İnsan Dini
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Türler
ففي سفر الخروج التوراتي (9-10)، يقوم موسى وهارون بعدد من الممارسات التي لا تخفي طابعها السحري؛ فلكي يعمل موسى على إصابة المصريين بالبثور والدمامل، يلجأ إلى القيام بفعل يقلد انتشارها، حيث ينثر في الهواء ذرات من رماد الآتون: «فأخذ موسى وهارون رماد الآتون ووقفا أمام فرعون، وذراه موسى نحو السماء فصار دمامل في الناس وفي البهائم.» وبعد ذلك تقوم عصا هارون بالدور المعروف لعصا الساحر: «ومد هارون يده بعصاه وضرب تراب الأرض، فصار البعوض على الناس وعلى البهائم» ... و«ضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأمام عيون عبيده، فتحول كل الماء في النهر دما ومات السمك» ... «طرح هارون عصاه أمام فرعون وأمام عبيده فصارت ثعبانا، فدعا فرعون أيضا الحكماء والسحرة، ففعل عرافو مصر بسحرهم كذلك، طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين، ولكن عصا هارون ابتلعت عصيهم.»
وفي الواقع، لو أننا قرأنا عن عجائب موسى وهارون في ملحمة شعبية لا تستند إلى خلفية دينية، لقلنا ساحران عظيمان، أما هنا فهما من رجال الدين الصالحين؛ لأن القوة التي تنقل الأثر من حركة اليد أو العصا إلى النتيجة المرجوة، هي قوة منسوبة إلى قدرة إله مشخص ومسمى يتمتع بصفات وطبائع وتاريخ، أما وراء عصي حكماء وسحرة فرعون فهناك القوة الغفلة التي كانت في بؤرة الدين وصارت في بؤرة السحر. فإذا تابعنا المعجزات التي يجترحها موسى وهارون وصولا إلى قيام موسى بشق البحر بعصاه، لوجدنا أن هذا العمل الأشهر لموسى ليس إلا نسخة عن عمل سحري مشابه ورد في بردية مصرية تعود إلى حوالي عام 1550ق.م.
2
تحكي البردية ما ملخصه أن الفرعون سنيفرو شعر في أحد الأيام باكتئاب لم تنفع في إزالته كل ضروب اللهو المتوفرة في القصر الملكي، فدعا إليه كاهنا حكيما معروفا بقدراته السحرية واستشاره فيما يزيل عنه اكتئابه، فأشار الكاهن برحلة نهرية في القارب الملكي تتخللها ضروب اللهو والتسلية، ثم أشرف بنفسه على ترتيب الرحلة. وكان من جملة ما أعده الكاهن لهذه النزهة عشرون فتاة في ريعان الصبا، لبسن أبهى حلة، وتزين بأحلى زينة، ورحن يجذفن المركب الملكي وينشدن أعذب الألحان، فطرب الفرعون وزال عن قلبه الغم. ولكن إحدى الفتيات أسقطت إلى الماء سهوا مشبك شعرها التركوازي العزيز عليها، فحزنت وتوقفت عن التجذيف والغناء، وتوقفت معها أيضا صويحباتها. وهنا توجه الفرعون إلى الكاهن ليجد حلا للمسألة ويعيد الفرح إلى قلوب الفتيات، فوقف الكاهن عند حافة القارب وتلفظ ببعض أسماء القوة، فانشق الماء وانزاح نصفه متراكبا فوق النصف الآخر، فظهرت الحلية التي تم التقاطها وإعادتها إلى الفتاة، ثم نطق ثانية بأسماء القوة فعاد الماء سيرته الأولى.
ومن مصر القديمة بالذات تأتينا أغزر الوثائق عن العروة الوثقى التي تربط بين الدين والسحر في الحضارات الكبرى القديمة. يقول السير واليس بدج، وهو أهم دارس للديانة المصرية القديمة، عن علاقة الدين بالسحر في مصر القديمة: «إن الإيمان بالسحر هو أقدم في مصر من الإيمان بالإله. وإنه لمن المؤكد أن عددا كبيرا من الطقوس الدينية التي كانت تؤدى في الأزمنة اللاحقة، كجزء من العبادة الروحية السامية، تضرب أصولها في المعتقدات والممارسات الخرافية، التي تعود إلى عصر لم يكن الإله فيه قد تصور في عقل المصريين بأية صورة أو بأي اسم. ومن المحتمل أن رمز الفأس الذي يستخدم في الكتابة الهيروغليفية للدلالة على كلمة الله أو الإله، هو استمرار لنوع من الطقوس السحر-دينية التي كانت تتمركز حول الفأس نفسها في عصور ما قبل الأسرات، والتي رأت في هذه الأداة رمزا لحضور قوة عليا ... لقد تطور الدين والسحر جنبا إلى جنب في مصر القديمة عبر تاريخها، وإلى درجة تجعل البحث في أحدهما بالضرورة بحثا في الآخر.»
