وما هي إلا بضع خطوات حتى أدرك ما صنعه به ضابط الشرطة.
فقد سقاه شربة شديدة المفعول زاد من قوتها تقافز الحصان في مشيته. ولك أن تتصور رجلا وقور المظهر ذا شارب يقف عليه الصقر يلبس حلة ناصعة، وطربوشا أنيقا تفاجئه الحاجة في عرض الطريق دون بيت يستر أمره.
وراح يقضي حاجته في الحقول كل خمس دقائق أو عشر، والطريق طويل والحر قائظ، وضباط النقطة يعلمون جميعا ما صنعه زميلهم في بلبيس، فقد أخبرهم به بالتليفون الذي يربط بينهم، فهم جميعا يترقبون مرور السيد بك. - اتفضل يا سيد بك.
ويعرف من وجوههم أنهم على علم بالمؤامرة. - الله يخرب بيتكم جميعا، والله لأنتقم منكم شر انتقام.
ولكنه متقطع الأنفاس لا يكاد يقيم أوده على الحصان، وقد اجتمع عليه الحر والحصان والعرق ومفعول الشربة.
وحين بلغ بيته كان قريبا من الموت لولا أن أهله أسعفوه بما يسعف به من في مثل حالته.
ومع ذلك لم يكف السيد بك عن المزاح الشاتم لأصدقائه الذين كانوا يحبونه كل الحب.
وكانت أم كلثوم تحب أن تمازحه وتستخف دمه؛ فكان إذا جاءت إلى غزالة يأتي فيقيم في بيتنا طوال المدة التي تقضيها أم كلثوم في غزالة، ومن أجمل ما سمعناه منها له تلك النكتة الشهيرة التي أصبحت على كل لسان. نظرت إليه طويلا بعد نوبة سباب انهال بها عليها، ثم قالت له: «يا سيد بك.»
ودون توقع منه قال في وقاحة: «نعم يا بنت الشيخ إبراهيم.»
فإذا هي تقول له في بساطة: «شنبك متربي أحسن منك.»
Bilinmeyen sayfa