بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
[طَبَقَات الصُّوفِيَّة]
الْمُقدمَة
الْحَمد لله الَّذِي أظهر آثَار قدرته وأنوار عزته فِي كل وَقت وزمان وَحين وَأَوَان وَعمر كل عصر من الْأَعْصَار بِنَبِي مَبْعُوث يدل الْخلق ويرشدهم إِلَيْهِ إِلَى أَن ختم الْأَنْبِيَاء وَالرسل بِالنَّبِيِّ الْأَشْرَف وَالرَّسُول الْأَعْلَى مُحَمَّد ﷺ وعَلى جَمِيع أَنْبيَاء الله وَرُسُله
وأتبع الْأَنْبِيَاء ﵈ بالأولياء يخلفونهم فِي سُنَنهمْ ويحملون أمتهم على طريقتهم وسمتهم فَلم يخل وقتا من الْأَوْقَات من دَاع إِلَيْهِ بِحَق أَو دَال عَلَيْهِ بِبَيَان وبرهان
وجعلهم طَبَقَات فِي كل زمَان فالولي يخلف الْوَلِيّ بِاتِّبَاع آثاره والاقتداء بسلوكه فيتأدب بهم المريدون ويأتسي بهم الموحدون قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤوهم فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء﴾ الْآيَة الْفَتْح ٢٥
وَقَالَ النَّبِي ﷺ خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ الحَدِيث
وَقَالَ ﷺ (مثل أمتِي مثل الْمَطَر لَا يدْرِي أَوله خير أم آخِره)
1 / 20
فَعلم ﷺ أَن آخر أمته لَا يَخْلُو من أَوْلِيَاء وبدلاء يبينون للْأمة ظواهر شرائعه وبواطن حقائقه ويحملونهم على آدابها ومواجبها إِمَّا بقول أَو بِفعل
فهم فِي الْأُمَم خلفاء الْأَنْبِيَاء وَالرسل صلوَات الله عَلَيْهِم وهم أَرْبَاب حقائق التَّوْحِيد والمحدثون وَأَصْحَاب الفراسات الصادقة والآداب الجميلة والمتبعون لسنن الرُّسُل صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَلذَلِك روى عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (لَا يزَال فِي أمتِي أَرْبَعُونَ على خلق إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ﵇ إِذا جَاءَ الْأَمر قبضوا)
وَقد ذكرت فِي كتاب الزّهْد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعين قرنا فقرنا وطبقة فطبقة إِلَى أَن بلغت النّوبَة إِلَى أَرْبَاب الْأَحْوَال الْمُتَكَلِّمين على لِسَان التفريد وحقائق التَّوْحِيد وَاسْتِعْمَال طرق التَّجْرِيد فَأَحْبَبْت أَن أجمع فِي سير متأخري الْأَوْلِيَاء كتابا أُسَمِّيهِ طَبَقَات الصُّوفِيَّة أجعله على خمس طَبَقَات من أَئِمَّة الْقَوْم ومشايخهم وعلمائهم فأذكر فِي كل طبقَة عشْرين شَيخا من أئمتهم الَّذين كَانُوا فِي زمَان وَاحِد أَو قريب بَعضهم من بعض وأذكر لكل وَاحِد من كَلَامه وشمائله وَسيرَته مَا يدل على طَرِيقَته وحاله وَعلمه بِقدر وسعى وطاقتي
وَهَذَا بعد أَن استخرت الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَفِي جَمِيع أموري وبرئت فِيهِ من حَولي وقوتي وَسَأَلته أَن يُعِيننِي عَلَيْهِ وعَلى كل خير ويوفقني لَهُ ويجعلني من أَهله وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَسلم كثيرا
1 / 21
الطَّبَقَة الأولى
١ - مِنْهُم الفضيل بن عِيَاض بن مَسْعُود بن بشر التَّمِيمِي ثمَّ الْيَرْبُوعي
خراساني من نَاحيَة مرو من قَرْيَة يُقَال لَهَا فندين كَذَلِك ذكره إِبْرَاهِيم ابْن الْأَشْعَث صَاحبه فِيمَا أخبرنَا بِهِ يحيى بن مُحَمَّد العكرمي بِالْكُوفَةِ قَالَ سَمِعت الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الفرزدق بِمصْر قَالَ سَمِعت أَحْمد بن حموك قَالَ سَمِعت نصر بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ قَالَ سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث يذكر ذَلِك
