وفي العدد الثاني والعشرين: «تجار شبا ورعمة متجرون معك وبأفضل كل طيب، وبكل حجر كريم، وبالذهب أقاموا أسواقك.» والمظنون أن المراد بشبا قوم استوطنوا على شاطئ بحر عامان، وبرعمة قوم سكنوا على الشاطئ الغربي من خليج العجم.
وفي الثالث والعشرين والرابع والعشرين: «حاران وكنة وعادان وتجار شبا وآشور وكلمد متجرون معك؛ هؤلاء يتجرون معك بالأنسجة الفاخرة بأردية من السمنجوني والوشي وبالنفائس من الثياب المبرمة المشدودة بالحبال المعكومة بين بضائعك.» وقد جاء في أقوال هوميروس أن الفينيقيين كانوا يتجرون بالرقيق كما قال النبي حزقيال.
وقد بحث العلماء في المحال التي ذكرها النبي حزقيال بحثا طويلا، وفندوا ذلك تفنيدا ليس من شأننا استيعابه في هذا المقام؛ فإن الذين كتبوا تأريخ سورية كالعلامة المطران يوسف الدبس وغيره قد استوعبوا ذلك بالتفصيل، وحسبنا أن نقول إن الفينيقيين اتجروا مع أهل آسيا ومع أهل أفريقيا ومع أهل أوروبا تجارة كبيرة في اليابسة والبحار، فقد احتكروا التجارة في مصر مدة أربعة قرون بجزية كانوا يدفعونها إلى الفراعنة، فحمتهم الفراعنة
4
فاتسع نطاق تجارتهم البحرية في ظل تلك الحماية، فإن الفينيقيين قد انتفعوا من الفتح المصري خلافا لسائر الشعوب السورية، ولم يمسهم شيء من الضرر والأذى في أثناء المحاربات؛ لبعد مواطنهم عن ممر العساكر التي كانت تسير من غزة إلى أشدود، فمجدو (وهذه كانت محطة الحروب بين المصريين والسوريين) ومن هنالك إلى قادش الجنوبية، ثم بين اللبنانيين إلى قادش الشمالية، فحماة فحلب حتى كركميش.
وقد لبث سكان جبيل وبيروت وصيدا وصور دائنين لسلطة الأجانب من الفراعنة منذ عصر تطمس الأول إلى عصر رعمسيس الثاني، وكان لهم امتياز أن يتجروا مع مصر، وبواسطة ذلك الامتياز قد تسنى لصيدا بعدما حلت من حيث السيادة بين الفينيقيين محل جبيل إن وسعت في نطاق فن الملاحة وبلغت ذروة المجد والغنى.
لما كان الفينيقيون قد كلفوا بجمع الثروة من أبواب التجارة والصناعة مدفوعين إلى ذلك بمقتضى حال مواطنهم نزعت نفوسهم إلى الاستعمار، ولا سيما في أيام سؤدد صيدا، فكانت جالياتهم في قبرس ورودس، وقد وجد في كريت آثار لهم تدل على أنهم استوطنوا هذه الجزيرة مدة من الزمن، وكذلك في بلاد اليونان. فقد قال هيرودوت عن أهل تابس ذات الأبواب السبعة إنهم فينيقيون من القوم الذين صحبوا قدموس إلى بواتسيا، وعلموا أهلها حروف الهجاء الفينيقية. وقد ذهب جماعة المؤرخين مذهب هيرودوت، ووافقهم لانورمان، وخالفهم الأب دي كارا؛ فإنه رأى أن الذين أتوا بواتسيا هم حثيون لا فينيقيون. وقد كانت للفينيقيين محال تجارية في شطوط الأبير وجنوبي إيطاليا وفي صقلية وقرطاجنة وبلاد العرب والكلدان وأرمينية، وكانت سفنهم تجتاز بوغاز الدردنيل وبحر مرمرا والبوسفور إلى البحر الأسود، وتسير فيه حتى تبلغ جنوب جبل قاف، فتأتي من هنالك بالمعادن الثمينة ولا سيما الذهب، وقد انتشرت معارف الفينيقيين وآدابهم وعبادتهم في جميع الأماكن التي داستها أقدامهم كما يدل على ذلك ما بقي من آثارهم، أما مدن فينيقية السورية فهي أرواد عاصمة الأرواديين من بني كنعان، وكان موقعها في الجزيرة المعروفة حتى الآن باسم أرواد وماراتوس المعروفة الآن بعمريت
5
وسمييرا عاصمة الصماريين، وقال لانورمان إنها في الجنوب من عمريت بالقرب من مصب النهر الكبير، وعرقة عاصمة العرقيين وهي معروفة باسمها حتى اليوم، وأرتوسيا وهي طرسوس، أو بلدة أخرى تقرب منها، وطرابلس وهي التي سماها اليونان تريبوليس أي المدن الثلاث، وقلموس والمظنون أنها كانت في محل القلمون اليوم، وجيفارتوس وترياريس ولا يعلم موقعهما حتى الآن، والبترون
6
Bilinmeyen sayfa