İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Türler
فيجب على المؤرخ أن يتجنب الغلط والوهم، وأن يميز الكذب من الصدق في الأخبار.
ولكن ما السبيل الذي يجب أن يسلكه للوصول إلى هذا الهدف؟
من البديهي أن تقرير ذلك يتطلب - قبل كل شيء - تعيين أنواع الأغلاط والأوهام والأكاذيب التي تتطرق عادة إلى الأخبار، ثم استجلاء الأسباب الداعية إلى كل نوع منها.
ابن خلدون ينعم النظر في كل ذلك في عدة مواضع من المقدمة، ويتوسع فيها بوجه خاص في مدخل الكتاب الأول، حيث يقول - بعد تعيين موضوع التاريخ - ما يلي: «ولما كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته، وله أسباب تقتضيه»: (1) «فمنها التشيعات للآراء والمذاهب؛ فإن النفس إذا كانت في حالة الاعتدال في قبول الخبر؛ أعطته حقه من التمحيص والنظر، حتى تتبين صدقه من كذبه. وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة، قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص؛ فتقع في قبول الكذب ونقله.» (2) «ومن الأسباب الداعية إلى الكذب في الأخبار أيضا؛ الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح.» (3) «ومنها الذهول عن المقاصد؛ فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه؛ فيقع في الكذب.» (4) «ومنها توهم الصدق وهو كثير، وإنما يجيء في الأكثر من جهة الثقة بالناقلين.» (5) «ومنها الجهل بتطبيق الأحوال على الوقائع؛ لأجل ما يداخلها من التلبيس والتصنع، فينقلها المخبر كما رآها، وهي بالتصنع على غير الحق في نفسه.» (6) «ومنها تقرب الناس في الأكثر لأصحاب التجلة والمراتب بالثناء والمدح، وتحسين الأحوال، وإشاعة الذكر بذلك، فيستفيض الإخبار بها على غير حقيقته. فالنفوس مولعة بحب الثناء، والناس متطلعون إلى الدنيا وأسبابها من جاه أو ثروة، وليسوا في الأكثر براغبين في الفضائل، ولا متنافسين في أهلها.» (7) «ومن الأسباب المقتضية له أيضا - وهي سابقة على كل ما تقدم - الجهل بطبائع الأحوال في العمران؛ فإن كل حادث من الحوادث، ذاتا كان أو فعلا، لا بد له من طبيعة تخصه في ذاته، وفيما يعرض له من أحواله؛ فإذا كان السامع عارفا بطبيعة الحوادث والأحوال في الوجود ومقتضياتها، أعانه ذلك في تمحيص الخبر على تمييز الصدق من الكذب، وهذا أبلغ في التمحيص من كل وجه يعرض» (ص35-36). (يذكر ابن خلدون هذه الأسباب على التوالي من غير أن يرقمها، ونحن اضطررنا إلى ترقيمها؛ تسهيلا لدرسها.)
يلاحظ أولا أن بعض الأمور التي يذكرها ابن خلدون في هذه الفقرات من نوع الغلط والوهم «اللاقصدي»، وبعضها من نوع التلبيس والكذب «القصدي»، بالمعنى الذي يفهم عادة من كلمة الكذب، وبعضها من نوع «عدم التمييز» من جراء عدم التفكير، أو الجهل، أو الانخداع. والمؤلف قد ميز هذه الأنواع بعضها من بعض، غير أنه ذكرها تحت اسم عام، وهو «الكذب»، أعني أنه استعمل هذا الاسم للدلالة على كل ما هو مخالف للواقع، سواء أنتجت هذه المخالفة من كذب المخبر وتلبيسه، أم من توهمه وغلطه، أم من جهله وانخداعه.
كما يلاحظ أن ابن خلدون قد أوضح بعض هذه القضايا توضيحا تاما، وشرحها شرحا وافيا، غير أنه التزم الإجمال في بعضها إجمالا يحوجها إلى الشرح والتفصيل تارة، ويعرضها للغموض والالتباس طورا.
إن السبب الأول:
وهو التشيعات للآراء والمذاهب واضح تماما، ومشروح شرحا جيدا، والفقرات التي تشرحه تتضمن ملاحظات نفسية دقيقة، وهي تبين كيف أن محاكمات المرء تتأثر من «الآراء» التي تكون قد سبقت إلى ذهنه، وكيف أن الآراء المنتشرة في حلقات المجتمع - على شكل نحلة أو مذهب - توجه أذهان الأفراد إلى بعض الاتجاهات، وتؤثر بذلك على ملاحظاتهم ومحاكماتهم تأثيرا شديدا، كما أن هذه الفقرات تشير - ضمنا - إلى وجوب الحياد في تدوين التاريخ وانتقاده.
وأما السبب الثاني:
فبعكس ذلك، لم يكن مشروحا شرحا وافيا، ومع ذلك فإن قضية «التعديل والتجريح» المذكورة في هذه الفقرة تدل على أن المقصود منها هو الخطأ الذي قد يقع فيه المرء من جراء ثقته بالناقل والراوي؛ لأن الراوي قد يكون كاذبا ودساسا فيما يرويه، فإذا وثق المرء به يكون قد تلقى الكذب منه، ونقله إلى غيره ، من حيث لا يقصد ولا يدري. ولكي يتجنب المؤرخ مثل هذه الأخطاء يجب ألا يقبل أية رواية كانت قبل أن يتأكد من عدالة رواتها، وأمانتهم في القول، وسلامتهم من الكذب، وذلك عن طريق البحث والنقد التي سماها علماء التفسير والحديث باسم «التعديل والتجريح».
Bilinmeyen sayfa