وَذكر إِبْرَاهِيم بن شماس أَنه ولد بسمرقند وَنَشَأ بأبيورد
1 / 22
كَذَلِك سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن رُمَيْح يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن نصر الضَّبِّيّ بسمرقند يَقُول يَقُول سَمِعت مُحَمَّدًا بن عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن شماس قَالَ سَمِعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول ولدت بسمرقند ونشأت بأبيورد وَرَأَيْت بسمرقند عشرَة آلَاف جوزة بدرهم
سَمِعت أَبَا مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي يَقُول سَمِعت السراج يَقُول سَمِعت الْجَوْهَرِي يَقُول حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة بن الفضيل بن عِيَاض قَالَ أَبى فُضَيْل ابْن عِيَاض بن مَسْعُود بن بشر يكنى بِأبي عَليّ من بني تَمِيم من بني يَرْبُوع من أنفسهم ولد بسمرقند وَنَشَأ بأبيورد وَالْأَصْل من الْكُوفَة
وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَارِث فُضَيْل بن عِيَاض بخاري الأَصْل وَالله أعلم
مَاتَ فِي الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَأسْندَ الحَدِيث
أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الرَّازِيّ قَالَ أخبرنَا الْحُسَيْن بن دَاوُد الْبَلْخِي قَالَ أخبرنَا فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ أخبرنَا مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (يَقُول الله تَعَالَى للدنيا يَا دنيا مري على أوليائي وَلَا تحلولي لَهُم فتفتنيهم)
1 / 23
أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت مُحَمَّدًا بن نصر بن مَنْصُور الصَّائِغ قَالَ سَمِعت مرْدَوَيْه الصَّائِغ قَالَ سَمِعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول من يجلس مَعَ صَاحب بِدعَة لم يُعْط الْحِكْمَة
قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول فِي آخر الزَّمَان أَقوام يكونُونَ إخْوَان الْعَلَانِيَة أَعدَاء السريرة
وَبِه قَالَ سَمِعت الفضيل يَقُول أَحَق النَّاس بِالرِّضَا عَن الله أهل الْمعرفَة بِاللَّه ﷿
قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول لَا يَنْبَغِي لحامل الْقُرْآن أَن يكون لَهُ إِلَى خلق حَاجَة لَا إِلَى الْخُلَفَاء فَمن دونهم يَنْبَغِي أَن تكون حوائج الْخلق كلهم إِلَيْهِ
قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول لم يدْرك عندنَا من أدْرك بِكَثْرَة صِيَام وَلَا صَلَاة وَإِنَّمَا أدْرك بسخاء الْأَنْفس وسلامة الصَّدْر والنصح للْأمة
قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول لم يتزين النَّاس بِشَيْء أفضل من الصدْق وَطلب الْحَلَال
قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول أصل الزّهْد الرِّضَا عَن الله تَعَالَى
1 / 24
قَالَ وسمعته يَقُول من عرف النَّاس استراح
قَالَ وسمعته يَقُول إِنِّي لَا أعتقد إخاء الرجل فِي الرِّضَا وَلَكِنِّي أعتقد إخاءه فِي الْغَضَب إِذا أغضبته
