقية من أجل التأثير على الإرادة الإنسانية للقيام بالواجبات. وبهذا المعنى ليس هناك ديانات متعددة بل طرق متعددة للإيمان بالوحي الإلهي وبالعقائد الرسمية التي لا تأتي من العقل، أي صورة مختلفة وتمثلات حسية للإرادة الإلهية. فالمسيحية دين بهذا المعنى. وهي في الكتاب. وتتكون من جزءين مختلفين: قواعد الإيمان
Bilinmeyen sayfa