İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Türler
ومن البديهي أن الوراثة العرقية وحدها لا تكفي لتفسير وتعليل مثل هذه الفروق بين الأمم، فيجب أن يكون هناك عامل آخر، أو عوامل أخرى عديدة غير عامل الفطرة والتكوين العرقي.
والعامل الذي استلفت أنظار المفكرين - بعد فكرة الفطرة والخلقة - هو الطبيعة التي تحيط بالإنسان، وبتعبير آخر: البيئة الطبيعية التي تعيش فيها الأمة.
إن تأثير الحرارة والبرودة في بعض الجمادات والنباتات والحيوانات من الأمور التي تظهر للعيان، من غير أن تحتاج إلى بحث عميق وتفكير طويل؛ فكان من الطبيعي أن يقدم المفكرون على تعميم هذا التأثير على حياة الإنسان ، وأن يحاولوا تفسير اختلاف طبائع الأمم بتأثير الإقليم بوجه عام، كما كان من الطبيعي أن يتوسع طائفة منهم في هذا المضمار، وأن يبحثوا عن تأثير سائر عناصر الطبيعة - من الأنهر والجبال والبحار والنباتات والحيوانات والمعادن - في حياة الأمم وطبائعها. (3)
إلا أن التاريخ يشهد على أن الأمة الواحدة كثيرا ما تنتقل من حال إلى حال خلال الأدوار والأطوار التي تتوالى عليها، فقد تكتسب بعض السجايا الجديدة، حتى حينما لا يتغير شيء من بيئتها الطبيعية، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن هناك عوامل أخرى - غير عاملي العرق والطبيعة اللذين ذكرناهما - تؤثر بدورها في طبائع الأمم وسجاياها.
هذه العوامل التي استلفتت أنظار المفكرين - بعد العاملين السالفين الذكر - هي الأحوال الاجتماعية، والوقائع التاريخية. (4)
يظهر من هذه الملاحظات السريعة أن العوامل التي تؤثر في طبائع الأمم وسجاياها، يمكن أن ترد إلى ثلاثة أنواع أساسية؛ العوامل العرقية، العوامل الطبيعية، العوامل الاجتماعية.
فما هو أهم هذه العوامل الأساسية؟
لقد اختلف الباحثون والمفكرون في هذا الصدد اختلافا كبيرا، فقد زعم بعضهم أن العوامل العرقية هي التي تلعب أهم الأدوار وتؤثر أشد التأثيرات، كما قال بعضهم إن البيئة الطبيعية هي التي تسيطر على العوامل الأخرى بأجمعها، وادعى بعضهم أن العوامل الاجتماعية تكون أشد خطورة وأقوى تأثيرا من جميعها.
نحن لا نرى مجالا لتفصيل هذه المذاهب ومناقشتها في هذا المقام، ومع هذا نرى من الضروري أن نقول إن الأبحاث العلمية التي تمت منذ قرن وجهت الأذهان - على الأخص - نحو المذهب الأخير، وأيدته إلى حد كبير؛ فإن نزعة الاهتمام بالأحوال والعوامل الاجتماعية، والتوسع والتعمق في درسها هي التي أكسبتنا أثبت النتائج وأثمن الثمرات في هذا المضمار.
لقد ظهر من الأبحاث العلمية بكل جلاء أن الصفات الوراثية العرقية في الأقوام، أقل مما يظهر في الوهلة الأولى، وهي أضيق نطاقا مما كان يظن قبلا.
Bilinmeyen sayfa