İbn Haldun'un Mukaddimesi Üzerine Çalışmalar
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Türler
فيحق لنا أن نجزم بأن ابن خلدون قد كتب هذا البحث بعد الانتهاء من كتابة فصول المقدمة بأجمعها، كما يحق لنا أن نقول إن ذلك كان بعد مرور مدة غير يسيرة على الكتابة الأولى؛ لأن هذه المدة كانت قد أنسته مواضع التعليل الذي أشار إليه في هذا البحث، كما أنها كانت قد قوت في ذهنه بعض الاتجاهات والنزعات الجديدة. (3)
وإذا أنعمنا النظر في الفصل الذي يقرر «وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته» (ص533)، وجدنا فيه قرائن عديدة تدل دلالة قاطعة على أن القسم الثاني من الفصل المذكور قد كتب بعد مرور مدة غير يسيرة على كتابة القسم الأول منه.
فإن من يقرأ الفصل المذكور قراءة متأمل يجد أن سلسلة الأبحاث المنسجمة فيه تنتهي في وسطه، حين يقول المؤلف: «ومن المذاهب الجميلة، والطرق الواجبة في التعليم ألا يخلط على المتعلم علمان معا»، ويعقب على قوله هذا ببعض الشروح والبراهين فينهي كلامه في هذا الصدد بقوله: «والله تعالى الموفق للصواب» (ص534).
إن المؤلف يبدأ بعد ذلك بحثا جديدا تماما، بأسلوب يختلف عن أسلوب الأقسام السابقة اختلافا كليا، يبدأ هذا البحث بقوله: «اعلم أيها المتعلم أني أتحفك بفائدة في تعلمك، فإن تلقيتها بالقبول وأمسكتها بيد الصناعة؛ ظفرت بكنز عظيم وذخيرة شريفة، وأقدم لك مقدمة تعينك في فهمها» (ص534).
وبعد إتمام هذه المقدمة يعود إلى مخاطبة المتعلم قائلا: «فلا بد أيها المتعلم من مجاوزتك هذه الحجب كلها إلى الفكر في مطلوبك.»
ويستمر على هذا المنوال إلى آخر الفصل: «فإذا ابتليت بمثل ذلك، وعرض لك ارتباك في فهمك، وتشغيب بالشبهات في ذهنك؛ فاطرح ذلك، وانتبذ حجب الألفاظ، وإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من الله بالظفر بمطلوبك. فاعتبر ذلك، واستمطر رحمة الله تعالى متى أعوزك فهم المسائل؛ تشرق عليك أنواره بالإلهام إلى الصواب» (ص535-536).
إن الفرق بين هذين القسمين من الفصل الواحد واضح كل الوضوح؛ فإن القسم الأول يستعرض «طرق التعليم» ويوازن بينها، متمشيا بذلك مع مقتضيات عنوان الفصل، غير أن القسم الثاني يخاطب «المتعلمين»، ويقدم لهم نصائح عديدة تضمن «الفهم والتعلم»، مخالفا بذلك عنوان الفصل مخالفة صارخة.
كما أن القسم الأول يتضمن أبحاثا تعتمد - من أولها إلى آخرها - على التفكير العلمي النظري، والاستدلال العقلي المنطقي، في حين أن القسم الثاني يتألف من أبحاث تعتمد - من أولها إلى آخرها - على «إشراق أنوار الفتح من الله»، وعلى «إشراق أنواره بالإلهام إلى الصواب»، فتنم عن تفكير ديني بحت ونزعة صوفية عميقة.
فيحق لنا أن نستدل من كل ذلك على أن القسم الثاني من الفصل المذكور قد كتب بعد مرور مدة على كتابة المقدمة، تحت تأثير النزعة الصوفية التي تقوت في نفسية ابن خلدون بمرور الزمان. (4)
يكتب ابن خلدون في المقدمة الثانية من الباب الأول بعض المعلومات العامة عن جغرافية الأرض، ينهيها بالعبارات التالية: «وقد ذكر ذلك كله بطلميوس في كتابه، والشريف في كتاب روجار، وصوروا في الجغرافيا جميع ما في المعمور من الجبال والبحار والأدوية، واستوفوا من ذلك ما لا حاجة لنا به لطوله، ولأن عنايتنا في الأكثر إنما هي بالمغرب الذي هو وطن البربر، وبالأوطان التي للعرب من المشرق» (ص48).
Bilinmeyen sayfa