بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [طَبَقَات الصُّوفِيَّة] الْمُقدمَة الْحَمد لله الَّذِي أظهر آثَار قدرته وأنوار عزته فِي كل وَقت وزمان وَحين وَأَوَان وَعمر كل عصر من الْأَعْصَار بِنَبِي مَبْعُوث يدل الْخلق ويرشدهم إِلَيْهِ إِلَى أَن ختم الْأَنْبِيَاء وَالرسل بِالنَّبِيِّ الْأَشْرَف وَالرَّسُول الْأَعْلَى مُحَمَّد ﷺ وعَلى جَمِيع أَنْبيَاء الله وَرُسُله وأتبع الْأَنْبِيَاء ﵈ بالأولياء يخلفونهم فِي سُنَنهمْ ويحملون أمتهم على طريقتهم وسمتهم فَلم يخل وقتا من الْأَوْقَات من دَاع إِلَيْهِ بِحَق أَو دَال عَلَيْهِ بِبَيَان وبرهان وجعلهم طَبَقَات فِي كل زمَان فالولي يخلف الْوَلِيّ بِاتِّبَاع آثاره والاقتداء بسلوكه فيتأدب بهم المريدون ويأتسي بهم الموحدون قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم أَن تطؤوهم فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء﴾ الْآيَة الْفَتْح ٢٥ وَقَالَ النَّبِي ﷺ خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ الحَدِيث وَقَالَ ﷺ (مثل أمتِي مثل الْمَطَر لَا يدْرِي أَوله خير أم آخِره)

1 / 20

فَعلم ﷺ أَن آخر أمته لَا يَخْلُو من أَوْلِيَاء وبدلاء يبينون للْأمة ظواهر شرائعه وبواطن حقائقه ويحملونهم على آدابها ومواجبها إِمَّا بقول أَو بِفعل فهم فِي الْأُمَم خلفاء الْأَنْبِيَاء وَالرسل صلوَات الله عَلَيْهِم وهم أَرْبَاب حقائق التَّوْحِيد والمحدثون وَأَصْحَاب الفراسات الصادقة والآداب الجميلة والمتبعون لسنن الرُّسُل صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وَلذَلِك روى عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (لَا يزَال فِي أمتِي أَرْبَعُونَ على خلق إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ﵇ إِذا جَاءَ الْأَمر قبضوا) وَقد ذكرت فِي كتاب الزّهْد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعين قرنا فقرنا وطبقة فطبقة إِلَى أَن بلغت النّوبَة إِلَى أَرْبَاب الْأَحْوَال الْمُتَكَلِّمين على لِسَان التفريد وحقائق التَّوْحِيد وَاسْتِعْمَال طرق التَّجْرِيد فَأَحْبَبْت أَن أجمع فِي سير متأخري الْأَوْلِيَاء كتابا أُسَمِّيهِ طَبَقَات الصُّوفِيَّة أجعله على خمس طَبَقَات من أَئِمَّة الْقَوْم ومشايخهم وعلمائهم فأذكر فِي كل طبقَة عشْرين شَيخا من أئمتهم الَّذين كَانُوا فِي زمَان وَاحِد أَو قريب بَعضهم من بعض وأذكر لكل وَاحِد من كَلَامه وشمائله وَسيرَته مَا يدل على طَرِيقَته وحاله وَعلمه بِقدر وسعى وطاقتي وَهَذَا بعد أَن استخرت الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَفِي جَمِيع أموري وبرئت فِيهِ من حَولي وقوتي وَسَأَلته أَن يُعِيننِي عَلَيْهِ وعَلى كل خير ويوفقني لَهُ ويجعلني من أَهله وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَسلم كثيرا

1 / 21

الطَّبَقَة الأولى ١ - مِنْهُم الفضيل بن عِيَاض بن مَسْعُود بن بشر التَّمِيمِي ثمَّ الْيَرْبُوعي خراساني من نَاحيَة مرو من قَرْيَة يُقَال لَهَا فندين كَذَلِك ذكره إِبْرَاهِيم ابْن الْأَشْعَث صَاحبه فِيمَا أخبرنَا بِهِ يحيى بن مُحَمَّد العكرمي بِالْكُوفَةِ قَالَ سَمِعت الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الفرزدق بِمصْر قَالَ سَمِعت أَحْمد بن حموك قَالَ سَمِعت نصر بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ قَالَ سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث يذكر ذَلِك وَذكر إِبْرَاهِيم بن شماس أَنه ولد بسمرقند وَنَشَأ بأبيورد

1 / 22

كَذَلِك سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن رُمَيْح يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن نصر الضَّبِّيّ بسمرقند يَقُول يَقُول سَمِعت مُحَمَّدًا بن عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن شماس قَالَ سَمِعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول ولدت بسمرقند ونشأت بأبيورد وَرَأَيْت بسمرقند عشرَة آلَاف جوزة بدرهم سَمِعت أَبَا مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي يَقُول سَمِعت السراج يَقُول سَمِعت الْجَوْهَرِي يَقُول حَدثنِي أَبُو عُبَيْدَة بن الفضيل بن عِيَاض قَالَ أَبى فُضَيْل ابْن عِيَاض بن مَسْعُود بن بشر يكنى بِأبي عَليّ من بني تَمِيم من بني يَرْبُوع من أنفسهم ولد بسمرقند وَنَشَأ بأبيورد وَالْأَصْل من الْكُوفَة وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَارِث فُضَيْل بن عِيَاض بخاري الأَصْل وَالله أعلم مَاتَ فِي الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَأسْندَ الحَدِيث أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الرَّازِيّ قَالَ أخبرنَا الْحُسَيْن بن دَاوُد الْبَلْخِي قَالَ أخبرنَا فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ أخبرنَا مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (يَقُول الله تَعَالَى للدنيا يَا دنيا مري على أوليائي وَلَا تحلولي لَهُم فتفتنيهم)

1 / 23

أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت مُحَمَّدًا بن نصر بن مَنْصُور الصَّائِغ قَالَ سَمِعت مرْدَوَيْه الصَّائِغ قَالَ سَمِعت الفضيل بن عِيَاض يَقُول من يجلس مَعَ صَاحب بِدعَة لم يُعْط الْحِكْمَة قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول فِي آخر الزَّمَان أَقوام يكونُونَ إخْوَان الْعَلَانِيَة أَعدَاء السريرة وَبِه قَالَ سَمِعت الفضيل يَقُول أَحَق النَّاس بِالرِّضَا عَن الله أهل الْمعرفَة بِاللَّه ﷿ قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول لَا يَنْبَغِي لحامل الْقُرْآن أَن يكون لَهُ إِلَى خلق حَاجَة لَا إِلَى الْخُلَفَاء فَمن دونهم يَنْبَغِي أَن تكون حوائج الْخلق كلهم إِلَيْهِ قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول لم يدْرك عندنَا من أدْرك بِكَثْرَة صِيَام وَلَا صَلَاة وَإِنَّمَا أدْرك بسخاء الْأَنْفس وسلامة الصَّدْر والنصح للْأمة قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول لم يتزين النَّاس بِشَيْء أفضل من الصدْق وَطلب الْحَلَال قَالَ وَسمعت الفضيل يَقُول أصل الزّهْد الرِّضَا عَن الله تَعَالَى

1 / 24