سَمِعت عبيد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حمدَان العكبري قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد بن الراجيان قَالَ حَدثنَا فتح بن شخرف قَالَ حَدثنَا عبد الله بن خبيق قَالَ قَالَ الفضيل تبَاعد من الْقُرَّاء فَإِنَّهُم إِن أحبوك مدحوك بِمَا لَيْسَ فِيك وَإِن أبغضوك شهدُوا عَلَيْك وَقبل مِنْهُم
سَمِعت مُحَمَّدًا بن الْحسن بن خَالِد الْبَغْدَادِيّ بنيسابور يَقُول سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن صَالح يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يزِيد حَدثنَا إِبْرَاهِيم قَالَ سَأَلت الفضيل بن عِيَاض عَن التَّوَاضُع فَقَالَ أَن تخضع للحق وتنقاد لَهُ وَتقبل الْحق من كل من تسمعه مِنْهُ
سَمِعت عبيد الله بن عُثْمَان يَقُول سَمِعت مُحَمَّدًا بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت الْمروزِي يَقُول سَمِعت بشرا بن الْحَارِث يَقُول قَالَ الفضيل بن عِيَاض أشتهي مَرضا بِلَا عواد
أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن جَعْفَر الشَّيْبَانِيّ قَالَ سَمِعت زَنْجوَيْه ابْن الْحسن اللباد قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْحسن الْهِلَالِي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن
1 / 25
الْأَشْعَث قَالَ سَمِعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول إِن فِيكُم خَصْلَتَيْنِ هما من الْجَهْل الضحك من غير عجب والتصبح من غير سهر
قَالَ وسمعته يَقُول من أظهر لِأَخِيهِ الود والصفاء بِلِسَانِهِ وأضمر لَهُ الْعَدَاوَة والبغضاء لَعنه الله فأصمه وأعمى بَصِيرَة قلبه
قَالَ وَسمعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول فِي قَول الله تَعَالَى ﴿إِن فِي هَذَا لبلاغا لقوم عابدين﴾ الْآيَة ﴿الْأَنْبِيَاء﴾ لذين يُحَافِظُونَ على الصَّلَوَات الْخمس
قَالَ وسمعته يَقُول كَانَ يُقَال جعل الشَّرّ كُله فِي بَيت وَجعل مفتاحه الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَجعل الْخَيْر كُله فِي بَيت وَجعل مفتاحه الزّهْد فِي الدُّنْيَا
قَالَ وسمعته يَقُول من كف شَره فَمَا ضيع مَا سره
وَبِه قَالَ الفضيل ثَلَاث خِصَال تقسي الْقلب كَثْرَة الْأكل وَكَثْرَة النّوم وَكَثْرَة الْكَلَام
قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول خير الْعَمَل أخفاه وأمنعه من الشَّيْطَان وأبعده من الرِّيَاء
قَالَ وسمعته يَقُول إِن من شكر النِّعْمَة أَن نُحدث بهَا
وَبِه قَالَ الفضيل أَبى الله إِلَّا أَن يَجْعَل أرزاق الْمُتَّقِينَ من حَيْثُ لَا يحتسبون
وَبِه قَالَ الفضيل لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَلَا أجر لمن لَا حسبَة لَهُ
1 / 26
وَبِه قَالَ طُوبَى لمن استوحش من النَّاس وَأنس بربه وَبكى على خطيئته
وَمِنْهُم ذُو النُّون بن إِبْرَاهِيم الْمصْرِيّ أَبُو الْفَيْض وَيُقَال ثَوْبَان ابْن إِبْرَاهِيم وَذُو النُّون لقب وَيُقَال الْفَيْض بن إِبْرَاهِيم
سَمِعت عليا بن عمر بن أَحْمد بن مهْدي الْحَافِظ بِبَغْدَاد يَقُول أَخْبرنِي الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الماذرائي قَالَ قَرَأَ عَليّ أَبُو عمر الْكِنْدِيّ فِي كِتَابه أَعْيَان الموَالِي فَذكر فِيهِ وَمِنْهُم ذُو النُّون بن إِبْرَاهِيم الأخميمي مولى لقريش وَكَانَ أَبوهُ إِبْرَاهِيم نوبيا
توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ كَذَلِك أَخْبرنِي عَليّ بن عمر أَخْبرنِي الْحسن بن رَشِيق الْمصْرِيّ إجَازَة حَدثنِي جبلة بن مُحَمَّد الصَّدَفِي حَدثنَا عبد الله بن سعيد بن كثير ابْن عفير بذلك
وَقيل مَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين
1 / 27
وَأسْندَ الحَدِيث أخبرنَا عبد الله بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم الصُّوفِي أخبرنَا مُحَمَّد بن حمدون بن مَالك الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد بن الْمُبَارك وَأخْبرنَا أَحْمد بن صليح الفيومي أخبرنَا ذُو النُّون الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر)
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الله الوَاسِطِيّ قَالَ سَمِعت إِبْرَاهِيم بن يُونُس يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول إياك تكون بالمعرفة مُدعيًا أَو تكون بالزهد محترفا أَو تكون بِالْعبَادَة مُتَعَلقا
وَبِه قَالَ سَمِعت ذَا النُّون وَسُئِلَ مَا أخْفى الْحجاب وأشده قَالَ رُؤْيَة النَّفس وتدبيرها
1 / 28
أخبرنَا الْحسن بن رَشِيق إجَازَة قَالَ حَدثنَا عَليّ بن يَعْقُوب بن سُوَيْد الْوراق حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ سَمِعت ذَا النُّون وَسُئِلَ عَن الْمحبَّة قَالَ أَن تحب مَا أحب الله وَتبْغض مَا أبْغض الله وَتفعل الْخَيْر كُله وترفض كل مَا يشغل عَن الله وَألا تخَاف فِي الله لومة لائم مَعَ الْعَطف للْمُؤْمِنين والغلظة على الْكَافرين وَاتِّبَاع رَسُول الله ﷺ فِي الدّين
سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت يُوسُف ابْن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول قَالَ الله تَعَالَى (من كَانَ لي مُطيعًا كنت لَهُ وليا فليثق بِي وليحكم عَليّ فَوَعِزَّتِي لَو سَأَلَني زَوَال الدُّنْيَا لأزلتها لَهُ)
أَخْبرنِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب إجَازَة أَن عبد الله بن مُحَمَّد بن مَيْمُون حَدثهمْ قَالَ سَأَلت ذَا النُّون عَن الصُّوفِي فَقَالَ من إِذا نطق أبان نطقه عَن الْحَقَائِق وَإِن سكت نطقت عَنهُ الْجَوَارِح بِقطع العلائق
وَبِه قَالَ سَمِعت ذَا النُّون يَقُول الْأنس بِاللَّه من صفاء الْقلب مَعَ الله والتفرد بِاللَّه الِانْقِطَاع من كل شَيْء سوى الله
سَمِعت أَبَا عُثْمَان سعيد بن أَحْمد بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن سهل يَقُول سَمِعت سعيد بن عُثْمَان الْخياط يَقُول سَمِعت ذَا
1 / 29
النُّون يَقُول من أَرَادَ التَّوَاضُع فليوجه نَفسه إِلَى عَظمَة الله فَإِنَّهَا تذوب وتصفو وَمن نظر إِلَى سُلْطَان الله ذهب سُلْطَان نَفسه لِأَن النُّفُوس كلهَا فقيرة عِنْد هيبته
قَالَ وَسمعت سعيد بن عُثْمَان يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول لم أر أَجْهَل من طَبِيب يداوي سَكرَان فِي وَقت سكره لن يكون لسكره دَوَاء حَتَّى يفِيق فيداوى بِالتَّوْبَةِ
وَبِه قَالَ سَمِعت ذَا النُّون يَقُول لم أر شَيْئا أبْعث لطلب الْإِخْلَاص من الْوحدَة لِأَنَّهُ إِذا خلا لم ير غير الله تَعَالَى فَإِذا لم ير غَيره لم يحركه إِلَّا حكم الله وَمن أحب الْخلْوَة فقد تعلق بعمود الْإِخْلَاص واستمسك بِرُكْن كَبِير من أَرْكَان الصدْق
