203

İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Türler

3 (1)

يعود ابن خلدون إلى ذكر معظم هذه الأسباب في موضع آخر بوسيلة أخرى، هي قضية «الشهرة والصيت». إنه يتطرق إلى هذه القضية في آخر فصل الحروب، ويكتب في صددها الملاحظات التالية: «الشهرة والصيت، قل أن تصادف موضعها في أحد من طبقات الناس - من الملوك والعلماء والصالحين والمنتحلين للفضائل على العموم - وكثير ممن اشتهر بالشر وهو بخلافه، وكثير ممن تجاوزت عنه الشهرة، وهو أحق بها وأهلها، وقد تصادف موضعها، فتكون طبقا على صاحبها» (ص278).

لا يكتفي ابن خلدون بكتابة هذه الملاحظات، بل يوضح أسباب ذلك أيضا: إن الشهرة تنشأ من الأخبار التي تنشر بين الناس عن أحوال الشخص وأفعاله وأخلاقه؛ ولذلك تكون عرضة لاحتمال «التباعد عن الحقيقة والواقع» شأن جميع الأخبار والروايات. «والسبب في ذلك أن الشهرة والصيت إنما هما بالأخبار، والأخبار يدخلها الذهول عن المقاصد عند التناقل، ويدخلها التعصب والتشيع، ويدخلها الأوهام، ويدخلها الجهل بمطابقة الحكايات للأحوال؛ لخفائها بالتلبيس والتصنع، أو لجهل الناقل، ويدخلها التقرب لأصحاب التجلة والمراتب الدنيوية بالثناء والمدح، وتحسين الأحوال، وإشاعة الذكر بذلك، «وأين مطابقة الحق مع هذه كلها؟»» (ص278).

يلاحظ أن ابن خلدون يشير هنا إلى معظم الأسباب التي كان قد ذكرها في مدخل الكتاب الأول بتعبيرات أخرى، فمن المفيد أن نضع هذه التعبيرات أيضا نصب أعيننا عندما ندرس رأيه في الأخبار. (2)

هذا ومما يجدر بالذكر أن ابن خلدون يشير في موضعين آخرين إلى سببين آخرين، علاوة على التي ذكرها في مدخل الكتاب الأول.

أولا: إنه يشير إلى «نزعة المبالغة» عند الناس خلال نقل الأخبار، «ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات» (ص10). «قد نجد الكافة من أهل العصر إذا أفاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي لعهدهم أو قريبا منه، وتفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى، أو أخذوا في إحصاء أموال الجبايات، وخراج السلطان، ونفقات المترفين، وبضائع الأغنياء والموسرين؛ توغلوا في العدد، وتجاوزوا حدود العوائد، وطاوعوا وساوس الإغراب. فإذا استكشفت أصحاب الدواوين عن عساكرهم، واستنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم وفوائدهم، واستجليت عوائد المترفين في نفقاتهم، لم تجد معشار ما يعدونه.

وما ذلك إلا لولوع النفس بالغرائب، وسهولة التجاوز على اللسان» (ص11).

إن السبب الذي يسرده ابن خلدون هنا يمكن أن يعتبر من فروع السبب الثالث الذي ذكرناه آنفا، ومع هذا فإنه يجب أن يسترعي الانتباه بوجه خاص؛ لدلالته على أن ابن خلدون قد لاحظ أن بعض التوهمات يتأتى من «نزوع الذهن إلى المبالغة، وولوع النفس بالغرائب.»

وقد أشار ابن خلدون إلى هذه الملاحظة نفسها في موضع آخر أيضا بقوله: «كثيرا ما يعتري الناس الوسواس في الزيادة عند قصد الإغراب» (ص172).

هذا ونحن نرى أن نلفت الأنظار إلى تعبير «التجاوز على اللسان»، الوارد في آخر الفقرة السالفة الذكر؛ لأن هذا التعبير يدل دلالة واضحة على أن ابن خلدون قد لاحظ أن الناس لا يتصورون عادة مفاهيم الأعداد الكبيرة التي يسمعونها أو يلفظونها؛ ولذلك يسترسلون في مثل هذه المبالغات من غير أن ينتبهوا إلى مبلغ فداحتها، وذلك «لسهولة التجاوز على اللسان» في ذكر الأعداد. (3)

Bilinmeyen sayfa