Din
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Türler
وهكذا نقرر مع العلامة «تايلور» أن الدين يتضمن دائما «الإيمان بكائنات روحية»، لكن على شريطة أن نأخذ كلمة الروح هنا بأوسع معانيها فلا نحدد طبيعتها، ولا مدى سلطانها، ولا طريقة تصرفها، بل ندعها تتسع للتصورات المختلفة في ماهية تلك القوة؛ ونكتفي بأن نقول على الجملة: إنها قوة خفية، شاعرة، مدبرة، وإن أفعالها تصدر عنها بمحض إرادتها، وإنها تستمع لمن يدعوها ولها مطلق الحرية في قبول مطالبه أو رفضها. (2-5) تمييز النظرة الدينية عن النظرتين النفسية والطبيعية
هذا العنصر الرباعي: عنصر الذات، الغيبية، الروحية، المتصلة معنويا بعابديها هو الحد الموضوعي الرئيس الذي يفصل بين وجهتي النظر الدينية واللادينية.
فبينما النظرة المنطقية أو النفسية تنحصر في حظيرة العقل أو النفس، باحثة عما فيهما من المعاني والأحوال، ولا يعنيها دراسة ما خلف هذه الحدود، والنظرة الطبيعية تبرز إلى الوجود الخارجي، ولكنها لا تعالج إلا ما يقع عليه الحس والمشاهدة بالفعل، أو ما هو من نوع
3
هذه المحسات المشاهدات، ولا تنفك عن هذه القيود، تنفذ النظرة الدينية فترمي من وراء ذلك كله إلى حقيقة أخرى لا تلمس في داخل النفس ولا في خارجها المادي، وإنما هي ذات غيبية وراء الطبيعة، بل فوق الطبيعة ... فشأن المتدين أنه يطلب وراء كل حس معنى، ويلتمس تحت كل ظاهر باطنا، ويضع في مبدأ كل فعل فاعلا، معتقدا أنه لا يقع في الكون شيء، من دقيق الحوادث وجليلها إلا وللإله - أو لبعض الآلهة - فيه قضاء وتدبير.
نعم، إن الفلسفة الروحية تشارك النظرة الدينية في هذا الإيمان بما وراء الطبيعة من قوة أو قوى فاعلة عاقلة، ولكنها تفارقها بأنها منقطعة الصلة الأدبية بهذه القوة: فليس بين الفيلسوف وبينها ارتباط بحقوق أو واجبات، وليس بينهما مناجاة تتبادل فيها المطالب والرغبات، أما المتدين فإنه يؤمن بهذه الصلة إلى حد أنه يجعلها جزءا حيويا من كيانه النفسي؛ ولذلك نراه كلما حزبته حاجاته، وتعسرت عليه رغباته تطلع إلى روح أشد قوة ، يلتمس منها تلك الحاجات والرغبات. (2-6) الفرق بين التدين وبين السحر بأنواعه
على أنه ليس كل إيمان بقوة غيبية روحية، ولا كل توجه إلى تلك القوة، يدخل صاحبه في جماعة المتدينين، فإن موقف العالم الروحاني في مناجاته للأرواح، ليس أحق باسم التدين من موقف أخيه العالم الطبيعي لدى الأشباح، وإن كان قد يشتبه الأمر بينه وبين موقف المتدين في عبادته، من حيث يتصل كل منهما بقوة خفية يستلهمها ويلتمس عونها، إلا أنه على الرغم من الاشتراك في جنس هذه الصلة، تختلف الحقيقتان اختلافا كبيرا، حتى إن طرفي النسبة في الأوضاع غير الدينية قد يبدوان منعكسين تمام الانعكاس بالنسبة لهما في الأوضاع الدينية، وذلك أن القوى السرية التي يدعوها الساحر
4
أو الكاهن أو مناجي الأرواح لا تقع صورتها في أخيلتهم على أنها شيء يعلوهم فيتطاولون إليه، بل على أنها قرن ينازلونه، أو قرين يخادنونه، وقد يرون لأنفسهم من العلو والسلطان على تلك القوى بوسائلهم الخاصة ما يستطيعون به أن يقتنصوها ويخضعوها لأوامرهم، ويسخروها لرغباتهم، كما يسخر الكيميائي عناصر الطبيعة المادية لمآربه، أما العابد فإنه يقف من معبوده موقف الخاضع المتواضع الساعي في رضى سيده، المشفق من غضبه وسخطه. (2-7) تصوير الأهداف الثلاثة
فالفاصل الأخير، الذي يتم به تصوير القوة التي يؤمن بها المتدين، أنها قوة علوية سبحانية، قاهرة غير مقهورة، يخضع هو لها، ولا تخضع له.
Bilinmeyen sayfa