وَبِه قَالَ سَمِعت ذَا النُّون يَقُول من عَلَامَات الْمحبَّة لله مُتَابعَة حبيب الله فِي أخلاقه وأفعاله وَأمره وسننه
وسمعته يَقُول إِذا صَحَّ الْيَقِين فِي الْقلب صَحَّ الْخَوْف فِيهِ
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت الْعَبَّاس بن يُوسُف يَقُول سَمِعت سعيد بن عُثْمَان يَقُول أَنْشدني ذُو النُّون
1 / 30
(أَمُوت وَمَا مَاتَت إِلَيْك صبابتي ... وَلَا قضيت من صدق حبك أوطاري)
(مناي المنى كل المنى أَنْت لي مني ... وَأَنت الْغَنِيّ كل الْغنى عِنْد إقتاري)
(وَأَنت مدى سؤلي وَغَايَة رغبتي ... وَمَوْضِع آمالي ومكنون إضماري)
(تحمل قلبِي فِيك مَا لَا أبثه ... وَإِن طَال سقمي فِيك أَو طَال إضراري)
(وَبَين ضلوعي مِنْك مَا لَك قد بدا ... وَلم يبد باديه لأهل وَلَا جَار)
(وَبِي مِنْك فِي الأحشاء دَاء مخامر ... وَقد هدمني الرُّكْن وانبث إسراري)
(أَلَسْت دَلِيل الركب إِن هم تحيروا ... ومنقذ من أشفى على جرف هاري)
(أنرت الْهدى للمهتدين وَلم يكن ... من النُّور فِي أَيْديهم عشر معشار)
(فنلني بِعَفْو مِنْك أَحْيَا بِقُرْبِهِ ... اغثني بيسر مِنْك يطرد إعساري)
قَالَ وَسمعت ذَا النُّون يَقُول لَئِن مددت يَدي إِلَيْك دَاعيا لطالما كفيتني سَاهِيا أأقطع مِنْك رجاي بِمَا عملت يداي حسبي من سُؤَالِي علمك بحالي
وَبِه قَالَ ذُو النُّون كل مُدع مَحْجُوب بِدَعْوَاهُ عَن شُهُود الْحق لِأَن الْحق شَاهد لأهل الْحق لِأَن الله هُوَ الْحق وَقَوله الْحق وَلَا يحْتَاج أَن يَدعِي إِذا كَانَ الْحق شَاهدا لَهُ فَأَما إِذا كَانَ غَائِبا فَحِينَئِذٍ يدعى وَإِنَّمَا تقع الدَّعْوَى للمحجوبين
1 / 31
وَبِه قَالَ ذُو النُّون من أنس بالخلق فقد استمكن من بِسَاط الفراعنة وَمن غيب عَن مُلَاحظَة نَفسه فقد استمكن من الْإِخْلَاص وَمن كَانَ حَظه فِي الْأَشْيَاء هُوَ لَا يُبَالِي مَا فَاتَهُ مِمَّا هُوَ دونه
سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْقزْوِينِي يَقُول سَمِعت عَليّ بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد البزناني يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت فَارِسًا يَقُول سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول الصدْق سيف الله فِي أرضه مَا وضع على شَيْء إِلَّا قطعه
وبإسناده قَالَ ذُو النُّون من تزين بِعَمَلِهِ كَانَت حَسَنَاته سيئات
سَمِعت أَحْمد بن عَليّ بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت فَارِسًا يَقُول سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول بِأول قدم تطلبه تُدْرِكهُ وتجده
1 / 32
وبإسناده قَالَ سَمِعت ذَا النُّون يَقُول أدنى منَازِل الْأنس أَن يلقى فِي النَّار فَلَا يغيب همه عَن مأموله
سَمِعت أَبَا سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن رُمَيْح الْحَافِظ يَقُول سَمِعت أَبَا يعلى ابْن خلف يَقُول سَمِعت ابْن البرقي يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول الْأنس بِاللَّه نور سَاطِع والأنس بالخلق غم وَاقع
