Batı Felsefesi Üzerine Felsefi Çalışmalar (İkinci Kısım): Modern ve Çağdaş Batı Felsefesi
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Türler
5
ثم جاءت العصور الحديثة وأحدثت تغيرا كيفيا في مسار الوعي الأوروبي وتحولا جذريا في حضارته التي أبدعها وذلك بوضعها المناهج الحديثة من أجل إعادة تأسيس العلوم فنشأت المناهج الثلاثة التي أصبحت تميز الحضارة الأوروبية والتي تعيد إحكام نفس المناهج التي صاغها القدماء. وضع ديكارت قواعد المنهج الاستنباطي من أجل الحصول على اليقين في العلوم، واستعار منهج العلوم الرياضية الذي يعتمد على المسلمات والبديهيات والمصادرات واستنباط النتائج منها باعتبارها مقدمات. ويكون مقياس صدق النتائج هو تطابقها مع المقدمات وليس مع الواقع. وقد تم تطبيق هذا المنهج في الدين والأخلاق كما هو واضح عند اسبينوزا. كما وضع بيكون قواعد المنهج التجريبي اعتمادا على شهادة الحس والتجربة وابتداء من الملاحظة وانتهاء بالقانون العلمي بعد الفرض والتجريب، ويكون صدق النتائج مرهونا باتساقها مع الواقع وتحقيقها في التجربة. وتم تطبيق هذا المنهج في العلوم الطبيعية خاصة ثم تبنته العلوم الإنسانية فيما بعد نظرا لنجاحه وإنجازاته. وقد حاول البعض، مثل جون ستيورات مل وغيره، ضم المنهجين معا في منهج استنباطي استقرائي من أجل صياغة منهج متكامل شامل، ولكن نقصته الحياة التي لا يمكن تبخيرها في الصورة بالاستنباط أو ردها إلى المادة بالاستقراء. وهنا ظهر هوسرل وفلاسفة الحياة، دريش ودلتاي وبرجسون وشيلر، ووضع قواعد المنهج الفينومينولوجي من أجل تحليل التجارب الحية وإدراك ماهياتها بالحدس في الشعور في الإحساس الداخلي بالزمان ومن أجل الكشف عن الأشياء ذاتها، ويكون مقياس الصحة هو تطابق النتائج مع التجارب الحية للفرد وللجماعة في مدينة العلماء. هذا بالإضافة إلى المنهج الجدلي الذي وضعه هيجل من أجل الوصول إلى الحقيقة والانتقال من الموضوع إلى نقيض الموضوع إلى مركب الموضوع، ثلاث لحظات تحدد مسار كل موضوع. وكان لكل منهج شقان؛ الأول سلبي للتخلص من المعارف القديمة وتطهير النفس من أخطائها والبداية من جديد على أسس أكثر يقينا سماه ديكارت الشك، وبيكون القضاء على الأوهام، وهوسرل الرد أو الاقتضاب أو التوقف عن الحكم أو الوضع بين قوسين، وهيجل النفي أو الهدم أو الرفع بمعنى الإزالة وهو أحد معاني فعل
Aufheben ؛ والثاني إيجابي لبداية الطريق للحصول على المعارف الجديدة وهداية الذهن سماه ديكارت اليقين، وبيكون التجربة، وهوسرل البناء أو التكوين، وهيجل الإثبات. أصبح الفكر الأوروبي كله نتيجة طبيعية لاستعمال هذه المناهج وازدهرت الفلسفة بفضلها، وأصبحت معظم التحولات الجذرية فيه نتيجة لاكتشافات منهجية.
