İnsan Dini
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Türler
initiation )، التي تنقل الشباب البالغين من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة وتلقنهم أسرار دينهم، يرسم الطوطم على أجساد الشباب المشاركين في الطقس. إن مثل هذه الاستخدامات لصورة الطوطم تبين لنا أن الطوطم بالنسبة للعشيرة ليس مجرد اسم أو شعار، بل هو في الوقت نفسه شارة ذات بعد روحي وديني. وكما سنرى بعد قليل، فإن هيئة الطوطم إنما تشير إلى جوهر العالم القدسي عند الأستراليين.
تستخدم قبائل وسط أستراليا في أداء طقوسها أدوات خاصة يدعونها ب «التشورينغا»، وهي عبارة عن قطع من الخشب أو الحجر المصقول يغلب عليها الشكل البيضوي أو المستطيل. ولكل جماعة عدد من هذه الأدوات قل أو كثر، تحفر عليها صورة طوطمها وتنظر إليها بعين القداسة، فإذا أتمت طقوسها الدينية حفظت هذه الأدوات في حرز حريز، قد يكون كهفا في جبل أو وهدة في مكان مهجور، ويختم عليها بطريقة لا تسمح لعابر أن يتبين ما تحت الغطاء من كنز ثمين. ويشع هذا المكان الذي حفظت فيه التشورينغا هالة من القداسة على ما حوله من الهيئات الطبيعية إلى مسافة كبيرة، وتشكل الدائرة المحيطة به مكانا حراما لا يجوز في الاقتتال أو الصيد، ومن دخله صار آمنا من أعدائه، أما النساء وغير البالغين من الفتيان فيحظر عليهم الاقتراب من المكان، كما يحظر عليهم حتى النظر إلى الأدوات الطقسية عندما يتم إخراجها لإقامة الطقوس. ويعزو الأسترالي للتشورينغا خصائص فوق طبيعانية متعددة؛ فهي تشفي الأمراض عن طريق التماس، وتهب قوة خاصة للجماعة الطوطمية، فتشد من عزيمة أفرادها بينما تفت من عضد أعدائهم. والأهم من ذلك كله أن مصير الجماعة معلق على هذه الأدوات، فإن ضاعت لسبب من الأسباب تعرضت العشيرة للمصائب والفواجع.
لا تعدو التشورينغا أن تكون قطعا مادية من الخشب أو الحجر مما هو متوفر في المحيط الطبيعي، إلا أن ما يميزها عن بقية الموضوعات الدنيوية المادية هو شارة الطوطم المحفورة أو المرسومة عليها، والتي تعطيها صفة القداسة. أما الطريقة التي يرسم بها الأسترالي شارة طوطمه على الأدوات الطقسية أو غيرها، فتتميز بالاختزال الشديد، حيث يكتفي المصور بتنفيذ شكل مكون من خطوط هندسية فجة لا تربطها بالهيئة الطبيعية لموضوعه إلا أوهى الروابط؛ أي إن ما يتم تنفيذه فعلا عن التشورينغا أو الصخور وجذوع الأشجار والجسد الإنساني، لا يعدو أن يكون هيئة اصطلاحية لا يعرف معناها سوى أصحاب الطوطم والمعنيين بالأمر منهم، وأن الأسترالي لا يرسم طوطمه لغرض الحصول على صورة دقيقة تمثله، بل لتجسيد شارة تبقي الفكرة التي يمثلها الطوطم حاضرة أبدا؛ فصورة الحيوان هنا ليست مقصودة لذاتها، بل لما وراءها من أفكار تنتمي إلى مستوى آخر غير منظور، والطوطم الممثل في هيئة مادية ليس إلا رداء لقوة غير مادية.
إلا أن تقديس الشارة الطوطمية لا يتجاوز صورة الحيوان إلى الحيوان نفسه، والحيوان الذي اعتمدت صورته طوطما لا يدخل في الطقوس الدينية للعشيرة، رغم تمتعه بمكانة خاصة تميزه عن بقية الحيوانات. فالحيوان الطوطمي يتمتع بكثير من الاحترام والتبجيل، ولكن الأمر لا يصل بالجماعة إلى حد تأليهه كما هو الحال في صورته المقدسة. ورغم أن صيده وأكل لحمه محرم إلا في مناسبات طقسية معينة، إلا أن هذا التحريم لا ينسحب على أفراد الجماعات الأخرى التي تجد نفسها حرة في صيده وأكله، كما أن صيد الحيوان ممكن لجماعته في حال التعرض للمجاعة، أو في حال الدفاع عن النفس إذا كان من الكواسر. ومن علائم التمييز بين الحيوان الطوطمي وشارته المقدسة، أن الحيوان يمكن لمسه ورؤيته من قبل النساء وغير البالغين من الذكور، على عكس الشارة الطوطمية التي تحاط بشتى أنواع تابو اللمس والنظر وحتى الاقتراب، وهو يعيش في العالم الدنيوي الذي يعيش فيه الناس، على عكس صورته المحفورة على الأدوات الطقسية التي تخفى بعيدا عن جو العالم الدنيوي. والأسترالي يجتمع مع أفراد عشيرته أمام شارة الطوطم في المناسبات الدينية فيرقص حولها ويتعبد لها، ولكنه لا يستبدلها قط بالحيوان الطوطمي نفسه. وعندما يقوم بتعدية الفتيان البالغين إلى طور الرجولة وتلقينهم أسرار حياتهم الدينية، فإنه يفعل ذلك في الحرم المقدس حيث تحفظ صور الطوطم، لا حيث تسرح جماعات الحيوان الطوطمي. من هنا، فإن الاعتقاد الساذج بأن الطوطمية هي نوع من عبادة الحيوان، هو اعتقاد بعيد عن واقع الأمور، وقد جاء نتيجة الكتابات المتعجلة التي قدمت إلى الجمهور لتعريفه بالطوطمية خلال الفترات المبكرة لاكتشافها.
