İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Türler
كما تذكر التواريخ المذكورة أن الإمبراطور «ماركوس أورليوس» الذي كان من كبار المفكرين، واشتهر بكلماته الحكيمة وآرائه الأخلاقية اشتهارا كبيرا، راجع منجما كلدانيا في قضية متعلقة بزوجته «فائوستين»؛ فإن زوجته هذه كانت شهرت بحب عميق جارف نحو أحد المصارعين، وبما أنها خشيت عواقب هذا الحب، وأرادت أن تحافظ على عفافها؛ فاتحت زوجها في الأمر بكل ساذجة واستقامة، والإمبراطور الحكيم استشار منجما كلدانيا، وعمل بما أشار به المنجم حرفيا.
ولعل أغرب أخبار النجامة المذكورة في التواريخ الرومانية هو ما حدث في عهد دوميتيانوس؛ أراد الإمبراطور المشار إليه أن يختبر المنجم «آسكلاريون»
Asclarion ، فوجه إليه السؤال التالي: «قل كيف ستكون عاقبة حياتك أنت؟» والمنجم لم يتردد لحظة في الإجابة على هذا السؤال قائلا: «إن الكلاب ستنهش جثتي نهشا.» عندئذ أراد الإمبراطور أن يظهر «كذب زعم المنجم» بصورة فعلية، فأمر بذبحه حالا، وبإفناء جثته حرقا، فقد أخذ الجلادون في تنفيذ أمر الإمبراطور: ذبحوا المنجم، وكدسوا الأحطاب، ووضعوا الجثة فوقها، ثم أشعلوا النار فيها، ولكن قبل أن يصل لهيب النار الموقدة إلى جثة المنجم المذبوح هبت عاصفة هائلة أطفأت النيران، واضطرت الحراس والجلادين إلى التباعد عن ذلك المحل، والتفرق في كل الجهات، وعندما هدأت العاصفة اجتمعت الكلاب على الجثة ونهشتها قبل أن يتمكن الحراس والجلادون من العودة إلى المحل لإتمام تنفيذ أمر الإمبراطور. وبهذه الصورة تحققت كهانة المنجم تماما، على الرغم من الخطة الجهنمية التي حاول تنفيذها ذلك الإمبراطور الجبار!
من الطبيعي أن الحوادث والوقائع كثيرا ما كانت تأتي مخالفة لنبوءات المنجمين، غير أن ذلك ما كان يكفي لزعزعة الاعتقاد العام بالتنجيم، والسبب في ذلك يظهر بوضوح تام مما كتبه المؤرخ الروماني الشهير تاسيتوس
Tacitus
في حولياته في هذا الصدد: «إذا جاءت الوقائع مخالفة للتنبؤات النجومية، فإن ذلك يجب أن يعزى إلى تقصير المنجمين في التفسير والحكم، لا إلى عدم صحة النجامة في حد ذاتها؛ لأن أسس النجامة من الأمور اليقينية التي لا يجوز أن يشك فيها أحد، إن صحة هذه الأسس ثبتت في الأزمنة القديمة كما ثبتت في زماننا هذا.»
وحينما ظهرت المسيحية عارض رجالها النجامة في بادئ الأمر؛ لأنهم رأوا في الاعتقاد بها ما يخالف الاعتقاد بحكم الله المطلق وقدرته الشاملة، غير أنهم لم يتمسكوا بهذا الرأي مدة طويلة، فعدلوا عن معارضة النجامة محاولين التوفيق بينها وبين التعاليم المسيحية بشتى التأويلات، وأفسحوا بذلك مجالا واسعا لسيطرة النجامة على أذهان الناس طوال القرون الوسطى.
وأما حركة الانبعاث التي أعقبت القرون المذكورة فلم تقض على النجامة، بل بعكس ذلك قوتها كما قوت كل ما يتعلق بالأزمنة القديمة.
ولهذا السبب لم ينقطع علماء الفلك في أوروبا عن الاشتغال بالنجامة، لا خلال القرون الوسطى فحسب، بل بعد عصر الانبعاث، وخلال عصر الاكتشافات أيضا.
وقد ظلت بلاطات الملوك في الأقسام المختلفة من القارة الأوروبية تستخدم - بين من تستخدمهم من الموظفين والمرافقين - جماعة من المنجمين الرسميين، فقد حفظ لنا التاريخ أسماء المنجمين الذين كانوا ينظرون إلى الطوالع الفلكية في خدمة الملوك العظام، كما حفظ لنا أسماء الذين قاموا بمهمة التنجيم عند ولادة بعض هؤلاء الملوك. فقد سجل التاريخ - مثلا - أن «نوستراداموس» كان منجما مشهورا، فنظر في طوالع عدة ملوك، من جملتهم؛ شارل التاسع، وكاترين دومديتسي. ثم إن الملك هنري الرابع استدعى لاريفيار
Bilinmeyen sayfa