3
إن وصف واليس بدج للطورين اللذين مر بهما المعتقد المصري، وهما طور السحر وطور الدين، ليستقيم تماما إذا نحن استبدلنا تعبير الإيمان بالسحر بتعبير معتقد القوة السارية؛ لأن الطور الأقدم الذي تلمسه بدج عند جذور المعتقدات المصرية، هو دين العصر الحجري الذي استمر في أشكاله التي أوضحناها آنفا حتى بواكير عصر الأسرات. وقد نفذ هذا الباحث ببصيرته الثاقبة إلى المعنى الحقيقي لرمز الفأس، فرأى فيه شارة الألوهة التي تعادل، في تفسيرنا، رأس الثور عند إنسان العصر الحجري، وبقية تلك الشارات المستمدة من الوسط الطبيعي، والتي ترمز إلى حضور القوة في مقامات الإنسان الأول. كما تستقيم في ذهننا أيضا الفكرة التي يؤكد عليها واليس بدج دائما، حول امتزاج الدين بالسحر عبر تاريخ الديانة المصرية؛ لأن الذي مازج المعتقدات والممارسات الدينية في مصر إبان عصورها التاريخية هو في الواقع تلك المعتقدات والطقوس الخاصة بالأشكال الأصلية للدين، وقد تحورت بما يلائم ظهور الآلهة المشخصة في تاريخ الدين. يقول بدج: «إن دراسة ما وصل إلينا من الأدبيات الدينية لمصر القديمة يظهر أن الاعتقاد بالسحر؛ أي بفعالية الكلمات السحرية والتعاويذ والتمائم وما إليها، وأداء الطقوس المصحوبة بترديد أسماء القوة لتحقيق النتائج المرجوة، يشغل حيزا واسعا من الديانة المصرية. وإنه لمن المؤكد أنه بصرف النظر عن المساهمة الكبيرة والمستمرة التي أدتها مصر إلى الحضارة، وعن المستوى الراقي الذي وصل إليه فكر المصريين، فإن الاعتقاد بالسحر قد مارس تأثيره على عقولهم وصبغه بصبغته منذ بداية تاريخهم وحتى أواخره. وهذا ما يصعب علينا فهمه في هذه المرحلة من تاريخ الحضارة التي نعيشها الآن. إنه لمن الصعب علينا أن نفهم تلك العناية الفائقة التي مارسوا بها طقوسهم الدينية التي لا حصر لها، وحافظوا على تلك القواعد الموضوعة الخاصة بعبادة القوة أو القوى القدسية، وذلك الإخلاص التام للممارسات السحرية.»
4
وإنني لأتساءل في الواقع، أمام استغراب هذا الباحث اللامع، عن الفرق بين الإيحاء لقوة قدسية شمولية غير مشخصة بإحداث النتائج التي يرجوها الإنسان، وبين استجداء كائن إلهي مشخص ذي إرادة وأهواء ورغبات من أجل النتائج نفسها! ولماذا يكون الاعتقاد بقوة غفلة سارية في الكون اعتقادا بالخرافات والترهات، ويكون الاعتقاد بالآلهة التي ليست إلا صورة متفوقة عن البشر اعتقادا حضاريا راقيا؟
ومما يدل على أسبقية القوة السارية في الفكر الديني المصري على الآلهة المشخصة، أن الكاهن المتمرس بفنون السحر كان قادرا على التحكم حتى في الآلهة من أجل إجبارها على التدخل لصالح الناس؛ ذلك أن القوى التي يمتلكها كانت بلا حدود، فإذا نطق الكاهن بأسماء القوة بالطريقة المناسبة، استطاع شفاء المرض، وطرد الأرواح الشريرة من الأجسام، وتحويل الناس إلى حيوانات من شتى الأصناف وحتى على إحياء الموتى. كما كانت أسماء القوة قادرة على التحكم بالأمطار والرياح والعواصف وغيرها من الديناميات الطبيعية. ومن امتلكها انكشفت له حجب الماضي والمستقبل وعرف أقدار البشر أجمعين، لا يقف أمام قدرته حاجز المسافة أو الزمن، أو حتى قدرة الآلهة. لقد كان موقف المصري من آلهته مزدوجا؛ فهو يعبدها ويقدم لها القرابين ويستعطفها لتأمين معاشه وتخليص روحه، ولكنه من جهة أخرى كان يحاول التأثير عليها وقسرها على الوقوف في صفه، حتى وإن لم تكن راغبة في ذلك. ويبدو أن أسماء القوة التي كان الكهنة يمتلكونها، كانت قادرة أيضا على عون الآلهة ومساعدتهم على أداء مهامهم، لا نستثني من ذلك كبير الآلهة رع، الذي لم يكن يستطيع إنقاذ قرصه الشمسي من انقضاض التنين «أبيب» عليه عند الشروق، إلا بواسطة طقوس سحرية معينة وتعاويذ تتلى من قبل كهنة طيبة في أوقات معينة من الليل والنهار، من شأنها إظهار الإله الأعلى على خصمه الأبدي.
Bilinmeyen sayfa