İnsan Dini
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Türler
الحقيقة الثانية:
هي أن سبب الألم والشقاء هو الرغبة، الرغبة في الحياة وفي متعها؛ ذلك أن الرغبة لا يمكن إرضاؤها، فهي كالنار كلما أوقدتها حطبا زادت تأججا، وكلما ازداد الفرد رغبة في الحياة، كلما دفع أمامه سلسلة لا تنتهي من التناسخات المقبلة، يخلقها الطمع في استمرار وهم الوجود.
الحقيقة الثالثة:
هي أن القضاء على الشقاء ممكن، وذلك بالقضاء على الرغبة، وعدم التعلق بأسباب الحياة، وهذا من شأنه تحضير الفرد للخروج من دورة التناسخ إلى النيرفانا؛ أي من الصيرورة إلى الوجود. أما ما هو شكل هذا الوجود وما طبيعته، فأمر رفض البوذا التحدث عنه بإصرار.
الحقيقة الرابعة:
هناك طريق إلى النيرفانا، هو طريق ذو المراحل الثمانية، وهي: (أ) الرؤيا السليمة: وهنا على السالك أن يتخلص من كل الخرافات والطقوس البدائية، وخصوصا ما تعلق منها بالقرابين الحيوانية. كما عليه أن يتخلص من الاعتقاد بالأرواح الحالة في مظاهر الطبيعة، والجن والعفاريت من أي نوع. وبشكل خاص عليه أن يتخلص من فكرة وجود خالق أعلى للكون يمكن أن يمد يد العون للإنسان في سعيه نحو التحرر، وأن يسلك منفردا طريق الانعتاق. (ب) الموقف الفكري السليم: فإذا آمن الإنسان مثلا بالتمييز بين الأفراد أو الجماعات أو الأجناس، فإن ما يصدر عنه من أحكام وقرارات سوف يتسبب في مزيد من الآلام له ولمن حوله. (ج) الخطاب السليم: فكل فعل يسبقه عادة كلام، وهذا الكلام يجب أن يكون خاليا من الكذب والخداع والفردية. (د) السلوك السليم: حيث يحجم الفرد عن القتل والسرقة والزنى وشرب المسكرات وما إليها، ويقبل على الصدقة والعون وحسن المعاملة. (ه) سبل العيش السليمة: وتقوم هذه السبل على أساس مكين من السلوك السليم، فلا يحصل الفرد عيشه إلا بأفضل الطرق وأنبلها. (و) السعي السليم: فعلى المرء أن يسعى من أجل ارتقائه العقلي والخلقي، من ذلك مثلا نبذ العادات السيئة واكتساب عادات حسنة، والتحرر من الميول الهدامة وتنمية الميول البناءة. (ز) اليقظة السليمة: وهي العناية المبذولة من أجل تيقظ الجسم والعقل، حيث يبقى الفرد في حالة مراقبة لأحاسيسه وأفكاره. (ح) التأمل السليم: وهو الاستغراق الباطني الذي يدفع بالسالك إلى عتبة الاستنارة. ففي جلسة الاستغراق التقليدية التي نراها في تماثيل البوذا، يقوم المستغرق بتركيز وعيه على الآن، وكأن الزمان قد توقف، فلا ماضي للوعي ولا مستقبل، في لحظة متطاولة تبدو وكأنها حاضر أبدي. ولهذا الاستغراق في الممارسة البوذية ثماني درجات، توصل الدرجة الأخيرة منها إلى النيرفانا، بعد تمرس طويل بالدرجات السبع السابقة.
