İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Türler
2 (ص374).
ولهذه الأسباب كلها يقول ابن خلدون: «إن الأخلاق الحاصلة من الحضارة والترف هي عين الفساد» (ص374).
وأما رأي ابن خلدون في تأثير الحضارة في زيادة العقل وتقوية الذكاء، فمذكور في الفصل الذي يقرر فيه: «أن الصنائع تكسب صاحبها عقلا». فإنه يقول - في هذا الفصل - بعد أن يقرر أن الحنكة في التجربة تفيد عقلا: «والحضارة الكاملة تفيد عقلا؛ لأنها مجتمعة من صنائع في شأن تدبير المنزل ومعاشرة أبناء الجنس، وتحصيل الآداب في مخالطتهم، ثم القيام بأمور الدين، واعتبار آدابها وشرائطها، وهذه كلها قوانين تنتظم علوما، فيحصل منها زيادة عقل» (418).
6
يظهر مما تقدم كله أن ابن خلدون لا يغالي في تأثير البيئة الطبيعية، ولا يهتم بالأوصاف العرقية (الرسية)، بل يعتني كل الاعتناء بالبحث عن العوامل الاجتماعية، ويسعى كل السعي إلى إظهار أثر النحلة المعاشية، ويعطي هذه العوامل الموقع الأول في تكوين الطبائع والسجايا.
إننا نجد أن نظرية ابن خلدون في هذا الصدد ملخصة أحسن تلخيص، وموضحة أتم إيضاح، في سياق مقارنة أهل المشرق بأهل المغرب، في أحد فصول الباب السادس من المقدمة، وهو الفصل الذي يقرر «أن التعليم للعلم من جملة الصنائع» (ص430).
فإننا نجتزئ من الفصل المذكور بالعبارات والفقرات التي تتعلق بهذه النظرية: «أهل المشرق على الجملة أرسخ في صناعة تعليم العلم وفي سائر الصنائع، حتى إنه ليظن كثير من رحالة أهل المغرب إلى المشرق في طلب العلم أن عقولهم على الجملة أكمل من عقول أهل المغرب، وأنهم أشد نباهة وأعظم كيسا بفطرتهم الأولى، وأن نفوسهم الناطقة أكمل بفطرتها من نفوس أهل المغرب، ويعتقدون التفاوت بيننا وبينهم في حقيقة الإنسانية، ويتشيعون لذلك، ويولعون به؛ لما يرون من كيسهم في العلوم والصنائع، وليس كذلك.» «وليس بين قطر المشرق والمغرب تفاوت بهذا المقدار الذي هو تفاوت في الحقيقة الواحدة، اللهم إلا الأقاليم المنحرفة، مثل الأول والسابع؛ فالأمزجة فيها منحرفة، والنفوس على نسبتها كما ترى.» «وإنما الذي فضل أهل المشرق من أهل المغرب هو ما يحصل في النفس من آثار الحضارة من الفعل المزيد، كما تقدم في الصنائع.» «ونزيده الآن تحقيقا؛ وذلك أن الحضر لهم آداب في أحوالهم - في المعاش والمسكن والبناء وأمور الدين والدنيا، وكذا سائر أعمالهم وعاداتهم ومعاملاتهم وجميع تصرفاتهم - فلهم في ذلك كله آداب يوقف عندها في جميع ما يتناولونه ويتلبسون به، من أخذ وترك، حتى كأنها حدود لا تتعدى، وهي مع ذلك صنائع يتلقاها الآخر عن الأول منهم. ولا شك أن كل صناعة مرتبة يرجع منها إلى النفس أثر، يكسبها عقلا جديدا تستعد به لقبول صناعة أخرى، ويتهيأ بها العقل بسرعة الإدراك للمعارف.» «ولقد بلغنا في تعليم الصنائع عن أهل مصر غايات لا تدرك؛ مثل أنهم يعلمون الحمر الإنسية والحيوانات العجم - من الماشي والطائر - مفردات من الكلام والأفعال يستغرب ندورها (صدورها)، ويعجز أهل المغرب عن فهمها.» «وحسن الملكات في التعليم والصنائع وسائر الأحوال العادية يزيد الإنسان ذكاء في عقله، وإضاءة في فكره، بكثرة الملكات الحاصلة للنفس؛ إذ قدمنا أن النفس إنما تنشأ بالإدراكات وما يرجع إليها من الملكات، فيزدادون بذلك كيسا؛ لما يرجع إلى النفس من الآثار العلمية، فيظنه العامي تفاوتا في الحقيقة الإنسانية، وليس كذلك» (ص433).
بعد هذه الفقرات يقارن ابن خلدون الحضري بالبدوي من وجهة العقل والذكاء، ويكتب الفقرات التي نقلناها آنفا - عندما سردنا رأيه في الفروق العقلية التي تميز الحضر من البدو - ويعلل هذه بتأثير الصنائع والعلوم، ثم يعود إلى مقارنة أهل المشرق بأهل المغرب قائلا: «وكذا أهل المشرق، لما كانوا في التعليم والصنائع أرسخ رتبة وأعلى قدما، وكان أهل المغرب أقرب إلى البداوة؛ ظن المغفلون في بادئ الرأي أنه لكمال في الحقيقة الإنسانية اختصوا به عن أهل المغرب، وليس ذلك بصحيح» (ص334).
نحن نعتقد أن ما كتبه ابن خلدون في هذا الصدد ينم عن ملاحظات دقيقة جدا وصائبة تماما.
نظرية العصبية
Bilinmeyen sayfa