6
وقد حييت الفلسفة في تراثنا القديم بعد وضع المناهج الإسلامية وتجاوز الفكر الإسلامي للمعلومات المتراكمة التي بدت في علوم الحكمة. فقد وضع علماء أصول الفقه «منهج التنزيل»، كما وضع الصوفية «منهج التأويل». ومنهج التنزيل هو المنهج الشرعي الذي يقوم على الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد أو القياس، يهدف إلى البحث عن العلة المؤثرة في الحكم لتعديته من الأصل إلى الفرع إذا ما تشابهت العلة. كما أنه يضم مباحث الألفاظ لضبط فهم النصوص مثل الحقيقة والمجاز، الظاهر والمؤول، المحكم والمتشابه، المجمل والمبين، المطلق والمقيد ... إلخ. ويشمل أيضا مباحث المعاني أو دلالات الألفاظ لمعرفة اقتضاء اللفظ ومدلول الخطاب. كما يشمل مناهج الرواية لضبط صحة النصوص خاصة الحديث والتمييز بين التواتر والآحاد والنقل باللفظ والنقل بالمعنى. وأخيرا وضع منطق للأفعال وتقسيمها إلى مقاصد وأحكام، ووصف سلوك الإنسان في العالم بين الإيجاب والسلب، وبين الإمكان والضرورة، يرتبط بمصالح الأمة وبحاجات العصر، ويلبي متطلبات كل جيل. فهو منهج متكامل يدل على جوانب الإبداع في تراثنا القديم. وعلى أساسه تم نقد المنطق الأرسطي ووضع منطق جديد مكانه هو المنهج الإسلامي. ولولا إعطاء الأولوية للأصل على الفرع وسيادة المنهج النصي وعدم الجرأة على تحليل العلل المؤثرة لكان للمنهج الأصولي أبلغ الأثر في حياتنا المعاصرة.
7
وفي مقابل هذا المنهج وضع الصوفية منهج التأويل لفهم النصوص والرجوع بها إلى مصدرها الأول وهو الله يرتفع فيه الخلق إلى الخالق، وتسقط الأوصاف الإنسانية وتثبت الصفات الإلهية ، فيتحد الخلق بالحق ويفنى الإنسان ويتحد بالله. يسير في هذا الطريق ابتداء من المرحلة الأخلاقية من أجل التحلي بالأخلاق الكريمة إلى المرحلة النفسية من أجل علم بواطن القلوب إلى المرحلة الميتافيزيقية من أجل الوحدة المطلقة. يتدرج الإنسان فيه من مقام إلى مقام، وتعرض عليه الأحوال حتى يصل إلى الفناء المطلق. ولولا معاداة العقل (باستثناء حكمة الإشراق) والإيغال في العلوم اللدنية والعروج إلى السماء والهروب من العالم والنزعة الفردية لأمكن لهذا المنهج أن يقيلنا من عثرتنا في حياتنا المعاصرة.
8
ثامنا: الفلسفة والعلوم الإنسانية
تموت الفلسفة إذا ما انعزلت عن الإنسان، وتنتهي الحكمة إن لم ترتبط بالعلوم الإنسانية؛ فالفلسفة بناء إنساني يقوم بها الإنسان ليتكيف من خلالها مع الواقع إذ إنها تفسر له العالم، وتشرح له ألغازه، ولكن لما كان الإنسان البدائي يصارع من أجل البقاء فإنه قد نسي ذاته في مواجهة الطبيعة وأخذ الحل ونسي المشكلة. ولما كانت المشكلة مخاطر الطبيعة، وكان الحل القوى الخفية والآلهة والأرواح المسيطرة عليها التي يمكن استرضاؤها بالسحر والقرابين ركز الفكر الإنساني على الله ونسي الإنسان، وجعل الله محوره واهتمامه ونسي ذاته، وكأن الذهن البشري يصل إلى النهاية وينسى البداية، يفرح بالحل وينسى الأزمة. وفي ذلك موت للفلسفة لأن السحر والقرابين ومظاهر العبادة تكيف عملي دون طرح نظري. ولما كان العمل في حاجة إلى من يقوم به نشأت طبقة الكهنة من أجل تنظيم العمل، وتولدت منها الكنيسة، وخرج منها رجال الدين، ونشأت عنها السلطة الدينية التي أصبحت فيما بعد أكبر خطر يهدد الفلسفة.
Bilinmeyen sayfa