سَمِعت نصر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب الْعَطَّار يَقُول سَمِعت أَبَا مُحَمَّد البلاذري يَقُول سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول لله عباد تركُوا الذَّنب استحياء من كرمه بعد أَن تَرَكُوهُ خوفًا من عُقُوبَته وَلَو قَالَ لَك اعْمَلْ مَا شِئْت فلست آخذك بذنب كَانَ يَنْبَغِي أَن يزيدك كرمه استحياء مِنْهُ وتركا لمعصيته إِن كنت حرا كَرِيمًا عبدا شكُورًا فَكيف وَقد حذرك
وبإسناده قَالَ ذُو النُّون الْخَوْف رَقِيب الْعَمَل والرجاء شَفِيع المحن
وبإسناده قَالَ ذُو النُّون اطلب الْحَاجة بِلِسَان الْفقر لَا بِلِسَان الحكم
سَمِعت أَحْمد بن عَليّ بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت الْحسن بن سهل بن عَاصِم يَقُول سَمِعت عَليّ بن عبد الله الكرجي يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول مِفْتَاح الْعِبَادَة الفكرة وعلامة الْهوى مُتَابعَة الشَّهَوَات وعلامة التَّوَكُّل انْقِطَاع المطامع
سَمِعت أَحْمد بن عَليّ بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت فَارِسًا يَقُول سَمِعت
1 / 33
يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول كَانَ لي صديق فَقير فَمَاتَ فرأيته فِي النّوم فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ قَالَ لي قد غفرت لَك بترددك إِلَى هَؤُلَاءِ السّفل أَبنَاء الدُّنْيَا فِي رغيف قبل أَن يعطوك
سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت أَبَا الْفضل الْعَبَّاس بن حَمْزَة قَالَ سَمِعت ذَا النُّون يَقُول كَانَ الرجل من أهل الْعلم يزْدَاد بِعِلْمِهِ بغضا للدنيا وتركا لَهَا وَالْيَوْم يزْدَاد الرجل بِعِلْمِهِ للدنيا حبا وَلها طلبا وَكَانَ الرجل مَاله على علمه وَالْيَوْم تكسب الرجل بِعِلْمِهِ مَالا وَكَانَ يرى على صَاحب الْعلم زِيَادَة فِي بَاطِنه وَظَاهره وَالْيَوْم يرى على كثير من أهل الْعلم فَسَاد الْبَاطِن وَالظَّاهِر
سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْفَارِسِي يَقُول سَمِعت فَارِسًا يَقُول سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول الْعَارِف كل يَوْم أخشع لِأَنَّهُ كل سَاعَة أقرب
قَالَ وَسمعت ذَا النُّون يَقُول يَا معشر المريدين من أَرَادَ مِنْكُم الطَّرِيق فليلق الْعلمَاء بِالْجَهْلِ والزهاد بالرغبة وَأهل الْمعرفَة بِالصَّمْتِ
سَمِعت أَبَا جَعْفَر الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت الْعَبَّاس بن حَمْزَة يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول إِن الْعَارِف لَا يلْزم حَالَة وَاحِدَة إِنَّمَا يلْزم ربه فِي الْحَالَات كلهَا
1 / 34
٣ - وَمِنْهُم إِبْرَاهِيم بن أدهم أَبُو إِسْحَاق
من أهل بَلخ كَانَ من أَبنَاء الْمُلُوك والمياسير خرج متصيدا فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف أيقظه من غفلته فَترك طَرِيقَته فِي التزين بالدنيا وَرجع إِلَى طَريقَة أهل الزّهْد والورع خرج إِلَى مَكَّة وَصَحب بهَا سُفْيَان الثَّوْريّ والفضيل ابْن عِيَاض
وَدخل الشَّام فَكَانَ يعْمل فِيهِ وَيَأْكُل من عمل يَده وَبهَا مَاتَ وَأسْندَ الحَدِيث
أخبرنَا عبد الله بن مُوسَى بن الْحسن السلَامِي بمرو قَالَ حَدثنَا لَاحق
1 / 35
ابْن الْهَيْثَم اللاحقي قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عِيسَى الدِّمَشْقِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فَيْرُوز الْمصْرِيّ قَالَ حَدثنَا بَقِيَّة قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن آدم عَن أَبِيه أدهم بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي ﷺ كَانَ يسْجد على كور الْعِمَامَة
سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْحسن بن الخشاب قَالَ حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمصْرِيّ قَالَ حَدثنِي أَبُو سعيد أَحْمد بن عِيسَى الخراز قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن بشار قَالَ صَحِبت إِبْرَاهِيم بن أدهم
1 / 36
بِالشَّام أَنا وَأَبُو يُوسُف الغسولي وَأَبُو عبد الله السنجاري فَقلت يَا ابا إِسْحَاق خبرني عَن بَدْء أَمرك كَيفَ كَانَ قَالَ كَانَ أبي من مُلُوك خُرَاسَان وَكنت شَابًّا فركبت إِلَى الصَّيْد فَخرجت يَوْمًا على دَابَّة لي وَمَعِي كلب فأثرت أرنبا أَو ثعلبا فَبينا أَنا أطلبه إِذا هتف بِي هَاتِف لَا أرَاهُ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَلِهَذَا خلقت أم بِهَذَا أمرت فَفَزِعت ووقفت ثمَّ عدت فركضت الثَّانِيَة فَفعل بِي مثل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ هتف بِي هَاتِف من قربوس السرج وَالله مَا لهَذَا خلقت وَلَا بِهَذَا أمرت قَالَ فَنزلت فصادفت رَاعيا لأبي يرْعَى الْغنم فاخذت جبته الصُّوف فلبستها وَدفعت إِلَيْهِ الْفرس وَمَا كَانَ معي وتوجهت إِلَى مَكَّة
فَبينا أَنا فِي الْبَادِيَة إِذا أَنا بِرَجُل يسير لَيْسَ مَعَه إِنَاء وَلَا زَاد فَلَمَّا أَمْسَى وَصلى الْمغرب حرك شَفَتَيْه بِكَلَام لم أفهمهُ فَإِذا أَنا بِإِنَاء فِيهِ طَعَام وإناء فِيهِ شراب فَأكلت وشربت وَكنت مَعَه على هَذَا أَيَّامًا وَعَلمنِي اسْم الله الْأَعْظَم ثمَّ غَابَ عني وَبقيت وحدي فَبينا أَنا ذَات يَوْم مستوحش من الْوحدَة دَعَوْت الله بِهِ فَإِذا أَنا بشخص آخذ بحجزتي وَقَالَ سل تعطه فراعني قَوْله
فَقَالَ لَا روع عَلَيْك وَلَا بَأْس عَلَيْك أَنا أَخُوك الْخضر إِن أخي دَاوُد علمك اسْم الله الْأَعْظَم فَلَا تدع بِهِ على أحد بَيْنك وَبَينه شَحْنَاء فتهلكه هَلَاك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَكِن ادْع الله أَن يشجع بِهِ جَنْبك ويقوى بِهِ ضعفك وَيُؤْنس بِهِ وحشتك ويجدد بِهِ فِي كل سَاعَة رغبتك ثمَّ انْصَرف وَتَرَكَنِي
1 / 37
وَسمعت مُحَمَّد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمصْرِيّ يَقُول سَمِعت أَحْمد بن عِيسَى الخراز قَالَ حَدثنِي غير وَاحِد من أَصْحَابنَا مِنْهُم سعيد بن جَعْفَر الْوراق وَهَارُون الأدمِيّ وَعُثْمَان التمار قَالُوا حَدثنَا عُثْمَان بن عمَارَة قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن أدهم عَن رجل من أهل إسكندرية يُقَال لَهُ أسلم بن يزِيد الْجُهَنِيّ قَالَ لَقيته بالإسكندرية فَقَالَ لي من أَنْت يَا غُلَام قلت شَاب من أهل خُرَاسَان قَالَ مَا حملك على الْخُرُوج من الدُّنْيَا قلت زهدا فِيهَا ورجاء لثواب الله تَعَالَى فَقَالَ إِن العَبْد لَا يتم رجاؤه لثواب الله تَعَالَى حَتَّى يحمل نَفسه على الصَّبْر فَقَالَ رجل مِمَّن كَانَ مَعَه وَأي شَيْء الصَّبْر فَقَالَ إِن أدنى منَازِل الصَّبْر أَن يروض العَبْد نَفسه على احْتِمَال مكاره الْأَنْفس