ولكن إلى ماذا تشير صورة الحيوان الطوطمي؟ وما الذي يعبده الأسترالي من وراء هذه الشارة المقدسة؟ إن تحليل المعلومات التي تم جمعها عن حياة المجتمعات الأسترالية ومعتقداتها وطقوسها الدينية منذ أواسط القرن التاسع عشر، يشير إلى أن ما يقدسه الأسترالي بالدرجة الأولى هو قوة غفلة غير مشخصة، بلا اسم وبلا شخصية وبلا تاريخ حياة، تسري في مظاهر الكون المادي جميعا، لا في هذا المظهر أو ذاك، ولا في هذه الفصيلة الحيوانية أو تلك. وقد عمد الأسترالي إلى تجسيد هذه القوة الغفلة، من خلال موضوع مرئي مأخوذ من عالم النبات أو الحيوان، وهذا هو الطوطم الذي يعبر من خلال شكله المادي عن الجوهر غير المادي، عن تلك الطاقة المنبثة في كل شيء والجديرة وحدها بالعبادة والتقديس. ولكن الأسترالي لا ينظر بالدرجة الأولى إلى هذه القوة باعتبارها قوة غيبية مفارقة، بل يراها كقوة فعلية تعبر عن نفسها بقوة ووضوح من خلال سيالتها في الموضوعات المادية، وهو يخشى بالفعل من التعامل معها بطريقة مخالفة للأصول؛ كي لا تصيبه بنوع من الصدمة التي تشبه ما نعرفه عن الصدمات الكهربائية. وبالإضافة إلى دور هذه القوى على المستوى الطبيعاني، فإنها تلعب دورا على المستوى الاجتماعي؛ لأن الطوطم هو في الوقت نفسه مصدر الحياة الأخلاقية للجماعة؛ ذلك أن كل أعضاء العشيرة المشتركين بالطوطم الواحد يشعرون برابطة أخلاقية تجمعهم وتنظم حياتهم.
2
غير أن المجتمعات الطوطمية في طورها المتقدم الذي نواجهه في أمريكا الشمالية، قد سارت بمفهوم المبدأ الطوطمي، الذي تتركز حوله المعتقدات الدينية للأستراليين، نحو شكل أكثر شمولية ونقاء. فلدى القبائل الهندية التي تنتمي إلى فخذ السيواكس
Sioxs (ومنهم الوماها والبونكا وكنساس وداكوتا) عدد من الكائنات الإلهية التي تتركز حولها الطقوس الدينية، إلا أنه فوق هذه الكائنات هناك قوة شمولية غير مشخصة تستمد منها هذه الكائنات الإلهية وجودها وفعاليتها، وتسمى واكان
Wakan . وقد ترجم هذا الاسم خطأ من قبل المبشرين الأوائل والرحالة ب «الروح الكبرى». ووجه الخطأ هنا أن مفهوم الروح مرتبط دوما بالتشخيص الغريب كل الغرابة عن مفهوم الواكان؛ فالواكان هو السر المحرك للكون، وليست مظاهر الطبيعة كالأرض والرياح الأربعة والشمس والقمر والنجوم إلا تمظهرات لهذه القوة المحركة الشمولية المتخللة في كل شيء، والتي تشبه أحيانا بنسمة الهواء التي تتمفصل مع الكون عند الجهات الأربع وتتسبب في تحريك كل متحرك. إن خصائص الواكان لا تتبدى في مقدرته على إتيان هذا الفعل أو ذاك، ولكنه القوة بالإطلاق، والمبدأ الذي به يقوم كل شيء، الطاقة التي تغذي كل قدرة متبدية في هذا العالم؛ ففي الأساس من كل ظاهرة، هناك مقادير من هذه الطاقة غير متكافئة، وليس الاستقرار الكوني إلا نتاج تقابل هذه القوى غير المتكافئة وتحييدها لبعضها بعضا.
3
Bilinmeyen sayfa