الفصل التاسع
المساعدون والمساعدات
بدأت التأليف بمجرد عودتي من فرنسا عام 1966م. وكانت الطباعة الأولى يومئذ على الآلة الكاتبة. وبعد ذلك تأخذ المطبعة الكتاب وتجمعه يدويا بلصق الحروف المتفرقة بعضها بالبعض. وكانت كبيرة الحجم حتى يسهل التعامل معها، ثم تحولت الطباعة بعد ذلك إلى جمع الحروف بالرصاص في سطور تربط بحبل رفيع «الدوبارة». ويكون التصحيح بتغيير السطر كله وليست مجرد الكلمة. ثم بدأت الطباعة أخيرا عن طريق الحاسب الآلي «الكمبيوتر». وفي مرحلة الآلة الكاتبة كنت أذهب إلى مكتب لهذا الغرض في ميدان الجامع بمصر الجديدة. وكانت طباعة الصفحة بقيمة خمسة قروش ثم زادت إلى سبعة. ولما كنت لا أحسن استخدام الحاسب الآلي ولا أحب التعامل معه وكانت تكفيني الكتابة بخط اليد سواء كان الخط حسنا أم رديئا، مقروءا أم غير مقروء، صحيحا نحويا أم به أخطاء. وفي مكتبة «غريب» التي بدأت بطباعة الأجزاء الأولى لكتابي «من النقل إلى الإبداع» تعرفت على كاتبة تكتب على الحاسب الآلي بدار النشر، وطلبت منها أن تعمل ساعات إضافية عندي لتحويل خط اليد إلى طباعة على الحاسب الآلي وقبل أن أقدم ذلك إلى دار النشر.
وكانت تأتي وهي محجبة، وتطبع، وتساوم في ثمن الصفحة. ثم تقرأ القرآن بعدها، لم تدم في العمل معي كثيرا لإحساسي بأنها تظهر غير ما تبطن، وأن قراءة القرآن مجرد غطاء لنيل مكسب أكبر.
بعد ذلك تعرفت على موظف بشركة تعمل في مكان ليس بعيدا عني، كان يأتي بعد الظهر ليساعدني فيما كتبته لطباعته على الحاسب الآلي. وظل معي حتى الآن، حوالي تسعة عشر عاما، وهو نموذج للأمانة والكفاءة.
ولما كثرت مراسلاتي مع الخارج وتعبنا من كتابتها بخط اليد، اشتريت جهازا آخر لإرسال الرسائل الإلكترونية، وساعدني في إرسال هذه «الإيميلات».
ولما عرفت أنه يمكن عمل خط على الإنترنت وباسمي مباشر ترسل عن طريقه الرسائل والردود عليها مباشرة وأتلقى الرسائل من الخارج خلاله مباشرة. استعملت هذا النظام الجديد، ولما زاد وكبر حجم العمل عليه، تعرفت على عدد من الشباب للكتابة على الحاسب الآلي؛ تعرفت على اثنين ثم ثالث، وكانت مهمتهم بعد الطباعة على الحاسب الآلي أن يضعوا المكتبة بعناوين كتبها ونقلها على الحاسب الآلي حتى أحسن تبويبها وترقيم كتبها وسهولة التعامل معها. إذا أردت كتابا بعينه أجده بالرقم محفوظا دون البحث اليدوي.
ولما توسموا في الطيبة وحسن المعاشرة اقترضوا مني المال مقدما، فكانوا يأخذون أولا وقبل موعد الاستحقاق، وما زالوا يطلبون المال حتى كثرت ديونهم، وقل عملهم، وبدءوا في الاختفاء التدريجي وعدم الحضور.
وكان البعض يأتي لينفذ عمله الخاص على الجهاز عندي. ويستعمل شبكة الاتصال الدولي «الإنترنت» حتى زاد الاستهلاك. وحذرتني شركة الاتصالات بأنه لا بد من زيادة مبلغ الاشتراك طالما أن الاستهلاك يزيد وإلا انقطع الخط.
وفي شهر رمضان كانوا يأتون بعد الانتهاء من أعمالهم عصرا، يعملون لمدة ساعة ثم يؤذن المغرب بعدها؛ أحمل لهم «صواني طعام الإفطار» لأنني أحب أن أفطرهم. ثم بعد الإفطار يعملون ساعة واحدة ويغادرون بعدها، ولو أنه كان من الأولى أن يفطروا في منازلهم ثم يأتون عندي بعد الإفطار؛ لأن الليل ممتد في أمسيات رمضان وحتى موعد السحور؛ مما يسمح بإنجاز قدر أكبر من العمل.
Bilinmeyen sayfa