150

İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Türler

ومع هذا فسلوك ابن خلدون في هذا الباب يختلف من سلوك فيكو اختلافا كليا؛ يسير ابن خلدون في تفكيره وتعليله سيرا مستقلا عن الدين، ولا يذكر الله وقدرة الله - في أكثر الأحوال - إلا في نهاية البحث ، بحيث لو حذفت العبارات المتعلقة بالله لما تغير شيء من تسلسل المعاني وقوة الدلائل بوجه عام.

في حين أن فيكو - بعكس ذلك تماما - يمزج فكرة الله بأبحاثه مزجا تاما، ويلتجئ إليها في كل خطوة من خطوات تفكيره تقريبا، فلو حذفت العبارات المتعلقة بالله من أبحاث «العلم الجديد»؛ لانقطع تسلسل الأفكار في أغلب الأحوال، ولضاعت المعاني تماما في بعض الأحيان.

إن ابن خلدون لم يرم في أبحاثه إلى غاية دينية، فإنه يقوم بتلك الأبحاث لمعرفة الحقيقة ذاتها، وأما فيكو فيرمي في أبحاثه إلى غاية دينية صريحة، إنه يقوم بتلك الأبحاث بقصد البرهنة على العناية الإلهية بالوقائع التاريخية، كما يشرح ذلك بأصرح العبارات. (3)

وأما من وجهة سعة النظر، وشمول البحث، وعمق التفكير، فلا شك في أن كفة المقدمة ترجح على كفة العلم الجديد رجحانا كبيرا جدا.

ذلك لأن ابن خلدون قد أدرك في مقدمته تعضل الحوادث الاجتماعية، وتعقد الوقائع التاريخية حق الإدراك، فحاول أن يلم بجميع العوامل المؤثرة فيها، وبحث عنها بمقياس واسع جدا، شمل بناء المجتمع وطراز المعيشة أيضا.

في حين أن أبحاث فيكو لم تخرج كثيرا عن نطاق الأدوار الثلاثة - المروية منذ القرون الأولى - وأشكال الحكومات الثلاثة - المقررة في كتب السياسة منذ عهد اليونان - ولم يلتفت قط إلى بناء المجتمع، ولا إلى وسائط المعاش.

4

يتبين من التفاصيل التي ذكرناها آنفا أن ابن خلدون يتفوق على فيكو تفوقا كبيرا، من حيث شمول النظر، ونزعة التعمق، وطريقة البحث والاستقراء، ويقترب من طرائق الأبحاث العلمية الحديثة بوجه عام، وطرائق الأبحاث التاريخية والاجتماعية بوجه خاص، اقترابا واضحا.

ومما يجدر بالملاحظة في هذا الصدد أننا قمنا بهذه المقارنات من غير أن نعتبر تواريخ كتابة الكتابين، وأما إذا أخذنا فرق الزمن أيضا بنظر الاعتبار، فإننا نضطر إلى التسليم بأن رجحان كفة ابن خلدون في ميزان المفاضلة، يصبح أكثر بروزا وأشد بداهة.

إذ من المعلوم أن مقدمة ابن خلدون كتبت سنة 1377، في حين أن العلم الجديد نشر سنة 1725، وذلك يعني أن المقدمة أقدم من العلم الجديد ب 348 سنة.

Bilinmeyen sayfa