فيما يتعلق بهذه الخطوات الثمانية للتخلص من الالتصاق بالحياة ودخول النيرفانا، أود أن أتقدم بملاحظتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بالسلوك الأخلاقي الذي تتضمنه الخطوات من 2 إلى 7؛ فهذا السلوك لا يتبع شريعة أخلاقية مفروضة من قبل أية سلطة عليا، بل هو التزام داخلي من شأنه مساعدة السالك على توليد كارما إيجابية تنتهي به إلى حالة اللافعل. فالأعمال الحسنة هي غالبا تلك الأعمال التي لا تصدر عن رغبة ولا عن طمع، وهي التي تقود في النهاية إلى عون صاحبها على التخلص من الرغبة في استمرار العيش، وصولا إلى الحالة التي يعزف السالك فيها عن إتيان أي فعل حسنا كان أم سيئا؛ لأن أي فعل في النهاية هو فعل موجه نحو التشبث بالحياة. والملاحظة الثانية تتعلق بالفهم الصحيح لموقف السالك البوذي من حياته الحالية؛ فالخطوات السبع، التي أشرت إليها أعلاه، تظهر بوضوح أن البوذي يتخذ من حياته وحياة الآخرين موقفا إيجابيا لا سلبيا عدميا، وهو بالتزامه المعايير الأخلاقية لا يدير ظهره للمجتمع والحياة، بل ينخرط فيهما دونما تعلق أو تشبث، ويمارس الفعل الذي لا يصدر عن رغبة وطمع، وذلك تمهيدا لقطع سلسلة السمسارا التي تولدها الرغبة في استمرار العيش. فجهده والحالة هذه إنما ينصب على عدم الولادة الجديدة في تقمص كارمي آخر، لا على تدمير حياته الحالية أو إدارة ظهره لها، وحالة اللافعل التي يتوصل إليها في النهاية إنما تأتي بعد أن يكون قد أدى التزاماته الاجتماعية والأسرية.
إن صرامة الطريق الذي وضعه بوذا للتحرر، قد أدى بشكل طبيعي إلى انقسام المجتمع البوذي إلى شريحتين، كما هو حال المجتمع الجايني، شريحة الرهبان المنذورين للخلاص، وشريحة الناس العاديين الذين يتبعون منهجا أقل صرامة لا يؤدي إلى الانعتاق بل إلى تناسخات مقبلة تمهد له. وقد قادت صرامة البوذية الأصلية، التي تنتشر اليوم في سيريلانكا وبورما وتايلاند، إلى نشوء مدارس بوذية تجديدية، أهمها بوذية المهايانا التي انتشرت نحو الصين واليابان وبقية أنحاء الشرق الأقصى. وبما أن مجالنا هنا لا يتسع لمعالجة الفوارق بين الاتجاهين، فإننا نكتفي بالإشارة إلى أهمها في اعتقادنا، وهو لجوء المهايانا إلى خلق كائنات ما ورائية شفيعة من شأنها مد يد العون للبشر في حياتهم وعونهم على تحقيق الخلاص. •••
وهكذا، فمع انتهائنا من استقصاء المعتقد البوذي الذي لم ير في الحياة إلا تدفقا وهميا لا ثبات له إلا في النيرفانا، ولم ير في عالم الناسوت إلا ظلا لا قوام له يلقيه عالم اللاهوت مصطنعا ما يشبه الوجود وما هو بالوجود، نكون قد أكملنا رحلتنا في معتقدات الحضارات الكبرى للشرق الأقصى.
إن النتيجة التي أوصلنا إليها استقصاؤنا للمعتقدات الشرقية، تؤكد لنا أننا ما زلنا أمام المفاهيم الدينية الأساسية لإنسان العصر الحجري، ولأشكالها التي استمرت في الثقافات البدائية، وأن المعتقد الديني الإنساني واحد في أساسه وأصوله. إن بضعة الآلاف من السنين التي قضاها الإنسان المتحضر وهو يفلسف معتقده الديني فيصبه في هذا القالب النظري أو ذاك، لم يؤد به إلا إلى قول الأشياء القديمة نفسها وفق صيغ جديدة ظن بها تقديم الجديد، وما هو بالجديد. ولقد تعلمنا شيئا على جانب كبير من الأهمية، خلال رحلتنا الاستقصائية المشرقية هذه، يتعلق بدور الألوهة المشخصة في الحياة الدينية للإنسان، وعلاقتها بالمعتقد الأصلي الأساسي للألوهة غير المشخصة؛ فالأصل في الألوهة التجريد والتنزيه، والإنسان الأول لم يجعل لمجاله القدسي ممثلين يمشون على الأرض أو يتحركون في السماء، ولم يرسم لهم صورة ولم يتخيلهم بأي شكل من الأشكال، بل آمن بالمجال القدسي، ورأى آثار قوته السارية في مظاهر الكون، فجعل له شارة هي رمزه المرئي في عالم الناسوت. وعندما ظهرت الآلهة عبر المراحل الدينية اللاحقة، فإنها حلت محل الشارة المقدسة القديمة، وصارت الرمز الذي يتوصل الإنسان من خلاله إلى المجال القدسي. ثم إن القوة السارية قد حلت في هذه الكائنات، وبدلا من تلك القوة الغفلة غير المشخصة، صار لدينا عدد من القوى المتجزئة المتخصصة.
Bilinmeyen sayfa