قَالَ قلت ثمَّ مَه قَالَ إِذا كَانَ مُحْتملا للمكاره أورث الله قلبه نورا قلت وَمَا ذَلِك النُّور قَالَ سراج يكون فِي قلبه يفرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل والناسخ والمتشابه قلت هَذِه صفة أَوْلِيَاء رب الْعَالمين قَالَ أسْتَغْفر الله صدق عِيسَى ابْن مَرْيَم ﵇ حِين قَالَ لَا تضعوا الْحِكْمَة عِنْد غير أَهلهَا فتضيعوها وَلَا تمنعوها أَهلهَا فتظلموها
فبصبصت إِلَيْهِ وَطلبت إِلَيْهِ وَطلب معي أَصْحَابه إِلَيْهِ فَقَالَ عِنْد ذَلِك يَا غُلَام إياك إِذا صَحِبت الأخيار أَو حادثت الْأَبْرَار أَن تغضبهم عَلَيْك فَإِن الله يغْضب لغضبهم ويرضى لرضاهم وَذَلِكَ أَن الْحُكَمَاء هم الْعلمَاء وهم الراضون عَن الله ﷿ إِذا سخط النَّاس وهم جلساء الله غَدا بعد النَّبِيين وَالصديقين
يَا غُلَام احفظ عني واعقل وَاحْتمل وَلَا تعجل فَإِن التأني مَعَه الْحلم وَالْحيَاء وَإِن السَّفه مَعَه الْخرق والشؤم قَالَ فَسَأَلت عَيْني وَقلت وَالله
1 / 38
مَا حَملَنِي على مُفَارقَة أَبَوي وَالْخُرُوج من مَالِي إِلَّا حب الأثرة لله وَمَعَ ذَلِك الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَة فِي جوَار الله تَعَالَى
فَقَالَ إياك وَالْبخل قلت مَا الْبُخْل فَقَالَ أما الْبُخْل عِنْد أهل الدُّنْيَا فَهُوَ أَن يكون الرجل بَخِيلًا بِمَالِه وَأما الَّذِي عِنْد أهل الْآخِرَة فَهُوَ الَّذِي يبخل بِنَفسِهِ عَن الله تَعَالَى أَلا وَإِن العَبْد إِذا جاد بِنَفسِهِ لله أورث قلبه الْهدى والتقى وَأعْطى السكينَة وَالْوَقار وَالْعلم الْكَامِل وَمَعَ ذَلِك تفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء فَهُوَ ينظر إِلَى أَبْوَابهَا بِقَلْبِه كَيفَ تفتح وَإِن كَانَ فِي طَرِيق الدُّنْيَا مطروحا
فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه اضربه فأوجعه فَإنَّا نرَاهُ غُلَاما قد وفْق لولاية الله تَعَالَى قَالَ فتعجب الشَّيْخ من قَول أَصْحَابه قد وفْق لولاية الله تَعَالَى فَقَالَ لي يَا غُلَام أما إِنَّك ستصحب الأخيار فَكُن لَهُم أَرضًا يطأون عَلَيْك وَإِن ضربوك وشتموك وطردوك وأسمعوك الْقَبِيح فَإِذا فعلوا بك ذَلِك ففكر فِي نَفسك من أَيْن أتيت فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك يؤيدك الله بنصره وَيقبل بقلوبهم عَلَيْك اعْلَم أَن العَبْد إِذا قلاه الأخيار واجتنب صحبته الورعون وأبغضه الزاهدون فَإِن ذَلِك استعتاب من الله تَعَالَى لكَي يعتبه فَإِن أَعتب الله ﷿ أقبل بقلوبهم عَلَيْهِ وَإِن تمرد على الله أورث قلبه الضَّلَالَة مَعَ حرمَان الرزق وجفاء من الْأَهْل ومقت من الْمَلَائِكَة وإعراض من الرُّسُل بِوُجُوهِهِمْ ثمَّ لم يبال فِي أَي وَاد يهلكه
قَالَ قلت إِنِّي صَحِبت وَأَنا ماش بَين الْكُوفَة الْكُوفَة وَمَكَّة رجلا فرأيته إِذا أَمْسَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فيهمَا تجَاوز ثمَّ يتَكَلَّم بِكَلَام خَفِي بَينه وَبَين نَفسه فَإِذا جَفْنَة من ثريد عَن يَمِينه وكوز من مَاء فَكَانَ يَأْكُل ويطعمني قَالَ فَبكى الشَّيْخ عِنْد ذَلِك وَبكى من حوله ثمَّ قَالَ يَا بني أَو يَا أخي ذَاك أخي دَاوُد ومسكنه من وَرَاء بَلخ بقرية يُقَال لَهَا الْبَارِدَة الطّيبَة وَذَلِكَ أَن الْبِقَاع تفاخرت بكينونة دَاوُد فِيهَا يَا غُلَام مَا قَالَ لَك وَمَا علمك
1 / 39