İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar

Saatçi Hüsri d. 1388 AH
39

İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Türler

إن أبحاث «النجامة» التي شغلت حيزا خطيرا في «جمهورية بودن»، لم تمنع الأوروبيين من اعتبار هذا الرجل من أكابر المفكرين، ومن إدخاله في عداد «مؤسسي فلسفة التاريخ»، فكيف يجوز لأحد أن يتردد في التسليم بعبقرية ابن خلدون الفكرية، بحجة اعتقاده بالنجامة، على الرغم من النزعة العلمية التي أظهرها في مختلف أبحاث المقدمة؟

إن يد الله أو الآلهة التي كثيرا ما تذكر في مؤلفات هرودوت وبوسوئه وفيكو وأمثالهم الكثيرين، لم تعتبر «حاطة» من منزلتهم الفكرية، فكيف يجوز لأحد أن ينكر على ابن خلدون مكانته العلمية، لمجرد رجوعه إلى علم الله وقدرة الله في نهاية كل بحث من أبحاثه المختلفة، على الرغم من توسعه في درس الحوادث الاجتماعية، وتعمقه في إظهار عواملها الطبيعية؟!

ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد بوجه خاص أن ابن خلدون لم يمزج وقائع التاريخ بأخبار الكهانة كما فعل «أبو التاريخ»، ولم يحاول تفسير التاريخ بتأثيرات النجوم كما فعل جان بودن، كما أنه لم يكتف برد عوامل التاريخ إلى مشيئة الله كما فعل بوسوئه، ولا حاول اتخاذ التاريخ وسيلة لإثبات قدرة الله كما فعل «فيكو». مع أنه كتب ما كتبه في هذا الصدد قبل جان بودن بمدة تناهز القرنين، وقبل بوسوئه بمدة تزيد على ثلاثة قرون، وقبل فيكو بمدة تقرب من ثلاثة قرون ونصف قرن، ومع أن هذه القرون التي أعقبت حياة ابن خلدون، كانت من أهم أدوار الانقلاب وأسرع عهود التقدم في التاريخ البشري.

لا شك في أنه يحق لنا أن ننتقد ابن خلدون على ذكره الشيطان والشياطين في عدة محلات من مقدمته، وعلى بحثه عن السحر بشيء من التفصيل في بعض الفصول من هذه المقدمة، غير أنه يترتب علينا ألا ننسى أبدا أن ابن خلدون كتب ذلك في عهد كان رجال الحكم والدين في أوروبا يقدمون على إحراق المئات بل الآلاف من المرضى والسحرة؛ بقصد التخلص من شرور الشياطين المستولين على أبدان هؤلاء المرضى، والمسيطرين على أرواح هؤلاء السحرة، كما يجب علينا أن نتذكر دائما بأن عددا غير قليل من العلماء والمفكرين الأوروبيين ظلوا يعتقدون بالسحر ويحبذون إحراق السحرة، ولا يحجمون عن نشر المؤلفات في هذه المواضيع، حتى بعد مضي مدة تناهز القرنين على وفاة ابن خلدون!

ويجوز لنا أيضا ألا نستحسن الخطة التي سار عليها ابن خلدون في الإشادة بعلم الله وقدرة الله في آخر كل فصل من فصول المقدمة، غير أنه يترتب علينا ألا ننسى أبدا بأن عددا غير قليل من المفكرين في أوروبا عملوا مثل ذلك، بل عملوا أكثر من ذلك، حتى بعد كتابة مقدمة ابن خلدون بعدة قرون. كما يجب علينا أن نلاحظ في الوقت نفسه أن ابن خلدون لم يفعل ذلك تهربا من التفكير في العلل والأسباب بطرق علمية، أو تخلصا من مشاق البحث عن الدلائل العقلية؛ بل إنه سار في معظم أبحاثه سيرا عقلانيا

Rationaliste

تماما، ولم يلتجئ إلى ذكر علم الله وقدرة الله ومشيئة الله إلا بعد إتمام استدلالاته واستقراءاته بالطرق العقلية والمنطقية بوجه عام.

فنستطيع أن نقول بلا تردد: إن طرائق البحث التي اختارها وسلكها ابن خلدون في هذا المضمار أكثر قربا وأشد شبها بالخطط العلمية الحالية، من الطرائق التي اتبعها بعض المشاهير الأوروبيين الذين جاءوا بعده، مثل؛ بودن، وبوسوئه، وفيكو.

إن أسماء هؤلاء الغربيين تبدو لنا - من خلال الشذرات والمقتطفات التي نعتمد عليها ونكتفي بها عادة - متحلية بهالة زاهية من الجمال والكمال، عارية عن المآخذ والشوائب، غير أننا إذا ما خرجنا عن نطاق تلك الشذرات المحدودة ورجعنا إلى المصادر الأصلية لدرس كتابات هؤلاء دراسة تفصيلية؛ لا نلبث أن نلمح النواقص والشوائب التي تستتر وراء تلك الألوان الزاهية.

ولهذه الأسباب نجد أن مكانة ابن خلدون في عالم العلم والفكر تتعالى وتتعاظم كلما توسعنا في درس كتابات أمثاله، علاوة على تعمقنا في درس آرائه المسطورة في مقدمته الثمينة.

Bilinmeyen sayfa